الانتصار المؤسف على القضاء والأمن
يملك وليم نون الشجاعة، وبعض الكاريزما. ولا شيء غير ذلك يخوّله أن يصبح قائداً أو زعيماً، أو نجماً تلفزيونياً.
الظروف هي التي تصنع الانسان. لا ملامة على أحد إذا لم تتوافر له ظروف جيدة، رغم أنه من الممكن أن يصنع بعضاً منها بنفسه، أو أن يبدّل من وجهتها.
واذا كان مقتل جو نون، شقيق وليم، شقّ له الطريق لتبوؤ النجومية الاعلامية عبر إطلالات أدمنها وأكثر منها، فإن الدولة اللبنانية، بغبائها المعهود، جعلت منه بطلاً قومياً نزل الناس من اجله الى الشارع وتدخلت ارفع القيادات من اجل اطلاقه.
لا تأييد لوليم وغيره في كسر زجاج العدلية، أو التهديد والوعيد بتفجير مبناها، اذ لا خلاص للبنانيين إلا بالدولة، ومؤسساتها، وتحديداً بالقضاء الذي يحقق العدل، وليس للمواطنين سوى الأمن الرسمي بعدما خبروا أمن الميليشيات وقوى الاحتلال على أنواعها، وعاشوا كل أنواع الإذلال.
لكن وليم نون، رغم كل شيء، ليس مجرماً، ولا مرتكباً، ولا قاتلاً. إنه عكس كل ذلك، فهو الضحية، والقتيل، والمُطالب بالعدالة. وما قام به، وغيره من أهالي الضحايا، هو صرخة حق بعد مرور سنتين ونصف سنة على انفجار المرفأ الذي أودى بنحو 230 قتيلاً، وما يزيد على 5000 مصاب، وخسائر بالمليارات لا تزال ماثلة الى اليوم، خصوصاً في المباني التي لا تزال من دون زجاج، ومنها مؤسسة كهرباء لبنان، وعدد كبير من الوزارات والدوائر الرسمية.
لم يكن استجواب وليم نون (على فنجان قهوة) أمراً مستنكراً، بل مرحباً به، لحفظ هيبة الدولة، وكان ممكناً الطلب اليه التعهد بعدم تكرار الحادثة والتصاريح المستفزة والتوقيع على ذلك.
لكن الذي حصل، وإن كان يمكن أن يجد تبريره القانوني، الا أنه يطرح الاسئلة الكبرى عن عدم قدرة القضاء والأمن على السياسيين والفاعلين والحزبيين والمافيويين وأصحاب المصالح الكبرى، والاستقواء على الفقراء والمساكين، أو بالأحرى على اللبنانيين الذين لا "سند" لهم.
لا تبرير لشيء أو لحدث مخالف للقانون ومقابلته بأحداث مماثلة، فهذا تبرير للخطأ، لكن تبقى الأسئلة مشروعة حول كل السلاح غير الشرعي، والتهريب عبر الحدود، والمضاربة على الليرة، وأموال المودعين، والبناء المخالف والأملاك البحرية، والمشاعات المستولى عليها، وعن العناصر الأمنية التي تُستخدم في غير موقعها، وعن الأموال غير المشروعة، والأموال المهربة، وثروات السياسيين، وتحويل الأموال، و"القرض الحسن"، وغيرها من المخالفات التي تشكل خطراً بنيوياً على الدولة أكثر من وليم نون و"الديناميت" الذي لم يُعثر على أثر له في منزله.
والأجهزة الأمنية والسلطة القضائية مطالبتان بترير وجود 2700 طن من نيترات الأمونيوم في مخازن مرفأ بيروت، وتحديد المسؤولين بوضوح عن الانفجار الذي حصل، ومحاكمة اولئك.
إتصلتُ بأحد القضاة أسأله عن إجراء توقيف وليم نون، فأجابني أنه لا يعلم جيداً إلى ماذا استند القاضي زاهر حماده في قراره. ربما لا يريد "الطعن" بقرار زميله، أو الإساءة إليه، أو ربما يحذَر من الكلام الى صحافي، ولو صديقاً.
عاجلته بسؤال ثانٍ: "برأيك مَن انتصر في هذه الواقعة، القضاء والأمن معاً، أم وليم نون؟"، فأجاب: "بالطبع وليم نون". وأضاف أن الشعبوية باتت هي الغالبة.
أن ينتصر وليم نون على القضاء والأمن معاً، خبر غير سار، رغم كون توقيفه عملاً اعتباطياً لا يراعي المصلحة العامة الوطنية، لأن كل استقواء على القضاء والأجهزة الأمنية، إنما يساهم في انهيار كلّي لِما تبقّى من كيان الدولة.
"النهار" - غسان حجار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|