مصائب العالم : الإنسان بين البقاء والزوال
من المعروف أن أموراً وأحداثاً كثيرة وسعت الهوة والفوارق بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وهي تضع العالم الفقير أمام تحديات كبرى، خصوصاً مع انتشار نظام العولمة الذي فرض التكنولوجيا وأدواتها وكل ما يمت لها بصلة على كافة الدول. ولأن «المصيبة تجمع»، تجتمع الدول الفقيرة والدول الغنية لمواجهة تحديات صعبة، باتت تطرح سؤالاً حول استمرار الجنس الإنساني نفسه. وهذه الكوارث هي كوارث إنسانية وطبيعية وبيئية، نجمت عن سياسة الإنسان تجاه نفسه وتجاه الطبيعة.
ad
اليوم يقف البشر أمام أهم تحدٍّ في وجود الإنسانية وهو تحدي البقاء. فمع التغيرات المناخية الضخمة التي أدت الى مشاكل بيئية لا تُعد ولا تُحصى، ومع المشاكل الاقتصادية التي يغرق فيها العالم أجمع، وخصوصاً بعد ارتفاع أسعار النفط والغذاء العالمي وانتشار المجاعة في دول عديدة، هل يمكن للإنسان أن يُواجه هذه الأخطار ويبقى على وجه هذه الأرض؟
ربما يرى البعض في هذا السؤال ضرباً من الخيال، ولكنه مبني على وقائع وأحداث تُهدد وجود الطبيعة البشرية والكائنات الحية على هذه الأرض، فضلاً عن الحروب العادية والنووية والبيولوجية والأمراض التي يخترعها العلماء في المختبرات.
التغيرات المناخية
تميزت ظاهرة التغيرات المناخية عن معظم المشكلات البيئية الأخرى بأنها عالمية الطابع، بحيث أنها تعدت حدود الدول لتشكل خطورة على العالم أجمع. فقد تم التأكد من الازدياد المطرد في درجات حرارة الهواء السطحي على الكرة الأرضية ككل، بحيث ازداد المتوسط العالمي بمعدل يتراوح من 0.3 حتى 0.6 درجة خلال المائة سنة الماضية. وقد أشارت دراسات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) إلى أن هذا الارتفاع المستمر في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة سوف يؤدي إلى مشكلات خطيرة كارتفاع مستوى سطح البحر، ما يهدد بغرق بعض المناطق في العالم، وكذلك التأثير على الموارد المائية والإنتاج المحصولي، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض.
من جهة أُخرى، أفادت دراسة علمية بأن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى انقراض ملايين من الكائنات الحية بحلول عام 2050 . فقد أظهرت دراسة جديدة أنه من المرجح أن تصبح الأعاصير الشتوية أقوى بنحو 9 مرات بحلول عام 2099 إذا لم تتباطأ وتيرة الاحتباس الحراري.
ويرى فيكتور جينسيني، أستاذ الأرصاد الجوية في جامعة شمال إلينوي Northern Illinois University أن أحد العوامل الرئيسية التي تسببت في موجة أعاصير يوم الجمعة (ليلة العاشر من كانون الأول الجاري) هو درجات الحرارة الاستثنائية والواسعة في المحيط، والتي سمحت للعواصف أن تمتد لمسافات قياسية.
ذوبان الثلوج
يبدو أن جليد القطب الشمالي لا يذوب فقط بل إنه دخل مرحلة الذوبان العظيم، ما يترك تأثيراً خطراً على العالم كله، ولا بد أن يشغل بال الجميع من الطامعين بالثروات الدفينة الى الذين لا يعنيهم ما يجري في القطب الشمالي، لأن العواقب ستكون كارثية على العالم.
إن السبب الرئيس الذي يُجمع عليه العلماء لهذا الذوبان، هو ارتفاع حرارة الأرض أي التغير المناخي الذي يتسبب به النشاط البشري والناتج أساساً من انبعاث غازات البيوت الزجاجية، أو الدافيئة، والتي تحصل بوتيرة متسارعة جداً تُهدد مستويات الحياة على الأرض كلها.
الرأسمالية المتوحشة
يُحذر الكثير من المحللين من أن الأزمة المالية العالمية الراهنة قد لا تشبه تماماً الأزمات السابقة.
في أواسط القرن الماضي، تنبأ العديد من الاقتصاديين بأن المستهلكين لن يستطيعوا استيعاب السلع الكثيفة التي تفرزها أدوات إنتاج رأسمالية متطورة. فإذا بالرأسمالية تُفاجئهم بإنتاج الرغبات قبل السلع. فهي لم تعطِ المستهلكين ما يريدون، بل جعلتهم يريدون ما تعطيهم. وهذا كان انقلاباً هائلاً لا مثيل له في التاريخ.
ثم في أوائل التسعينات، ومع بروز العولمة كنظام حياة وأيديولوجيا (برغم أنها ليست شيئا آخر غير الرأسمالية العالمية بحلة جديدة)، سرت المقولة بأن الثورة الاجتماعية العالمية آتية بسبب الفروقات الهائلة بين أغنياء وفقراء. الفروقات حدثت، لكن الثورة لم تقع. بدلاً منها نشأت مراكز رأسمالية ضخمة جديدة في الصين والهند، ستُؤسس لاحقاً لما قد يثبت أنه أكبر تجمع للطبقات الوسطى في كل الحضارات البشرية.
الجوع يتمدد
في العام 1996 اتفقت «قمة الغذاء» في روما بتصديق 185 دولة من دول العالم على خفض نسبة جائعي العالم إلى النصف بحلول عام 2015. إلا أن هذا الاتفاق واجه صعوبات جمة في التنفيذ.
يصل إجمالي عدد الجائعين في العالم الى 815 مليون شخص، وهذا رقم غير مقبول في عالم فيه وفرة غذائية وقادر على تأمين كافة احتياجات سكان المعمورة من الغذاء. ويمكن تقسيم جائعي العالم إلى قسمين:
الأول: الجياع غير القادرين على الحصول على الغذاء رغم توفره، إما بسبب عدم توفر القدرة الشرائية (الفقر)، أو بسبب التواجد في أماكن منعزلة جداً.
الثاني: وهم من لا تتوفر لديهم الأغذية من الأساس، وذلك ينطبق على الذين يعانون من المجاعات بسبب الجفاف.
والخطير أن آثار المجاعة ما عادت تقتصر على أفريقيا فقط، بل باتت مبعثرة في كل مكان حتى أنها طالت بلداناً تعد من البلدان غير الفقيرة نسبياً، كالمكسيك والفيلبين.
الأزمة الاقتصادية العالمية
في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية الراهنة التي من أهم أسبابها الأسعار الخيالية للمشتقات النفطية، تشهد الولايات المتحدة – القوة العالمية العظمى- أزمة مالية عنيفة انتقلت عدواها إلى الأسواق المالية لمختلف الدول وبات علاجها عسيراً. ولم تعد الأزمة الأميركية الحالية جزئية تقتصر على العقارات، بل أصبحت شاملة تؤثر مباشرة على الاستهلاك الفردي الذي يشكل ثلاثة أرباع الاقتصاد الأميركي، وهو بالتالي الأساس الذي ترتكز عليه حسابات معدلات النمو.
ولا تأتي الأزمات المالية من فراغ بل تتفاعل مع الوضع الاقتصادي الأميركي الكلي الذي يعاني من مشاكل خطيرة في مقدمتها عجز الميزانية واختلال الميزان التجاري وتفاقم المديونية الخاصة والعامة، إضافة إلى الارتفاع المستمر لمؤشرات البطالة والتضخم والفقر. هذا بالإضافة إلى تداعيات انهيار قيم العقارات التي أدت بعد انفجار الفقاعة العقارية إلى تراجع الاستهلاك اليومي وبالتالي إلى ظهور ملامح الكساد.
هذه الأزمات العالمية المنتشرة في كل مكان، عدا عن الحروب والكوارث الطبيعية، تضع الإنسان أمام أسئلة كبيرة عليه أن يجيب عنها، وأن يجد لها حلولاً سريعة قبل أن ينتقل من سؤال: كيف نُطور حياتنا؟ الى سؤال: كيف نُبقي عليها؟
سركيس أبو زيد - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|