براءة الحزب.. من "الأهالي"
حرص حزب الله على المسارعة إلى تأكيد أن لا علاقة له بحادث إطلاق النار الذي أودى بحياة جندي إيرلندي ليل 14 كانون الأول الجاري في العاقبية بجنوب لبنان وأسفر عن إصابة 3 آخرين من قوة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان (اليونيفيل). وعليه يُبلغ الحزب القوات الدولية، والمجتمع الدولي من ورائها، أنّه لم يُصدر أمراً بإطلاق النار، وأنّ الطلقات التي انطلقت من رشّاش حربيّ ستبقى مجهولة الهويّة.
تنفيذ التهديد
يطالب مَن يطالب من داخل الأمم المتحدة أو من داخل إيرلندا أو العواصم الحليفة بإجراء تحقيق شفّاف لكشف ملابسات ما يُطلَق عليه وصف "الحادث".
وفي القمم الأممية سبق للجمعية العامّة أن أصدرت قراراً من دون أيّ "فيتو" بتشكيل محكمة خاصة بلبنان للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. عملت المحكمة وفق إرادة المجتمع الدولي على كشف ملابسات الجريمة، وانتهت إلى إصدار اتّهام ثمّ حكم ضدّ عناصر من حزب الله. بقي الأمر نظريّاً وبقي الحزب بمنأى عن القضاء الدولي وبقي قاتل الحريري في عرف حزب الله مجهولاً.
لا شيء يخشاه حزب الله ولا شيء في العالم أظهر حزماً في جرائم اتُّهم الحزب بارتكابها. والحزب لم يُخفِ غضباً من تعديل أدخله مجلس الأمن في آخر قرار له جدّد فيه مهامّ قوّاته العاملة في لبنان في 31 آب الماضي. وفق هذا التعديل باتت هذه القوّة لا تحتاج إلى "إذن مسبق أو إذن من أيّ شخص للاضطلاع بالمهامّ الموكَلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ". وفي 17 أيلول خرج الأمين العامّ للحزب السيد حسن نصر الله ليحذّر جنود اليونيفيل من أن لا "يدفعوا الأمور إلى مكان ليس لمصلحتهم".
منطقة عسكريّة لحزب الله
يتبرّأ الحزب من إثمٍ ارتُكب ضدّ القوّة الأممية، على الرغم من أنّ "الحادث" جرى في منطقة سكنية يسيطر عليها حزب الله أمنيّاً وعسكريّاً ويتحمّل المسؤولية السياسية الكاملة عنها. هي جريمة، وفق وصف وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، تضاف إلى جرائم لا تنتهي بسبب ضمور الدولة وتعملق الدويلة. هي جريمة يريد حزب الله إلصاقها بـ"أهل البلد" وسمعتهم ومنظومة أخلاقهم وقيمهم، وتحويلهم إلى كارهين لقوات حفظ السلام الدولية ولأيّ "آخر" في داخل البلد أو خارجه. استنتج رئيس وزراء إيرلندا مايكل مارتن بسهولة هذا الأمر، فاعتبر أنّ الحادثة أتت نتيجة وجود جنود بلاده في "بيئة عدائيّة صعبة". وفي دبلن مَن يتساءل: لماذا يبقى جنودنا عند الأعداء؟
لنتذكّر أنّ الحزب حذّر بتبرّم من مهامّ قوات اليونيفيل المعدّلة. في 10 أيلول اعتبر قيادي الحزب الشيخ محمد يزبك أنّ التعديل "يحوّل هذه القوّات إلى قوّات احتلال". في الوقت نفسه يتنصّل الحزب هذه الأيام من خطابه المؤسّس للعملية الانتقامية "التأديبية" الدموية التي تعرّضت لها المنظمة الأممية التي "ارتكبت" قرار التعديل.
يُلصق الحادث بـ"الأهالي"، أي السكّان المدنيين المفترض أنّهم أبرياء، الذين لاحظوا أنّ آليّتين أمميّتين تمرّان في أحيائهم ليلاً فأطلقوا وابلاً من الرصاص. سبق لـ"الأهالي" أن تحرّكوا "بشكل منفرد" للتصدّي للقوات الأممية في بلدات الجنوب، وقبل ذلك لفرق التحقيق التابعة للمحكمة الدولية التي جاءت فرقها تحقّق في قلب "الضاحية".
لا شكّ أن لا أحد يصدّق براءة حزب الله من دم ذلك الجندي الذي غادر بلده وعائلته ليقوم بوظيفته في صفوف القوات التابعة للأمم المتحدة المنوط بها مراقبة السلم والتأكّد من تطبيق القرارات الأممية في هذا الشأن. لا أحد يؤمن أنّ سلاح "الأهالي" هو الذي استهدف في تلك الليلة الباردة المجموعة العسكرية الأممية التي ارتكبت "حرام" المرور في طريق لا تسلكه عادة، فكانت عقوبة مَن يخالف قوانين السير الإعدام برصاص أهليٍّ مجهول.
عادة "الإفلات من العقاب"
قدّم حزب الله التعازي عن مقتل الضحيّة وكاد يتبرّأ من "الأهالي" وفعلتهم الشنيعة. وكذلك فعلت الدولة وساستها وقادتها وممثّلوها. ومن المتوقَّع في عرف الحزب، كما في عرف الدولة اللبنانية، وفق خبرات سابقة، وأد القضية وإغلاق الملفّ و"لملمة ذيول الحادث"، وفق صحيفة قريبة من الحزب، والمضيّ نحو أولويات أخرى. في زمن حرب أوكرانيا وقضايا الجائحة والتضخّم والطاقة ومعضلات العالم، لا شيء يوحي بأنّ مقتل جندي أممي في حادث ملتبس في منطقة يسيطر عليها "الأهالي" قد يغيّر شيئاً من هذا "اللا فعل" الذي اعتاده الحزب إلى حدّ السأم.
الحدث نكسة جديدة تقوّض كلّ الآمال في إمكانية تطبيع علاقات البلد مع المجتمع الدولي. والحدث يعرقل مقاربة المنظمات الدولية، بما فيها الماليّة، لكارثة لبنان الاقتصادية والاجتماعية، ذات الجذور السياسية والعسكرية والأمنيّة. والحدث "القاتل" يعيد تذكير، من يحاول أن ينسى، بمن يمسك قرار السلم والحرب في البلد وقرار الوصل والقطع مع العواصم القريبة والبعيدة. والحدث "الدموي" يُبلغ البطريك بشارة الراعي هراء التعويل على مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة.
لا عملية سياسية في لبنان من دون الإفراج عن اسم رئيس جديد للجمهورية في لبنان. عطّل حزب الله البلد وأبقى على الفراغ في قصر بعبدا حتى استسلمت الطبقة السياسية لخياره وانتخبت مرشّحه ميشال عون عام 2016. في عرف الحزب، لم يتغيّر شيء يمكن أن يمنع تكرار التجربة عينها حتى لو استمرّت "مسرحية" جلسات الانتخاب في البرلمان إلى إشعار آخر.
وإذا ما خُيّل للمجتمع الدولي أنّ بإمكانه فرض توازنات جديدة في شأن مستقبل البلد ومساراته وهويّة رئيسه، فإنّ "الأهالي" سيقولون قولتهم. وهذا ما رجّح من دون تردّد عزوف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عرّاب الحلّ الدولي في لبنان، عن زيارة قوات بلاده في الجنوب العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة التي أُعدم لها جندي انحرفت عربته عن "طريق الحزب" الصحيح.
محمد قواص - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|