دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
هذه قصة مراسيم تجنيس عهود ما بعد الطائف ولحود الاستثناء:
ربما لم يعد عجباً التحدث عن مراسيم التجنيس في لبنان بعدما باتت هذه المسألة كما لو انها عادة منذ ما بعد الطائف. هي عادة رئاسية، دأب عليها معظم رؤساء الجمهورية عبر استصدار مراسيم تجنيس "بالتكافل والتضامن" مع رؤساء الحكومة ووزراء الداخلية. ولم يخلُ مرسوم تجنيس واحد من روائح الفضيحة او المافيات، لئلا نقول بيع الجنسيات اللبنانية!
وبغضّ النظر عن السجال الدائر اخيرا بين الرئيسين #ميشال عون ونجيب ميقاتي على خلفية الكلام الذي أثير عن مرسوم تجنيس كان يُحضَّر له في أروقة القصر الجمهوري، فان القصة ابعد من صحة كلام هذا الرئيس او ذاك، لكونها مسألة تتعلق بكيانية الوطن والنظرة، التي ينبغي ان تكون "مقدسة"، الى الجنسية اللبنانية. ذلك ان كل بلدان العالم تضع شروطا "تعجيزية" احيانا لنيل جنسيتها، بحيث تكاد مراسيم التجنيس تكون من عادات الدول العربية، لئلا نقول من ممارسات الزعماء العرب ونظرتهم الخاطئة الى جنسيات بلادهم!
واذا كان الجدل الأخير قد طغى على مدى صحة اصدار مرسوم التجنيس من عدمها، فان عهد عون الرئاسي لم "يبخل" تجاه هذه المسألة بحيث عمد بعد عامين من ولايته الرئاسية، الى إصدار مرسوم تجنيس، وُصف يومذاك "بالفضيحة".
عهد عون "المزدوج"؟
في 11 أيار 2018، كانت "اللحظة الخفية" التي مُررت فيها "فضيحة مرسوم التجنيس" الأولى في عهد عون، وباتت تلك اللحظة علنية في أوائل حزيران من ذاك العام.
يومها، أتى مرسوم التجنيس بعد الانتخابات النيابية، ووقعته الحكومة قبل ان تتحول حكومة تصريف اعمال. آنذاك، تشارك الجميع في هذا النوع من "التهريبة" عبر إعداد مرسوم تجنيس حمل تواقيع الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وذيّل بتاريخ 11 أيار 2018.
كان النائب نديم الجميل اول من فضح الامر، وضمّ المرسوم نحو 400 شخص من تابعيات عربية واجنبية مختلفة، وسط تكتم ثلاثي من قصر بعبدا ورئاسة الحكومة ووزارة الداخلية... فكانت الفضيحة قد بدأت بالفعل بتهريبة.
واللافت أيضا ان المرسوم كان يحوي أسماء فلسطينيين (خلافا للدستور) وسوريين. هكذا، هرّب المرسوم ولم يُنشر حتى في الجريدة الرسمية، وحين راجع نواب الكتائب وزير الداخلية نهاد المشنوق وطلبوا الاستحصال على نسخة منه، لم يحصلوا عليها ولم يتسلموا أي نسخة، وكانت حجة المشنوق امامهم ان "وزارة الداخلية تنتظر الدراسة التي تكشف الجهة المخولة نشر المرسوم"، وكأن التدقيق في الأسماء يأتي بعد صدور المرسوم لا قبله...
وما عزز الشكوك، انه حين قامت القيامة على المرسوم، ردت دوائر قصر بعبدا محملة المسؤولية لوزارة الداخلية، ومشيرة الى ان "الوزارة يفترض ان تكون الجهة الأولى الأساسية المخولة التحقق من الأسماء، قبل ان يمهر الوزير توقيعه على المرسوم".
هنا، توسعت حدة المعارضة للمرسوم. وعقد اجتماع ثلاثي في مقر حزب الكتائب، ضم الى نواب الكتائب نوابا من "القوات اللبنانية" ومن "اللقاء الديموقراطي" لتحديد خطوات الاحتجاج... فكان ان سلك حزبا "القوات" والاشتراكي درب الطعن بالمرسوم امام مجلس شورى الدولة!
والفضيحة الثانية ان أيا من الحزبين لم يصله رد على الطعن. وعلى لسانهم وفي اكثر من تصريح، قالوا انهم لا يعرفون مصير الطعن. لم يتلقوا أي جواب بقبول الطعن او بردّه...
بهذه البساطة او "الوقاحة" اهملت القضية... بقي الطعنان في الادراج. هدأت الأوضاع وتابع المرسوم طريقه بأمان... كان الإهمال متعمدا الى حين سريان مفعول مرسوم التجنيس. وبفعل الضجة التي أثيرت يومها، طلب المشنوق التريث في صدور المرسوم، لا تجميده، فكان "تنقيح" لبعض الأسماء، بعدما طلب عون إعادة التدقيق! أي ان الامر تمّ بالمقلوب، فالتدقيق بالاسماء يكون قبل المرسوم لا بعده!
وفي عهد عون ايضا، وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة، طالعتنا صحيفة "ليبراسيون" بالحديث عن مرسوم تجنيس ثان كان يعدّ له، مع افول عهد عون،
الا ان المعلومات الرسمية بقيت تنفي ذلك، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة، وصولا الى وزارة الداخلية، علما ان الصحيفة كانت تحدثت عن "مسؤولين اربعة كبار سيتقاسمون عائدات البيع التي ستدرّ ما بين 300 و400 مليون يورو، وان مشتري الجنسية على وجه الخصوص هم من أقارب النظام السوري، الذين يسعون للسفر حول العالم من خلال الحصول على تأشيرات بسهولة أكثر من جواز سفرهم الأصلي".
دارت الأيام. انتهى عهد عون... ولم يبق من هذا الكلام سوى ردود بين الرئيسين عون وميقاتي، بعدما تبين للجميع عدم امكان تحمّل وزر مرسوم كهذا، وسط تبعات وازمات لا تنتهي!
بين الهراوي وسليمان
باستثناء الرئيس اميل لحود، لم يخلُ عهد رئاسي منذ ما بعد الطائف من مراسيم تجنيس، وان كان هذا الامر قد تمّ أيضا ما قبل الطائف، في عهود الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون وسليمان فرنجيه وغيرهم. في التسعينات، افتتح الرئيس الياس الهراوي المعادلة، واعتبرت المسألة، في عهده، مفصلية او متقدمة، لكون البلاد كانت خارجة للتو من حرب أهلية – داخلية نازفة، ومن اقصاء لفئة كبيرة من المسيحيين. فكان مرسوم التجنيس الشهير عام 1994 بمثابة الضربة القاضية لمفاصل الوطن وانهيار بنيته. يومها، جنّس نحو 300 الف شخص ما بين لبنانيين وسوريين.
آنذاك، أعلم رئيس الحكومة رفيق الحريري مجلس النواب بأنه وقّع والهراوي ووزير الداخلية بشارة مرهج مرسوم تجنيس 250 الف شخص، وضمّ المرسوم عددا من أهالي القرى السبع في الجنوب ووادي خالد وآخرين، الى جانب عدد من مكتومي القيد. وما هي الا أيام، حتى قامت قيامة الرابطة المارونية التي اعتبرت ان ثمة خللا كبيرا، بحيث ان أعداد المجنسين هي 80 في المئة للمسلمين، و20 في المئة للمسيحيين. ووجهت أصابع الاتهام الى الرئيس الحريري ودوره في تغليب المصلحة السنية من خلال هذا المرسوم، على حساب طوائف أخرى، مما يسبب خللا ديموغرافيا كبيرا.
هكذا، سارع رئيس الرابطة آنذاك نعمة الله ابي نصر وطعن بالمرسوم امام شورى الدولة... والمفاجأة كانت ان صدر القرار بعد تسعة أعوام، أي في العام 2003، بإعادة دراسة الملفات... ونفّذ قرار الطعن بعد ثمانية أعوام أي في العام 2011، فسحبت الجنسية ممن لم يستوفوا الشروط! 17 عاما اخذ هذا المرسوم، لكن "شبهاته" لا تزال كثيرة ...
وحده الرئيس اميل لحود اكمل ولايته الاصلية والأخرى الممدّد لها من دون مرسوم تجنيس، فكان الرئيس الوحيد، حتى اللحظة، ما بعد الطائف الذي لم يوقع مرسوم تجنيس. اما الرئيس ميشال سليمان فقد انهى عهده بتجنيس 644 شخصية. يومها، قيل ان ثمة مبالغ دفعت مقابل الجنسية، لكن سليمان سارع الى نفي الامر وتأكيد ان الاعداد كانت محدودة جدا وهي لحالات تستحق الجنسية، علما ان لا طعن قدّم بهذا الخصوص يومها!
هذه قصة مراسم تجنيس ما بعد الطائف. ولعل القاسم المشترك فيها هو "السرية" التي تُطبخ فيها، ما يضاعف الأسئلة حولها... أفلا يحق لنا السؤال: متى سنرقى الى مصاف الدول التي تحترم مواطنيها وجنسيتهم؟!
"النهار"- منال شعيا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|