"ليَعْلَمِ القَاصِي وَالدَّانِي"... رسالة من مفتي الجمهورية
وجّه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، رسالة إلى اللبنانيين بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة.
وقال دريان في نص الرسالة: "مع حُلولِ كُلِّ عامٍ هجريٍّ جَدِيد ، يقفُ المسلمونَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها مُحْتَفِينَ بعامٍ هجريٍّ جديد، ومُسْتَذْكِرين أحداثَ الهِجْرِةِ النَبَوِيَّةِ الشَّرِيفَة، التي تَسْتَحِقُّ الوَقْفَةَ المُتَأَنِّيَة، لأَنَّها كَانتْ في حَقِيقَتِها، حَدَثاً بالغَ الأهميةِ في تَارِيخِ وحَياةِ العربِ والمسلمين، وَهيَ لَم تَكُنْ سَفَرَاً وانْتِقَالاً لِتَحْصِيلِ مُتَعِ الدُّنْيَا ومَلَذَّاتِهَا، وإنما كانتْ انْتِقَالاً مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ على العقيدة، وتضحيةً كُبْرَى على حِسَابِ النَّفْسِ والمَالِ والأهْلِ والوَلَد، مِنْ أجلِ العَقِيدة، فهيَ تَبْدَأُ من أَجْلِ العَقِيدة، وغَايتُها العَقِيدة، وفِيهَا الإصرارُ على اتِّبَاعِ الحقِّ، والدَّعوةِ إلى نَهْجِ الهُدَى والرَّشَاد".
وأضاف، أيها المسلمون، أيها اللبنانيون: "الوَطَنُ عزيز ، ونحن اللبنانيين مَضرُوبٌ بِنا المَثَلُ في حُبِّ الوَطَن، لكنَّ المَكَارَةَ التي نَشَرَها المُتحَكِّمُون ، جَعَلتْ مِنَ العَيشِ في الوَطَنِ قِطعَةً مِنَ العَذَاب. هناكَ مُطارَدَةٌ في الليلِ والنَّهَار، وَإطباقٌ على جَعلِ العَيشِ مُستحِيلاً. ومَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الأشِقّاءِ وَالأصدقاء، وَمِنَ المُؤَسَّسَاتِ الدَّولِيَّة ، إلَّا وَنَصَحَ بِالتَّغيِيرِ وَالإصلاح ".
وتابع، "أعْتَقَدَ شَبَابُنَا أنَّ الحلَّ في الانتخابات. لكنَّ التَّغيِيرَ الذي جَلَبَتْهُ الانتخاباتُ ضَئيلٌ وَفَاقِدٌ في كَثيرٍ مِنْ وُجُوهِهِ لِلمَعْنَى. الوُجُوهُ هي الوُجُوه ، والتَّصَرُّفاتُ هي التَّصَرُّفات . لقد عَلَتِ الصَّرَخَاتُ فقط، وَمَا تَزَالُ السُّلُطَات، وَمَا تَزَالُ البُنُوكُ على سَطْوَتِها وَعَلى قَسوَتِها على المُوَاطِنِين ، مُعظَمِ المُوَاطِنين . وَظُرُوفُ التأزُّمِ تُخرِجُ مِنَ النَّاسِ أَسْوَأُ مَا في غَرائزِهِم . تَصَوَّرُوا ونحن على هذه الحَالَةِ مِنِ انْعِدَامِ الأَمْنِ وَالأَمَان، وَالحَيَاةِ الكَرِيمَة ، أَنْ تَأْتِيَ الدَّعوَةُ إلى تَقْسِيمِ بَلدِيَّةِ بَيرُوت. أَلا يَكْفِينَا مَا نَحنُ فيه مِنْ طَائفيةٍ بَغِيضَةٍ ، وَشَرذَمَةٍ لا حُدُودَ لها ، واقتراحاتِ مَخَارِجَ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلطَان، حتى نَصِلَ إلى الدِّفَاعِ عِنْ بَقايَا العَيشِ المُشتَرَك ، والجِوَارِ الآمِن ، وإنسانِيَّةِ الإنسان؟!"
وأردف، أيها المسلمون، أيها اللبنانيون: "مَا يَزَالُ تَشكِيلُ حُكومَةٍ عَامِلَةٍ مُتَعذِّراً كَالعَادَةِ، مع أنَّ المَطْلوبَ والمُلِحّ هو تشكيلُ حكومةٍ فاعلةٍ بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ لتداركِ الانهياراتِ الكارثيةِ التي يعاني منها المواطنون والوطن. والمطلوبُ أيضاً التقيد بالمهل الدستورية لانجازِ الاستحقاقاتِ المقبلةِ في مواعيدها ومن أهمها انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية يكون على قدْرِ آمالِ وتطلعاتِ اللبنانيين، أمَّا عن المَرَافِقِ التي مِنَ المَفرُوضِ أنْ تَخْدُمَ المُواطِنِين ، فَكُلُّها مُفَكَّكَةٌ أو مُتَعَطِّلة. وَيَقولُ لنا فلان : إنَّ الآخَرِينَ مَنَعُوهُ مِنَ الإصلاح. فَمَنِ الذي مَنَعَ مِنْ إِصلاحِ الكَهرَبَاء، وَخَرَّبَ القَضَاء، وَأَغَارَ على البَنْكِ المَركَزِيّ ، وَتَنَبَّهَ فَجْأَةً إلى أنَّ هناكَ مَنْ يُخالِفُ القانون؟. وهذا الخَرَابُ المُتَعَمَّدُ كُلُّه ، وَمَعَ ذلك ، هُنَاكَ الشَّكْوَى مِنْ ضَآلةِ الصَّلاحِيَّات ! الصَّلاحِيَّاتُ مُطلقَ ، لكنَّهَا دَائماً لِلتَّخريبِ وليسَ لِلبِنَاء".
وإستكمل دريان، أيها اللبنانيون: "دارُ الفَتوَى حَرِيصَةٌ على القِيَمِ الدِّينِيَّةِ المُمَثَّلَةِ بِمُؤَسَّسَاتِهَا وَرِجَالِهَا مِنَ المُسلِمِينَ وَالمَسِيحِيِّين، الذين هُمُ الدِّرْعُ الوَاقِي لِتَعزِيزِ مَكارِمِ الأخْلاقِ وَالتَّسَامُح، وَالرَّحْمَةِ وَالمَحَبَّة، التي لا يُمْكِنُ لِهذِهِ القِيَمِ أنْ تَجْنَحَ نَحوَ عَدُوِّ الأَرضِ وَالعَقِيدَةِ وَالمُقَدَّسَات".
وقال: "أمَّا بِالنِّسْبَةِ إلى تَرسِيمِ الحُدُودِ البَحرِيَّة، فهوَ حَاجَةٌ وَطَنِيَّة، وَتَوقِيعُ الاتِّفَاقِ يُعطِي الأَمَلَ بِمُستَقبَلِ لبنان ، الدَّولَةُ هِيَ صَاحِبَةُ القَرَارِ في مُفَاوَضَاتِ التَّرسِيمِ بِخُبَرَائها ومُخْتَصِّيَها ، وَهِيَ المَسؤُولَةُ الوَحِيدَةُ عَنِ الوَطَن ، بِالتَّوَصُّلِ إلى تَحقِيقِ مَطَالِبِها وَمَصَالِحِها الوَطَنِيَّة ، وهذا الأَمْرُ يَتَطَلَّبُ الكَثِيرَ مِنَ الحِكمَةِ وَالدِّرَايَةِ وَالطُّرُقِ الدِّبْلوماسِيَّة ، وَلا غَيرَ ذَلك ، وَلْيَكُنْ مَعلوماً إذا حَصَلَ تَرسِيمُ حُدُودِنَا البَحرِيَّة ، وَتَمَّ الاتفاق ، فهذا هو حَقُّ لبنانَ الطَّبِيعِيُّ في ثَرَوَاتِهِ البَحرِيَّةِ مِنَ العَدُوِّ الإسرائيليِّ المُحتَلِّ لِأرضِ فِلَسطِينَ وَمِيَاهِهَا، وهذا يَتَطَلَّبُ مِنَّا الوُقُوفَ بِحَزْمٍ حَولَ القَضِيَّةِ الفِلسطِينِيَّة ، والسَّعْيَ عَرَبِيّاً وَدَولِيّاً لإقامَةِ الدَّولةِ الفِلسطِينِيَّةِ المُستَقِلَّة ، وَعَاصِمَتُهَا القُدْسُ الشَّرِيف".
وأضاف، "لْيَعْلَمِ القَاصِي وَالدَّانِي أَنَّ لبنانَ كَانَ وَسَيبْقَى، بِعُمْقِهِ وأُمَّتِهِ العَرَبِيَّة ، وَتَعَاوُنِهِ مَعَ أشِقَّائهِ العَرَب ، مِنْ خِلالِ التِزَامِهِ قرَارَاتِ جَامِعَةِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة ، التي أَكَّدَتْ أنَّ لبنانَ دَولَةٌ عَرَبِيَّةٌ حُرَّةٌ مُستَقِلَّة ، وهذا يَدْفَعُنا لنُؤكِّدَ أنَّ عَيشَنَا الوَاحِدَ يكونُ بِوَحْدَتِنَا الوَطَنِيَّة، لِيَبْقَى لبنانُ بِتَنَوُّعِهِ الإسلامِيِّ المَسِيحِيّ ، نَمُوذَجاً حَضَارِيّاً في هذا الشَّرقِ العَرَبِيّ ، الذي يَئِنُّ مِنَ الأَزَمَاتِ المُتَلاحِقَة ، بِسَبَبِ الاحتلالِ الصُّهْيُونِيِّ لأرضِ فِلَسطِينَ المُبَارَكَة".
وختم دريان بالقول: "كلُّ عامٍ هجريٍ وأنتم بخير، والسَّلامُ عليكم ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|