دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
سوريا مجدداً..داءٌ ودواءٌ للبنان
أسوأ ما في أزمة الفراغ الرئاسي هو أن لبنان لم يتعالج من الداء السوري الذي أصابه قبل نحو نصف قرن، وما زالت عوارضه ظاهرة حتى اليوم، على الرغم من أن القوات السورية أنهت مهامها اللبنانية رسمياً، قبل نحو 18 عاماً، وتفرغت منذ العام 2011 ، لمواجهة الاضطراب الداخلي في سوريا..لكن ذهنيتها تحضر الآن في بعض الاجواء اللبنانية.
ما يمكن تلمسه بوضوح في لبنان هو أشبه بالهلوسة التي تستعيد ذكريات تلك الحقبة السورية المريرة، التي كان فيها رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب يعينون من دمشق، بقرار رسمي من الرئاسة، يبلغ عبر اتصالات هاتفية مباشرة الى من يعنيهم أمر النصاب والتصويت، من دون نقاش، أو ينشر في حديث صحافي كما في مقابلة حافظ الاسد الشهيرة مع صحيفة الاهرام المصرية في تسعينات القرن الماضي، التي مدّد فيها ولاية الرئيس الراحل الياس الهراوي لثلاث سنوات، قبل إبلاغ البرلمان اللبناني بالقرار..
لأسباب موضوعية، ليست هناك غالبية لبنانية تشعر اليوم بالحنين الى تلك الحقبة، لكن الأمر لا يخلو من بعض الحالمين اللبنانيين، الذين لم يدركوا مرور الزمن، وما زالوا ينكرون ما حلّ بسوريا ونظامها ودولتها وجيشها من كوارث طوال العقد الماضي، ويتوقعون أو يتمنون ان تعود الأمور السورية اللبنانية قريباً الى سابق عهدها، ويصبح بالامكان أن يخرج إسم الرئيس المقبل للجمهورية، ثم الحكومة، ومجلس النواب من قصر المهاجرين قريباً.
لكن هذيان تلك القلة اللبنانية وهلوستها الدائمة بالدور السوري، لا يخفي حقيقة أن اللبنانيين جميعا، ومن دون إستثناءات، ما زالوا على إقتناع، أن السياسة في لبنان، كانت وستبقى شأن الخارج، أكثر من الداخل، وأن الرئاسة الاولى ومعها أيضاً الرئاسات الثلاث، هي قرار الخارج أكثر مما هي اختيار الداخل. هكذا كان الامر طوال العهد السوري في لبنان، الذي ورث يومها عهداً مصرياً ناصرياً قصيراً جاء بالرئيس الراحل فؤاد شهاب الى رئاسة الجمهورية في الخمسينات..
غابت سوريا-الاسد من دون ان يغيب الهذيان اللبناني بمرجع خارجي صالح، يصنع المعجزات المطلوبة عند كل استحقاق انتخابي في لبنان، ومن دون ان يتوقف البحث عن دور عربي او اجنبي يستكمل ما توقف مع دمشق في العام 2005، ومن دون ان يملّ اللبنانيون من طرق الابواب الموصدة في وجههم، وتوسل العرب والاجانب أن يختاروا إسماً أو أثنين أو ثلاثة، على الطريقة السورية إياها، بلا جدوى، حتى شاعت مؤخرا نكتة ( لعلها ليست نكتة فقط) تقول ان المتابعين العرب والاجانب للشأن اللبناني، الذين أعيتهم الحيلة مع المتوسلين اللبنانيين، باتوا ينصحونهم بالتوجه الى دمشق لسؤالها عن مرشحها المفضل للرئاسة الاولى، والثانية والثالثة..
من هذه الزاوية يتم النظر الآن الى اجتماع باريس الخماسي: تكاد العاصمة الفرنسية، التي لطالما كانت عاجزة عن مقاربة الشأن اللبناني بعمق وإدارة أزماته بجدية، تبدو وكأنها، البديل الطبيعي للعاصمة السورية المفقودة، والتي كانت خياراتها اللبنانية وليدة التشاور والتفاهم مع عدد من العواصم العربية والاجنبية المعنية، لكنها كانت حازمة في فرض تلك الخيارات بالقوة غالباً..وهو ما لا تستطيعه باريس غير المؤهلة للتوصل الى تفاهم لبناني بين الرياض وطهران، كما يأمل بعض الواهمين اللبنانيين، يتجاوز ما بين العاصمتين من صراعات ونزاعات، ويقفز فوق الازمات والاضطرابات التي تعاني منها إيران اليوم.
لولا الحرج، ربما يجوز القول ان تعفف العرب والغرب عن تقليد دمشق والقيام بما كانت تقوم به من أدوار سيئة الذكر، في اختيار الرؤساء الثلاثة، لا يترك للبنان سوى ان يكون فريسة إنتظار بعث جديد للدور السوري، الذي يليق وحده باللبنانيين، على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم..والذي لم يكن مجرد ترجمة لروابط "التاريخ والجغرافيا بين البلدين"، بل كان ايضاً نتاج العاهات السياسية المشتركة بين الشعبين، التي يعجز عن فهمها أي مسؤول عربي أو غربي يتلقى طلباً لبنانياً للمساعدة في إنهاء الفراغ الرئاسي المديد، فيكتفي بالاجابة المنمقة: "حان الوقت لكي ينضج اللبنانيون، ويعالجوا أنفسهم من ذلك الداء السوري المزمن".
ساطع نور الدين - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|