خلط أوراق وأموال حسن مقلّد و"الحزب" ومصرف لبنان
الخازن: لا يتطلب الأمر أكثر من سحب الرخصة وإقفال باب الشركة... وهذا ما يجب أن يحصل لتنقية القطاع
لم يكن حسن مقلّد أول لبناني يفرض عليه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) عقوبات بتهمة الفساد وتبييض الأموال، وتمويل نشاطات "حزب الله" المزعزعة للاستقرار، ولن يكون الأخير. إلا أن الخاصية الاستثنائية لمقلّد هو احتضانه من رأس السلطة النقدية في لبنان، وتغطيته قانونياً من خلال إعطائه رخصة صرافة في عزّ الإنهيار. وبغض النظر عما اذا كان مقلد قد فُرض بالقوة على حاكم المصرف المركزي، أو أعطى الحاكم التسهيلات بطيبة خاطر منه، فان صندوق "باندورا" فاض بشروره، ووتيرة الفضائح بدأت بالتسارع.
محدودية التداعيات القانونية
التداعيات القانونية المفروضة من الخزانة الأميركية على شخصية إقتصادية تدير شركة صيرفة (CTEX)، تبقى من حيث الشكل محدودة جداً. وهي تتأرجح بين حدي استمرار الشركة بعملها بشكل طبيعي، أو سحب الرخصة منها وإقفالها. وهذا الأمر مرتبط بشكل أساسي بـ"نوع العقوبات عليها، وفي ما إذا كانت مدنية أو جزائية"، يقول المحامي عيسى نحّاس. "فاذا كانت العقوبات مدنية، فان الإقفال ليس حتمياً. وهي لا تحد من قدرة الشخصية المفروض عليها عقوبات على متابعة عملها بشكل طبيعي، أو حتى السفر إلى الخارج". والدليل على ذلك استمرار شركتي "حلاوي للصيرفة" و "قاسم رميتي وشركاه" بالعمل بشكل طبيعي رغم إدراجهما من قبل وزارة الخزانة الأميركية في نيسان 2013 على لائحة العقوبات للتورط بغسيل الأموال لمصلحة "حزب الله". ولم يحدّ من طبيعة وحجم أعمالهما توجيه الاتهام لهما بموجب المادة 311 من قانون باتريوت الأميركي (USA PATRIOT ACT).
أمّا إذا كانت العقوبات على مقلّد سياسية جزائية، كما هو متوقع، فان "أقصى حدودها هو إغلاق حساباتها المصرفية ومنعها من فتح حسابات جديدة"، برأي نحّاس. "ذلك أن البنوك اللبنانية موصولة بالقطاع المصرفي العالمي ومرتبطة معه جوهرياً باتفاقيات مكافحة تبييض الأموال وعدم تمويل الفساد والإرهاب". وعلى ما يبدو فان هذه العقوبات على خطورتها لا تؤثر في لبنان من الناحية المعنوية على الاشخاص المفروضة عليهم، ولا تسقط حقوقهم المدنية في الداخل اللبناني. وهي لم تمنع مثلاً كلاً من جبران باسيل وجميل السيد وعلي حسن خليل من الترشح الى الانتخابات النيابية، واستثنائهم من إلزامية وضع الضمانة المالية في المصارف التجارية، ومن ثم الفوز بعضوية البرلمان رغم فرضها عليهم في العام 2020 و2021 على التوالي. كما أنها لم تحد من نفوذ المقاولين مثل جهاد العرب وداني خوري اللذين فرضت أيضاً عليهما في وقت سابق.
إختلاف تأثير العقوبات بين شركات الصرافة والمصارف
"إنطلاقاً من واقع شركات الصرافة في لبنان، فان أفضل السيناريوات المتمثل بإقفالها لا يحمل أي مخاطر على الوضع الاقتصادي أو حتى النقدي في البلاد، بل العكس يعتبر أمراً مفيداً. وهو يختلف من هذه الزاوية عن وضع المصارف التجارية التي تتعرض للعقوبات. فعدا عن حجم المصارف الذي لا يقارن بشركات الصيرفة، فهي تضم مودعين، وتصفيتها ترتب أعباء هائلة على عملية التسويات مع الزبائن ودفع الحقوق وصرف الموظفين وتحصيل المستحقات... وغيرها الكثير من المتطلبات"، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن. "فيما نشاط شركات الصرافة هو عمل يومي ينتهي بانتهائه، ولا يتطلب الأمر أكثر من سحب الرخصة وإقفال باب الشركة". وعلى الرغم من إقفال مصرف جمال ترست بنك فور تلقيه عقوبات مشابهة في العام 2019 ، فان عمليات التصفية لم تنته لغاية اليوم. والأمر نفسه جرى مع البنك اللبناني الكندي.
لا حدود للتداعيات الإقتصادية
سواء استمرت شركة CTEX بعملها أو لم تستمر، فان "النتائج المعنوية لفرض عقوبات إقتصادية أميركية عليها وتداعياتها المستقبلية على الثقة بلبنان ونظامه المصرفي ستتخلخل حكماً"، من وجهة نظر الخبير الإقتصادي د. وليد أبو سليمان. فـ"من المعروف في الداخل كما في الخارج ان الشركة التي رخّص لها مؤخراً، كانت تعمل كوسيط لمصرف لبنان من أجل شراء الدولار مقابل عمولة تصل إلى حدود 3 في المئة، كما تسهل نشاطات "حزب الله" المالية. وفي حال جرى تثبيت هذا الترابط بين الأطراف بشكل يظهر تورط مصرف لبنان، بتزويد الشركة بمليارات الليرات يستخدم جزء منها لشراء الدولارات لطرف ثالث، فان مخاطر السمعة لوحدها قد تعرض لقطع علاقات المركزي مع المصارف المراسلة في الخارج. ما يعني قطع الأوكسيجين عن الإقتصاد اللبناني". ويضيف أبو سليمان أن "احتياطي المركزي، الذي نجهل قيمته الحقيقية، ليس متوفراً على شكل بنكنوت في خزائنه، إنما في المصارف المراسلة في الخارج. الأمر الذي قد يستتبع الحجز عليه إذا تطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه في المستقبل". خصوصا مع التسارع الكبير في وتيرة التحقيقات القضائية الأوروبية بقضايا حاكم المصرف المركزي، وانتظار المجتمعين المحلي والدولي نتيجة التحقيق الجنائي.
تلميح إلى مسؤولية "المركزي"
ما يميز قرار العقوبات على حسن مقلّد عما سبق من عقوبات على الكيانات والشخصيات الأخرى، هو ذكره أكثر من مرة مصرف لبنان. فيما لم يتضمن مثلاً قرار العقوبات على جمال ترست بنك، تلميحاً إلى دور الهيئة الناظمة للقطاع، أي مصرف لبنان"، بحسب أبو سليمان".
من جهة متصلة يعتبر عيسى نحاس أن "على مصرف لبنان اليوم مسؤولية أكثر من أي وقت مضى بسحب رخص العديد من الصرافين المشكوك بطريقة عملهم، واعادة تنظيم هذا القطاع المنخور بالأمور المشبوهة، لكي يتمكن من ضبط العملة أولاً، وتنظيم القطاع ثانياً. فأكثرية الصرافين لا يلتزمون بقوانين تبييض الأموال، ولا يوجد محاسبة واضحة لديهم، أو تصريح دقيق لوزارة المالية. وقد زادت هذه التجاوزات بشكل كبير جداً مع انفجار الأزمة وابتداع منصة صيرفة. أما حجج الجهات الرقابية الرسمية لعدم ملاحقة المخالفين، فعادة ما تكون من قبيل الخشية من عدم قدرة الشركات التجارية على تأمين طلباتها من العملة الصعبة في حال إيقاف هذه الشركات، وبالتالي نقص هائل في الدولار سينعكس حكماً ارتفاعاً في سعر الصرف. ذلك أن الأموال التي في حوزة بعض الصرافين قد تفوق حجم ما تمتلكه الدولة من الدولارات.
يفترض المنطق بأي دولة تحكمها القوانين وتمتثل للتشريعات المالية أن تسحب رخص شركات الصرافة المخالفة وتُقفل أبوابها، أما في الدولة المارقة المعلنة إفلاسها والمفتقدة لأبسط مقومات الإنتظام المالي والنقدي وحتى الإقتصادي... فإن العقوبات "نقطة شتي".
خالد أبو شقرا - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|