إقتصاد

اقتصاد العالم في 2022: السنة التي فاجأت الجميع

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في مطلع هذه السنة، كان خبراء المؤسسات الدوليّة كافّة غارقين في توقّعاتهم المتفائلة بالنسبة لعام 2022. في شهر كانون الثاني الماضي مثلًا، توقّع تقرير "الآفاق الاقتصاديّة العالميّة" الصادر عن البنك الدولي أن يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي هذه السنة حدود 4.1%، مدفوعًا بنمو سيناهز 4.2% في منطقة اليورو، و3.7% في الولايات المتحدة الأميركيّة، و5.1% في الصين.

أما صندوق النقد، فكان أكثر تفاؤلًا، حين قدّر –قبل بداية العام الحالي- أن يقارب معدل نمو الاقتصاد العالمي مستوى 4.9% خلال العام 2022، ونحو 3.8% خلال العام 2023. علمًا أن تلك التقديرات ارتكزت على توقّع نسب نمو تصل هذه السنة لحدود 5.2% في الولايات المتحدة الأميركيّة، و4.3% في منطقة اليورو، و5.6% في الصين.

نتائج 2022 عاكست التوقّعات
اليوم، وعلى مشارف نهاية السنة، يبدو من الواضح عام 2022 عاكس كل هذه التوقّعات، وخيّب آمال كل هؤلاء الخبراء. فصندوق النقد الدولي، لا يقدّر اليوم أن تصل نسبة النمو في اقتصاد الولايات المتحدة إلى أكثر من 1.6% هذه السنة، و1% خلال العام المقبل (تتوقّع وكالة فيتش انخفاضه إلى 0.2%). أمّا اقتصادات منطقة اليورو، فلن تنمو بأكثر من 1.5% في ألمانيا، و2.5% في فرنسا، فيما من المتوقّع أن لا تسجّل منطقة اليورو بأسرها نسبة نمو تتخطّى 0.5% خلال السنة المقبلة، حسب أرقام الصندوق (تتوقّع وكالة فيتش أن تنخفض النسبة إلى 0.2%).

وفي النتيجة، ستقتصر نسبة نمو الاقتصاد العالمي على نحو 3.2% هذه السنة، ومن المتوقّع –حسب هذه التقديرات- أن لا تتخطّى مستوى 2.7% خلال العام 2023. مع الإشارة إلى أنّ العديد من التحليلات تذهب باتجاه توقّع انكماشات اقتصاديّة في الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو خلال العام المقبل، عبر تسجيل نسب سلبيّة، لا نسب نمو إيجابيّة متدنيّة.

باختصار، وبخلاف ما توقّعته المؤسسات الدوليّة، لم يحمل عام 2022 استكمالًا لمسار الانتعاش الاقتصادي، الذي بدأ في مرحلة التعافي من تداعيات تفشّي وباء كورونا سنة 2021. بل وعلى العكس تمامًا، حمل هذا العام تحوّلات سلبيّة غير منتظرة، بما ينذر بأزمة اقتصاديّة عالميّة قاسية خلال العام المقبل.

ما لم يتوقّعه الجميع
في مقابلة نشرها موقع البنك الدولي، يسأل كبير الاقتصاديين في البنك، إندرميت غيل، بجرأة، "إذا كنّا قد أخطأنا لهذا الحد منذ 11 شهرًا، فلماذا نقدّم توقعاتنا اليوم؟"، محاولًا عبر هذا السؤال الافتراضي فتح باب النقاش حول سبب التفاوت الكبير بين توقعات المؤسسات الدوليّة لهذه السنة، وما جرى خلالها فعلًا.

وليجيب غيل على هذه التساؤلات، يبدأ بالتذكير أنّ ثمّة ثلاث تكتّلات اقتصاديّة تسيطر مجتمعة على 60% من الناتج المحلّي العالمي، هي الصين والولايات المتحدة الأميركيّة وأوروبا. ولفهم التحوّلات الاقتصاديّة الأساسيّة على الخريطة العالميّة، من المفترض العودة إلى المحطّات التي مرّت بها هذه التكتلات بالتحديد.

ما لم يتوقّعه الجميع كان ثلاثة تحوّلات طرأت على التكتلات الثلاثة خلال سنة واحدة:

- في الولايات المتحدة، قرّر الاحتياطي الفيدرالي هذه السنة إطلاق حربه على التضخّم، الذي بلغ خلال هذا العام أعلى مستوياته منذ 40 سنة. ولهذه الغاية بالتحديد، شرع الاحتياطي الفيدرالي بإصدار قرارات رفع سعر الفائدة القياسي بشكل شرس وسريع، وصولًا إلى مستوى 4.5% خلال منتصف الشهر الحالي، ما مثّل أعلى معدّل للفوائد منذ 15 سنة. وهذه القرارات، وإن مثّلت ردّ فعل طبيعيّ ومطلوب في وجه التضخّم، إلا أنّها مثّلت في الوقت نفسه سياسات نقديّة إنكامشيّة، قلّصت من قدرة الاقتصاد الأميركي على استكمال النمو الذي شهده بعد انحسار وباء كورونا.

- في دول منطقة اليورو، ومنذ شهر شباط الماضي، كانت جميع القطاعات الصناعيّة تدفع ثمن الحرب الأوكرانيّة، وما تلاها من تراجع في إمدادات الغاز الروسي وارتفاع في أسعار مصادر الطاقة. كما ساهمت هذه التطوّرات بزيادة الضغوط التضخميّة التي شهدتها الأسواق الأوروبيّة، وما نتج عنها من تراجع في تنافسيّة الإنتاج الأوروبي. وفي وقت لاحق، دفعت اقتصادات العالم قاطبة ثمن تهديد سلاسل إمداد الغذاء ومصادر الطاقة، وتضخّم الأسعار العالمي الذي نتج عن هذه التطوّرات.

- أما الاقتصاد الصيني، فدفع بدوره ثمن سياسة "صفر كوفيد" التي قرر النظام الصيني اعتمادها، والتي استمرّت بفرض تدابير صارمة ومشددة أدّت إلى إقفال أجزاء واسعة من البلاد. كما عانت الصين خلال العام الحالي من تبعات أزمة مديونيّة الشركات العقاريّة الكبرى، التي تركت أثرها على مساهمة القطاع العقاري الصيني في الناتج المحلّي للبلاد.

هكذا، ضربت ثلاثة تطوّرات سلبيّة إمكانات النمو في أهم ثلاثة تكتلات اقتصاديّة عالميّة، ما انعكس في أرقام العام 2022. ولهذا السبب، تفرمل مسار انتعاش ما بعد وباء كورونا، الذي بدأ خلال العام الماضي، ودخل العالم مرحلة التأزّم. وبما أنّ جميع هذه التطوّرات لم تكن على "رادار" المؤسسات الدوليّة، ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كان من الطبيعي أن تخالف توقّعات هذه المؤسسات تطوّرات العام الحالي.

تحوّلات في مراكز الثقل الاقتصاديّة والماليّة
من المبكر القول أن العام الحالي شهد بالفعل تحوّلات كبيرة في مراكز الثقل الاقتصاديّة والماليّة، إلا أن الأكيد أن تطوّرات الأشهر الماضية فتحت باب تطوّرات كبيرة من هذا النوع، وهو ما بدأ يثير نقاشات جديّة في أوساط اقتصاديّة غربيّة. فبالتوازي مع الأزمات التي عصفت بالدول الغربيّة خلال العام 2022، من المتوقّع أن تسجّل دول مجلس التعاون الخليجي نسب نمو تصل إلى حدود 6.9% خلال العام الحالي، بالاستفادة من ارتفاع أسعار مصادر الطاقة، وفقًا لتوقعات البنك الدولي. كما انعكست هذه التطورات على شكل فوائض وازنة في ماليّتها العامّة، بنسبة متوقعة تصل إلى 5.3% من ناتجها المحلّي. أمّا فوائض ميزان المدفوعات في هذه الدول، فستصل خلال هذا العام إلى حدود 17.2% من ناتجها المحلّي.

وكان من الواضح أن دول الخليج العربي تمكنت خلال السنة من ترجمة الفرص التي حملها هذا العام في أدائها السياسي، وهو ما ظهر في موقف المملكة العربيّة السعوديّة المتعلّق بقرار خفض إنتاج النفط، الذي اتخذته مجموعة أوبيك+ بمعزل عن الضغوط الأميركيّة التي حاولت الحؤول دون اتخاذ هذا القرار. كما ظهر هذا التحوّل في أداء قطر، التي اكتسبت ومارست مؤخّرًا قوّة تفاوضيّة متقدمة في وجه شركائها الأوروبيين والأميركيين، بالنظر إلى قدراتها الإنتاجيّة الكبيرة في أسواق الغاز المُسال، الذي تراهن عليه الدول الغربيّة اليوم للتعويض عن انقطاع إمدادات الغاز الروسي.

هذا المشهد، يتكامل مع التقدّم الذي استمرّت بتحقيقه تكتلات اقتصاديّة ناشئة، كالهند مثلًا، التي من المتوقّع أن تحقق هذه السنة نسبة نمو تناهز 6.8%، وأن تحافظ خلال العام المقبل على نسبة نمو مرتفعة قد تلامس 6.1%، حسب تقديرات صندوق النقد الأخيرة. كما حافظت دول جنوب شرق آسيا على نسب نمو مرتفعة هذه السنة، بلغت حدود 5.3%، ومن المتوقّع أن تستمر بتحقيق نسب نمو تتجاوز 4.9% خلال العام المقبل.

لكل هذه الأسباب، يتوقّع خبراء غربيون كثر اليوم أن تؤسّس التحوّلات التي شهدها الاقتصاد العالمي هذه السنة لانزياح مراكز الثقل الاقتصاديّة الماليّة في العالم باتجاه الجنوب والشرق، ولو بشكل متدرّج. لكن وبمعزل عن دقّة هذه النظريّة، التي تدفع باتجاه تأكيدها الكثير من المؤشّرات، من الأكيد أن الاقتصادات الغربيّة، وتحديدًا الأوروبيّة والأميركيّة، ستعاني على مدى العام المقبل من تركة العام 2022، وخصوصًا على مستوى آثار أزمة الطاقة وتداعيات الفوائد المرتفعة. وهذا التداعيات، بدأت بالظهور في نهاية العام الحالي في دولة كبريطانيا، حيث دفعت معدلات التضخّم المرتفعة النقابات العمّاليّة هناك إلى إطلاق أقسى موجات الإضراب التي شهدتها البلاد منذ عقود، للمطالبة بتصحيح أجور العاملين في قطاعات مختلفة. وهذا النوع من الاضطرابات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، قد يصبح مألوفًا في الكثير من الدول الغربيّة خلال العام المقبل.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا