الصحافة

الاتفاق النووي وفرصته المهدورة في لبنان!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

الفارق الرئيسي بين زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لبيروت في نهاية الأسبوع الماضي وزيارته في 28 آذار 2022 أي قبل الانتخابات النيابية في أيار من العام الماضي هو ما أعلنه في تلك الزيارة من أن "التوصل إلى اتفاق نووي بين طهران والدول الكبرى، سينعكس إيجاباً على سائر المنطقة".

كان التوصل الى هذا الاتفاق الذي توقف في أيلول الماضي، فيما كان منتظراً أن يُستأنف بعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في بداية تشرين الثاني الماضي، يعطي إيران تأثيراً كبيراً في المنطقة تماماً على ما حصل بعد إنجاز الاتفاق النووي في 2015 فأطلقت يد إيران ومعها "حزب الله" في سوريا وإيران. فالتفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية كان سيؤدي الى غضّ طرف أميركي عن إيران في المنطقة طبعاً الى جانب رفع العقوبات فيما عبداللهيان أعلن في المؤتمر الصحافي الذي عقده في بيروت قبل أيام "أن الولايات المتحدة لن تكون فرحة وسعيدة بأن العلاقات الثنائية الايرانية – اللبنانية آخذة في التعمق والتجذر" كما قال.

وتبعاً لذلك فإن الاعتقاد بأن فرصة إيران للوصول الى اتفاق متجدد مع الولايات المتحدة سيزيد فرص أن يتمكن الحزب من أن يأتي بالرئيس الذي يريده تماماً كما حصل في 2016. وهذا العامل ليس سهلاً فيما سجل مراقبون ديبلوماسيون تطورات اخرى لم تلعب كلياً في مصلحة إيران منذ زيارة الديبلوماسي الإيراني في آذار من العام الماضي. من هذه التطورات نتائج الانتخابات النيابية التي حرمت الحزب من أكثريته النيابية وتراجع تأثيره طوائفياً في ظل مخاطر انفكاك تفاهمه مع الحليف المسيحي على رغم أن الأمر ليس بهذه البساطة انطلاقاً من خوض هذا الأخير تحالفه مع الحزب على قاعدة ما يسمّى حلف الأقليات والتزامه ذلك وعدم سهولة خروجه منه.

ولكن خسارته الاكثرية النيابية والطوائفية مع غياب أي حلفاء له في الطائفة الدرزية فيما الطائفة السنية المتشرذمة لا يجرؤ بعض نوابها من حلفائه على التزام أجندة الحزب بسهولة. والتغيير الاساسي الى جانب انتهاء ولاية ميشال عون وعدم قدرة الحزب على أن يأتي بالرئيس الذي يدعمه فيما يعجز عن جمع الحلفاء تحت سقفه مهما تكن الحسابات والمصالح، توقيع اتفاق لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بموافقة الحزب وتأييده على نحو يسهم بتراجع خطاب التصعيد فضلاً عن عدم القدرة على استخدامه لاعتبارات موضوعية تتعلق بالمخاطرة الكبيرة غير المضمونة علماً بأن الاتفاق كان عنواناً لتقدم إقليمي وتضاؤل المخاطر الجيوسياسية على نحو لافت بين دولتين عدوتين لا تربط بينهما أي علاقات ديبلوماسية فيما يتطلع لبنان الى حجز مكان له بين دول المنطقة في الوقت الذي كان ترسيم الحدود ملحّاً بسبب بدء الإنتاج في حقل كاريش الإسرائيلي.

عبداللهيان الذي وجه رسالة الى واشنطن عبر زيارة له للبنان لن يرحب بها الاميركيون كما قال، تحدث مجدداً عن الاستعدادات الايرانية في مجال الطاقة مع إدراكه أن الأمر بات أصعب مما أثاره في آذار الماضي ومع رئيس الحكومة في مؤتمر ميونيخ نظراً الى تراجع فرصة العودة للعمل بالاتفاق النووي وتالياً رفع العقوبات بما يمكّن إيران من الانفتاح على علاقات تعاون تجارية مع دول المنطقة ومن بينها لبنان.

ومما لا شك فيه أن الكلام الإيراني عن مد إيران لبنان بالدعم الذي يريده على صعيد الطاقة رمزي ومبالغ فيه قياساً الى ما تعانيه إيران نفسها على صعيد توفير الطاقة للداخل الإيراني كما الحليف السوري. لكن اللافت هو خطاب العلاقات التجارية والاقتصادية حتى لو أن الإشادة حتمية بـ"المقاومة الإسلامية" و"الفلسطينية" على نحو مبدئي فيما هاتان الاثنتان على جمود كبير في النشاط إن لم يكن أكثر. وكما في السابق حول الدعوة الى علاقات أوثق مع المملكة السعودية، تبدو الدعوة الإيرانية من باب الاستعداد للمشاركة في لبنان كذلك، من باب تخفيف الوطأة الداخلية وحتى العربية والخليجية على الحزب، أقله وفق ما يراه المراقبون المعنيون، إذ إن المعارضة الداخلية لما يريده الحزب أو من يدعمه للرئاسة الأولى في الوقت الذي يتردّد عدم ممانعة أميركي وفرنسي لذلك، يتصل في شكل أساسي أيضاً بمعارضة سعودية مبدئية تتكامل مع المعارضة الداخلية.

وحتى الآن وفي ظل تراجع فرص العودة الى الاتفاق النووي، ولا سيما بعد ما نقل عن الرئيس الأميركي جو بايدن عن أن الاتفاق النووي "بحكم الميت" لا تبدو إمكانات الولايات المتحدة والدول الاوروبية وفي مقدمها فرنسا إزاء التخلي عن عدم حصول موافقة من المملكة السعودية والدول الخليجية بالنسبة الى المرحلة المقبلة في لبنان كبيرة. بل إن الموافقة السعودية تبدو محورية ولا يمكن أن تعوّض إيران بعروضها للتعاون مع لبنان وتقوية العلاقات معه العلاقات المحورية والضرورية مع محيطه العربي وكذلك الأمر بالنسبة الى مستوى الدعم من هذه الدول. فهذا لا تستطيع إيران منافسته ولا يمكن للدول الغربية أن تتجاهله كذلك خشية فقدان لبنان ومصالحها فيه كذلك. ومع التحديات الجديدة التي أثارتها طهران غير اتخاذ خطوات استفزازية في الملف النووي مع تزويدها روسيا بالمسيّرات وتعميق الشرخ الداخلي باحتجاجات شعبية متواصلة، وهي مسائل لا تنفصل كثيراً عن تحدّيات أخرى تواجهها في المنطقة، في سوريا والعراق كذلك واليمن أيضاً، يصيب الخلل الميزان الذي سعت الى إرسائه لمصلحتها عبر الاتفاق النووي وتداعياته المحتملة.

"النهار"- روزانا بومنصف

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا