عربي ودولي

روسيا منهكة والصين متحفّظة... والغرب يراجع حساباته!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يستشرف التقرير الجيوسياسي السنوي الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية The International Institute for Strategic Studies ((IISS انعكاسات الأحداث الكبرى في عام 2022، لا سيّما الحرب الأوكرانية، على الآفاق الاستراتيجية للعام المقبل، وفي ما يلي محاور التطوّر الجيوبوليتيكي المتوقّع:

طابع روسيّ إمبرياليّ داخليّ

أوّلاً، في مآل حرب أوكرانيا، وآثارها في موقع بوتين ومكانة روسيا، يرى التقرير أنّه ربّما يكون من المهين لبوتين وغير المقبول أن تُهزم روسيا في ساحة المعركة على يد أوكرانيا وحدها. إذ كيف يصمد الادّعاء بعد ذلك بأنّ روسيا قوّة عظمى؟ وسيكون أقلّ إحراجاً وأكثر قابلية للتفسير إذا اعتُبرت القوى الغربية شريكة رئيسية في انتصار أوكرانيا. لذا على الرغم من كلّ مخاوف التصعيد، ستمنح الدول الغربية، التي تدعم أوكرانيا، بوتين الفرصة لإلقاء اللوم عليها. وبحسب التقرير، يمكن للطغاة أن ينقذوا ماء الوجه بسهولة أكبر إذا تمكّنوا من إلقاء اللوم على العالم الخارجي حين يفشلون. وفي معطيات الواقع العسكري، يرى التقرير أنّ احتمال انتصار أوكرانيا على روسيا أكثر ترجيحاً من نصر روسي أو جمود طويل الأمد. ومع استمرار الأزمة المحلّية في روسيا، وتزايد القلق بشأن الحرب مع تحوّل "التعبئة الجزئية" إلى ما هو أوسع نطاقاً، سيتعيّن على بوتين التفكير أكثر في استقرار الجبهة الداخلية. ففي المناطق الروسية خارج المدن الكبرى، كان الانزعاج من التعبئة مستساغاً. فلروسيا طابع إمبريالي داخلي. وعليه، ستكون من أولويات الكرملين في عام 2023 الحفاظ على التماسك الوطني. ومنه تصدر القرارات في كيفيّة إيضاح مسار الحرب وغايتها النهائية.
ثانياً، يؤكّد التقرير أنّه بحلول عام 2023 سترى دول قليلة ميزةً ما في ارتباطها الوثيق بروسيا المنهكة. في بلدان آسيا والشرق الأوسط، أثارت الحرب تساؤلات عن تحالفاتها واستراتيجياتها التحوّطية. أمّا اعتبار روسيا "ذات وزن زائد"، بنظر تلك البلدان، والتي كانت روسيا تقليدياً مورِّداً رئيسياً لأسلحتها، فسيكون مكلفاً لها الارتباط بموسكو على المدى المتوسط، وربّما في المدى الأقرب. وستكون إعادة التوازن ضرورية في نهاية المطاف. هذه البلدان ربّما كانت لمدّة طويلة جداً مُنساقة لحكاية أنّ روسيا قوة عظمى، وهي بطيئة في التكيّف مع احتمال سقوط روسيا من المرتبة الأولى في المكانة الجيوسياسية. ومن الواضح أنّ الصين قد انزعجت من فشل بوتين في تحقيق نصر سريع. وستحذّر بكين أيضاً من استخدام السلاح النووي، لأنّ تسهيل استخدامه سيكون إلى حدّ كبير ضدّ مصالح الصين.

لم تكن بكين مؤيّدة صريحة للحرب، وظهر حذرها أكثر على الصعيد العسكري، واتّخذت موقف الامتناع دبلوماسياً، خاصة في الأمم المتحدة. تستفيد الصين من شراء الطاقة الروسية المخفّضة السعر، لكنّها لم تمارس ضغطاً للحصول على ميزات تجارية مع روسيا. ويستشرف التقرير أنّه مع مرور الوقت، من المحتمل أن تستمرّ روسيا في معارضتها الغرب، لكنّها ستكون قطباً ضعيفاً ومتصدّعاً في "عالم متعدّد الأقطاب"، حسب ما كانت عليه آمال الصين الاستراتيجية. أمّا وضع الهند المتعدّد الاصطفافات السياسية فيكشف عن موقف عدم الانحياز لديها. تسليحياً، ستسارع الهند إلى تنويع مصادر سلاحها المستورد حين تدرك أنّ روسيا ليست مصدراً موثوقاً للأسلحة التي يمكن الاعتماد عليها.
بحر أسود حرّ ومفتوح؟

ثالثاً، ممّا كشفته هذه الحرب، حسب التقرير، أنّ المسارح الاستراتيجية الأوروبية - الأطلسية والمسارح الأوسع للمحيطين الهندي والهادئ، يعتمد بعضها على بعض. فأكبر مستورد للقمح الأوكراني هو مصر. وإندونيسيا في المرتبة الثانية. تأثير هذه الحرب في أوروبا ملموس دوليّاً. بالنسبة إلى الأميركيين الشماليين والأوروبيين الذين تعهّدوا بالتزامات تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإنّ النجاح في أوروبا سيكون أيضاً أمراً حيويّاً للنجاح في آسيا. إنّها ليست مجرّد مسألة توقيت الالتزام بهذه التعهّدات، بل هي مسألة تتعلّق أوّلاً بالمصداقية.

بصراحة، كيف يمكن للمرء أن يتحدّث عن الإسهام في دعم منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرّة والمفتوحة، إذا لم يكن من الممكن ضمان بحر أسود حرّ ومفتوح؟ لو كان الغرب قادراً على إيجاد طريقة لإعادة فتح البحر الأسود بكامله، وإرسال سفن حربية لحماية السفن التي تنقل الحبوب والأسمدة إلى الجنوب العالمي، لكان ذلك سيقلّل من تأثير الحرب في الأمن الغذائي لبقيّة دول العالم. كان من شأن هذا الإجراء أيضاً أن يكشف حقيقة أنّ حرب بوتين لم تكن مجرّد قضية إقليمية، بل ذات تداعيات عالمية. ومن أجل المصلحة الإقليمية والأوسع نطاقاً، يجب أن توضع حرّية الملاحة في البحر الأسود في أولويّات جدول أعمال أوروبا الأمني، في الأقل بقدر مسألة استقلال أوروبا عن روسيا في مجال الطاقة.
ستتمحور القضايا الاستراتيجية الكبرى لعام 2023 حول أفضل طريقة للتعامل مع القوى المتراجعة والصاعدة والمتمرّدة. لقد تحوّلت روسيا في عهد بوتين إلى دولة إرهابية، تقصف المدنيين بشكل منتظم وشرّير. وعلى الدول الأوروبية مع حلفائها في أميركا الشمالية، أن تعارض بالضرورة روسيا الانتقامية التي تهدّد الآن باستخدام الأسلحة النووية إذا كان مطلوباً بقاء النظام الأمني الغربي بأيّ شكل من الأشكال. إنّ روسيا الضعيفة والمفكّكة، وربّما المهزومة، ستمثّل نوعاً مختلفاً من التحدّي. لكن لا ينبغي لهذه النتيجة المحتملة أن تمنع الغرب من الانتصار في الحرب في أوكرانيا، وستحتاج الدول الأوروبية إلى تقويم التهديدات الإضافية والانتباه إليها.

إيران وآسيا

رابعاً، في الشرق الأوسط، تعرّضت القيادة الدينية الإيرانية للانتقاد من النساء الساعيات إلى استقلالهنّ وحرّيتهنّ. كان النظام ما يزال حازماً على المستوى الإقليمي من خلال مسارات ترسيخ نفوذه، وكان يقاوم المناشدات لتقليص برنامجه النووي في إطار تمديد متواضع لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مرّة أخرى. التحدّيات هنا من أنواع مختلفة: كيفية احتواء طموحات إيران الإقليمية، وكيفية التعامل مع إيران التي قد تكون أيضاً عرضة لمعارضة داخلية ضخمة، والتي سيكون لقمعها عواقب أخرى. لكن في عام 2023، سيكون من الضروري للولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية إيجاد سياسة مشتركة تجاه إيران، مع أنّ تجربة العقدين الماضيين تبيّن أنّه نادراً ما كانت المقاربات متزامنة، ولا توحي بالتفاؤل.


وفي آسيا، هناك قلق من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. يلوم البعض الصين على "المبالغة في استعمال قوّتها"، وعلى كونها حازمة جدّاً، ويلقي آخرون باللوم على الولايات المتحدة لعدم تقديرها المصالح الجوهرية للصين، وعدم عثورها على الكثير من القضايا الأخرى التي يجب أن تواجه الصين بشأنها، بما في ذلك المجال الاقتصادي.

تشعر دول جزر المحيط الهادئ الصغيرة بأنّها عالقة في منافسة جديدة بين الولايات المتحدة والصين. وإثر اختتام المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي الصيني، وفيما تجد الصين طريقها للخروج من سياستها الديناميكية: "صفر - كوفيد"، سيكون من المرغوب فيه رؤية بعض الاعتدال في الموقف الصيني الخارجي، وبعض التخفيف من التوتّر بينها وبين الولايات المتحدة، لكنّ الطريق إلى ذلك غير واضح. لا شيء من هذا يساعده الاختبار المنتظم الذي تقوم به كوريا الشمالية لقدراتها الصاروخية. قد يكون ضجيجها السياسي خافتاً بسبب الاهتمام بالحرب بين روسيا وأوكرانيا. لكنّ أثرها الاستراتيجي لا يزال يشعر به بقوّة حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا.

العالم والديمقراطية

خامساً، يرى التقرير أنّ من غير المرجّح، في هذه اللحظة من المنافسة الجيوسياسية المكثّفة وعدم اليقين، أن تنبثق ميزة استراتيجية لدى إضافة معركة سياسية أيديولوجية أخرى إلى هذا المزيج. وذلك حين حدّدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما طبيعة الصراع الحالي بأنّه صراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية. ثمّة حقيقة في هذا التوصيف من نواحٍ كثيرة. ومع ذلك، سيكون من الخطأ إطلاق منافسة جديدة ثنائية القطب بين ما يسمّى بالدول الأوتوقراطية والدول الديمقراطية. فوفقاً لِما جاء في التقرير، ليس الغرب في أفضل وضع لإطلاق مهمّة ديمقراطية عالمية جديدة. بل إنّ الديمقراطية، على أيّ حال، ليست منتجاً يمكن تصديره، والحواجز "غير الجمركية" مرتفعة. يظلّ المثال الغربي ناجحاً، وهو نموذج يرغب الكثيرون في البلدان الأخرى في اتّباعه، لكن على طريقتهم الخاصة وبواسطة وسائلهم الخاصة. لا يزال الغرب بحاجة إلى العمل عن كثب مع الدول التي قد لا يكون أسلوب حكمها مرغوباً فيه. إنّ إبعادهم عن طريق وضعهم في معسكر معارض سيجعل التعاون المطلوب أكثر صعوبة. "إنّ الحكم الرشيد بدون ديمقراطية هو أكثر أماناً من الناحية الاستراتيجية من الديمقراطية بدون حكم جيّد". لذا ستبقى هائلةً المسؤوليّات السياسية والعسكرية للحفاظ على الاستقرار العالمي. يجب نشر هذه الكفاءة المهنية "السياسية والعسكرية pol-mil" بعناية في عام 2023.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا