نجاة وملحم وبرد البرلمان القارس والنكات السمجة: "بكرا الناس بتزهق"
...ها قد مضى 15 يوماً على اعتصام كلّ من النائبين نجاة صليبا عون وملحم خلف في المجلس النيابي. نكاتٌ كثيرة رميت في وجهيهما وتحليلات كثيرة حيكت عن خطوتهما لكنهما صامدان. فإلى متى؟ وكيف يعيشان في صرحٍ بارد ليل نهار؟ هل ندما على خطوتهما؟ هل تسرّعا؟ ماذا يأكلان؟ كيف يمضيان الساعات بعد أن يخلد الجميع الى بيوتهم ويبقيان هما، في هذا البرد القارس، تحت قبة البرلمان؟
هما مشغولان على الدوام. نتصل بهما فيتمنيان الإتصال بعد قليل. فهل الشغل حقاً كثير؟ نتصل مجدداً. ملحم خلف لا يجيب. مشغول كثيراً أم هاتفه غير مشحون؟ من يدري. نجاة عون صليبا، الأستاذة الجامعية، أستاذة البيئة، تختار مرادفاتها بدقة. تختار ما تقول وما لا تقول «فليس كل ما يحدث يقال» على الأقل اليوم. وغداً يوم آخر.
سؤالنا الأول البديهي كان: هل سعادة النائبة غير سعيدة، أو على الأقل تسرّعت بقرارها الإعتصام في البرلمان خصوصاً أنه لم يقترن بترحيب شعبي؟ تجيب «أنتِ صحافية فهل تنتظرين ترحيباً على مقال أو تحقيق؟ وتستطرد: قمتُ بواجبي وهذا يكفي وكل شيء آخر لا معنى له».
لا يهمّ نجاة صليبا عون أن يصفق لها الجمهور العريض فقرارها اتخذته وستصمد به حتى... انتخاب الرئيس. قرارٌ يعتبره البعض جريئاً ويعتبره آخرون شعبوياً وهناك من يعتبره دهليزاً بلا أفق، دخلت فيه أستاذة البيئة، ومعها استاذ القانون، في المتاهة. فكيف اتخذا القرار؟ سؤالٌ يتقدم.
لن نقول طوّلوا بالكم
منذ بدايات جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية الفاشلة، لم تبارح النواب التغييريين النية باتخاذ قرار ما يُطيح بالجمود القاتل، لكن، في كل مرة، كان هناك من يقف ليقول: فليؤجل أي قرار في الموضوع. وحين شعر كل من خلف وعون بأن رأيهما غير متطابق مع رأي بقية النواب سكتا علناً عن الموضوع، لكنهما- في سرّهما- إستمرا يفكران بخطوة مختلفة، خصوصاً حين ساد الكلام بين النواب عن استبعاد إنتخاب رئيس للجمهورية في 2023. فكرت نجاة صليبا عون، على ما قالت - مع النقيب - بضرورة ألّا يكونا «شاهدي زور» وبدأ الحديث بينهما جدياً بالإعتصام داخل البرلمان. قالا لبعضهما: لن نقبل أن نقول للناس، ما يقال لنا حين نسأل عن موعد إنتخاب الرئيس: طولوا بالكم. رفضنا إطالة بالنا أكثر وانطلقنا، بعيد جلسة يوم الخميس في 19 كانون الثاني، باعتصامنا».
هل عرف النواب التغييريون - أصدقاء أستاذة البيئة والنقيب - بالقرار أم فوجئوا به كما تفاجأ الناس؟ تجيب عون «أطلعنا قبل ليلة واحدة الزملاء على القرار وقالوا لنا: الله معكم. لم يجادلنا أحد لأننا كنا قد اتخذنا القرار وحسمناه».
نتمهل في حديثنا مع النائبة عون لأن النائبة بولا يعقوبيان، التي أتت لتفقد ما يحتاج إليه زميلاها تريد ان تغادر المجلس. نسمعها تسألها: أخذت هذه... ووضعت لك هذا... وإذا إحتجت شيئاً إتصلي بي. I love you». ردّت عليها نجاة بالمثل. غادرت بولا. وعادت نجاة بحديثها إلينا لتقول «الناس إئتمنونا على حماية الدستور والمؤسسات. نحن تغييريون ومن رحم ثورة 17 تشرين. وعملنا يفترض أن لا يكون وفق قاعدة «business as usual». شعرنا أننا لا يمكن أن نتابع الأمور كما هي. يجب أن نقوم بشيء ما.
بطولة نجاة وصمود ملحم
فلنسأل بولا، بولا يعقوبيان، عن مسار اعتصام الزميلين: فهل الحياة «تحت» أصعب، تحت ولو كان سقف المبيت هو قبة برلمان؟ لا ترغب النائبة يعقوبيان في الحديث عن تفاصيل أهل البيت، من طعام وشراب وغسيل وكيّ، وتفضل الكلام في الأساس «يجب إجراء جلسات إنتخاب متتالية. البلد لا يتحمل مزيداً من تضييع الوقت. ونحن نشتغل معهما يومياً على الملفات والمواضيع ونكون في أيام اللجان معاً. هذا هو الجوّ. كلنا نتعاضد كي نخفف عن بعضنا. وهناك ليال ننام أيضاً تحت، وإن كنا غير مواظبين 24 على 7 كما نجاة وملحم. تضيف: شخصياً، ألغيت كثيراً من النشاطات اليومية من أجل المكوث الى جانبهما لوقت أطول. لكن، ما أقوله هو أننا جميعاً أمام بطولة نجاة وصمود ملحم نشعر مهما فعلنا بالتقصير خصوصاً في هذه الأيام الباردة جداً حيث لا كهرباء ليلاً ولا تدفئة، لكنهما، أؤكد، سيستمران وسيصمدان ولا أحد يعول على تعبهما».
سينتيا زرارير رأيناها هي أيضا، في يوم الإعتصام الأول، تحمل حقيبة ظهر فيها ثياب لنجاة. فهل هي صديقتها الوثيقة أم أنها تساعد بالفطرة؟ هي تدعم «دستورياً» ووضعها الصحي لم يسمح لها أن تنضم الى زميليها لذلك تساعد قدر ما تستطيع و»تأتي لهم بما تستطيع» مثل مصابيح الإضاءة - Led - وأدوات شحن الهواتف وتقول «تقطع الكهرباء عن المجلس عند الساعة الثانية بعد الظهر ويفترض أن تكون كل الأدوات عندها مشحونة كهربائيا». نجاة أصبحت صديقتها منذ تعرفت إليها بعد النيابة وتقول «كنا نجيّر أصواتاً الى بعضنا ومشاريعنا وبرامجنا تلتقي» تضيف «كل واحد منا يصمد على طريقته ويمنح الآخر الدعم ونساند بعضنا».
لكن، من يملك القدرة أكثر على الصمود: نجاة أم ملحم؟ تجيب زرازير: «نجاة تدربت في مجالها على الصمود أما ملحم فصمد ذات يوم في خيمة أربعين يوماً» و... تعتذر عن عدم الإستفاضة في الكلام لأنها في عيادة طبيب الأسنان.
نعود الى النائبة نجاة عون. هي أستاذة جامعية لكنها هذه السنة أخذت إجازة من التعليم واكتفت بالأبحاث وتقول «كنا منذ البداية مدركين أن السجاد الأحمر ليس مفلوشاً أمامنا وأن عقبات كثيرة وصعاباً ستعترضنا لكننا يوم قررنا القيام بالخطوة الأولى قررنا معها الصمود حتى النهاية».
رئيس المجلس نبيه بري - الأستاذ - لم يتكلم معهما منذ حجزا ركنيهما في البرلمان وتشرح نجاة «ننام في صالونين على الكنبات. لا يهم حتى لو نمنا على كرسيين. إنها المرة الأولى في تاريخ لبنان والبرلمانيين والعالم يقول فيها نائبان للسلطات العليا: مللنا من سياساتكم ومماطلاتكم وشي بيزهق. نريد أن نبني بلداً».
تتمنى نجاة صليبا عون لو انضمّ الجميع الجميع إليهما «لو مكثنا جميعاً هنا لتغيرت المسائل وتوصلنا الى قاسم مشترك وأتينا برئيس. ما يهمنا هو العمل الديموقراطي ومصلحة العموم والناس، كل الناس، الذين يفترض أن يكونوا في المرتبة الأولى في مصالح كل الأفرقاء. القرار بيدنا وليس بيد رئيس المجلس. الدستور يقول: فليأتِ النواب وينتخبوا رئيساً. فليقل النواب إتفقنا على رئيس وليفعلوا واجبهم. كل البلد «واقف» على 128 نائباً والمسألة لا تتطلب إلا دقائق من وقتهم. ونحن نتمنى من الناس أن يذكّروا نوابهم بمسؤولياتهم».
تستمع نجاة - كما ملحم - الى الأخبار عن مسار الإنهيار في الخارج وعن ندرة الكهرباء والمياه والدواء وغلاء الأسعار ويدردشان مع بعضهما في الحلول التي تخلص دائماً «الى أن الحلّ كله يبدأ من تفعيل دور المؤسسات في البلد» وتستطرد: «المنظومة متجذرة منذ ثلاثين عاماً في كل مفاصل البلد وحتى في الميديا والرأي العام. وما نعيشه منذ 15 يوماً فتح أعيننا على أشياء كثيرة سيأتي يوم وأتكلم عنها» تتنهد بقوة وتضيف «إنشالله يصبح لدينا قريباً رئيس جمهورية».
نشدّ على يدها. ونتمنى ما تمنته قبل أن نطرح عليها سؤالاً حاولت منذ البداية عدم الإجابة عليه: لماذا يا ترى كل الهجوم الذي شهدناه على الخطوة التي قاما بها؟ وهل تابعا، حيث هي وزميلها، النكات الكثيرة حول تلك الخطوة؟ تجيب «خليهم يتسلوا. حبكوا نكاتهم وملوا. وكل ما قيل ويقال لا يهمني. أنا وضعت هدفاً ولا أنظر إلّا نحوه والبقية لا تهم. هدفي - أنا وملحم - القيام بواجبنا والناس، بقدر ما تتسلى بنكاتها سيأتي يوم وتملّ. وهذا ليس إلا تفصيلاً».
قبل أن تصبح نجاة صليبا عون عضواً في البرلمان اللبناني تخيلت الكثير عن شؤون وشجون العمل النيابي لكن ما رأته «فاجأني... ومنحكي» تختم. وقبل أن نختم بدورنا نسألها: هل اتفقت هي وخلف على اسم موحد لرئاسة الجمهورية؟ تجيب: هذا تفصيل.
البرد في الخارج قارس. والبرد في الداخل، في البرلمان، أيضا. لكن نجاة وملحم سيصمدان حتى... حتى يولد الرئيس الرابع عشر لجمهورية لبنان. لكن، الجميع الجميع حكوا عن قدرتهما على الصمود. ومن يراهن على العكس فلينتظر.
نوال نصر - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|