زَوْدة "من العبّ إلى الجيبة"!
لا تتوقّعوا من اللبنانيين أن يحتفلوا (رغم أنكم لا تهتمّون بذلك أصلاً)، ولا أن يصفّقوا بعد "ضربة" زيادة الأجور الأخيرة في القطاع الخاص، ولا أن تدمع عيونهم عندما يستمعون الى من يقول "إننا فعلنا المُمكن، رغم علمنا بأنه غير كافٍ"، خصوصاً أن من اتّفقوا على تلك الزيادات هم أولئك الذين تتجاوز مداخيلهم مئات الآلاف، أو حتى ملايين الدولارات "الفريش" شهرياً، فيما يدفعون أجور ورواتب 10 أشخاص ربما (يعملون في مؤسّساتهم)، بمبلغ قد لا يتجاوز الـ 500 دولار ("فريش") شهرياً، يُقتطَع من تلك الآلاف والملايين.
فمن يحبّ الموظّفين، يُسرّع خطاه الى معالجة الأسباب التي تزيد من الفقر، ومن تآكُل الرواتب أكثر فأكثر، وذلك بدلاً من أن يتفاخر بما يعتبره "إنجاز" اجتماع "لجنة المؤشّر" 14 مرّة خلال عام.
يصف مصدر مُتابِع لملفات الفساد والهدر في الدولة اللبنانية، الزيادة الأخيرة على الأجور في القطاع الخاص، بـ "زودة" من "العبّ" الى "الجيبة". فبعض "مفاتيح" القطاع الخاص الذين تنمو ثرواتهم ومؤسّساتهم ومصالحهم من الفساد "المُترعرع" في البلد، يزيدون أجور العاملين في القطاع الخاص، ليصمتوا عن الاستمرار بتكبُّدهم الخسائر اليوميّة من جراء الانهيار المالي والاقتصادي الذي سيزداد أكثر، بموازاة ارتفاع في الأسعار، وانهيار في خدمات الدولة (إنترنت، إتّصالات، مياه...) الذي بدأ يزداد بدوره في عدد من المناطق. وهو ما يعني أن الزيادة الأخيرة هي "زودة" ما قبل "نسخة جديدة" من الانهيار المعيشي والحياتي.
ويرى المصدر أن تلك الزيادة تُدفَع من "عبّ" هؤلاء، لتعود بنسبة كبيرة منها الى جيب الدولة، بضرائب ورسوم جديدة... ستزداد مستقبلاً، بحثاً عن مزيد من الموارد التي ستحتاجها (الدولة) أكثر، لتوفير الرواتب لقطاع عام غير مُنتِج أصلاً، وهو لن يتأخّر عن التحرّك بدوره لـ"تشبيح" المزيد والمزيد من الأموال، تحت طائلة البَدْء بإضرابات وتحرّكات جديدة.
ويؤكد أن من يحبّ الموظّفين، يلجم لهم دولار السوق السوداء، ويضبط لهم ارتفاع الأسعار، ويعمل على توفير الخدمات الأساسية، من مياه، وإنترنت، واتّصالات، في وقت قريب على الأقلّ، بشكل ثابت، وبما يمكّنهم من الدّفع مرّة واحدة مقابل الحصول عليها، وبمبالغ مقبولة. فلا يمكن ترك المواطن اللبناني ينهار، في انتظار تطبيق الإصلاحات الشاملة، وبرنامج "صندوق النّقد الدولي". وهي مسارات لا تزال بعيدة.
أما ما تبقّى من زيادات على الأجور، فهي وفق المصدر، سياسية أكثر ممّا أن تكون اقتصادية، أي تماماً مثل سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي هو سعر صرف سياسي. فتلك الزيادات بعيدة من أي انسجام علمي مع الحاجات الواقعيّة، لا على صعيد الرواتب، ولا على مستوى بدل النّقل، والمكتسبات والمستحقّات الأخرى لشعب يزداد فقراً، ويتوغّل في الحاجة، في كلّ مرّة يتأخّر فيها لَجْم السوق السوداء.
ويُشير المصدر الى أن من يحبّ الموظّفين في القطاع الخاص، يُسرّع الخطوات باتّجاه تقليص عدد العاملين في القطاع العام خلال وقت قريب جدّاً، وأعداد بعض العاملين في القطاعات الأمنية التي تكلّف الكثير من الأموال في السنة، والتي تكلّف رواتبها جيوب اللبنانيين الكثير من الضرائب، من دون أن تكون (تلك القطاعات) مُنتِجَة. فيما يُمكن تخفيف الأعباء والضّغوط عن جيوب الشعب اللبناني، عبر تسريح قسم كبير من العاملين فيها.
فبعض تلك القطاعات تحصل على مساعدات خارجيّة سنوية بنِسَب تتجاوز الـ 500 مليون دولار، وهي تذهب هدراً، أي لدعم قطاعات غير مُنتِجَة حتى ولو كانت أمنيّة، فيما يمكن الاستفادة من تلك المبالغ لحاجات أخرى.
وانطلاقاً ممّا سبق، ماذا عن رأي الخبراء في علم الاقتصاد؟
رأى الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أن "النّقاش الأساسي لا يدور حول ما إذا كانت الزيادة الجديدة في القطاع الخاصّ جيدة أو لا، بل حول ما إذا كان يُمكن الحصول على أكثر من الأرقام التي أُعلِنَ عنها. فما يسيطر على هذا الواقع هو أن القطاع الخاص ليس قادراً على دفع المزيد، وذلك بمعزل عمّا إذا كان العمال يستحقّون الحصول على ما هو أكثر".
ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أنه "بين الإبقاء على الرواتب كما هي عليه الآن، وبين الحصول على زيادات طفيفة، يبقى الأفضل هو تلك الطفيفة، ولو كانت غير كافية. فتلك الزيادات الطفيفة لا تزيد من إنفاق المؤسّسة بشكل كبير، ولا تجعلها مضطّرة الى صرف عمّال".
وأشار حبيقة الى أن "أوضاع القطاع الخاص ليست جيّدة بالإجمال، وهو عاجز عن دفع زيادات كبيرة على الأجور، إلا بعض الشركات التي تصدّر الى الخارج، وهي محدودة بشكل عام. هذا مع العلم أن للأجر علاقة بإنتاجية العامل أيضاً. فزيادة الأجور ليست "شحادة"، ويجب أن تترافق مع الإنتاجيّة المُناسِبَة، ولكن النّقابات الناشطة في لبنان لا تركّز على تلك النّقطة، وتكتفي بالمطالبة بالزيادات".
وردّاً على سؤال حول ضرورة تقليص عدد الموظّفين والعاملين في القطاع العام، وفي القطاعات الأمنية، التي تكلّف الدولة الكثير من الرواتب، و(تكلّف) المواطن اللبناني الكثير من الضرائب لتأمينها (تلك الرواتب)، فيما هي (تلك القطاعات) غير مُنتِجَة أصلاً، أجاب:"بالنّسبة الى الشؤون الأمنية، هناك حاجة الى عناصر أمنية وعسكرية كافية في لبنان، لا سيما بسبب الظروف الصّعبة التي يمرّ بها البلد حالياً".
وختم: "المشكلة الأكبر تتركّز في الإدارات والمؤسّسات العامة، حيث يوجد الكثير من الفوائض التي يُمكن التخفيف منها بسهولة، خصوصاً أن إنتاجيّة الكثير منهم ضعيفة جدّاً".
أنطون الفتى - أخبار اليوم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|