المودعون والمصارف خاسرون
لا جلسة تشريعية الخميس، وتاليا لا "كابيتال كونترول" سيولد من رحم المناكفات والنكايات المتبادلة. المراوغة في إقرار هذا القانون العتيد لم تنتهِ فصولا، ولن تنتهي ربما، في ظل المزايدات والشعبويات التي يمارسها أهل السلطة مع المودعين، وبيعهم أوهام استعادة ودائعهم من مصارف تعيش على بقايا أمجاد وسيولة مقنّنة، دفعت بها إلى حافة خطر الإفلاس والهاوية النقدية.
الميثاقية السياسية والطائفية، أسقطت عرض القانون على الهيئة العامة للمجلس النيابي، علماً أن "الكابيتال كونترول" المنتظَر كان مهددا بالسقوط أيضا، أو بتعديل مضمون عدد من بنوده التي يعتبرها بعض الخبراء والمطلعين على واقع سيولة المصارف وإمكاناتها، بنودا غير قابلة للتطبيق، وإقرارها لا يعدو كونه أكثر من "شيك بلا رصيد" لن يجد المودعون المخدوعون بشعبوية أهل السلطة، مَن "يسيّله" لهم.
العارفون بواقع الأمور يعرفون، ويعرف معهم أصحاب النيات الحسنة، أن تسديد مبلغ 800 دولار نقداً لكل مودع شهريا، غير ممكن عمليا، وغير متاح لدى المصارف. فمجموع المودعين المؤهلين للإفادة بموجب القانون، يناهز المليون مودع تقريبا، أي ما يعادل 800 مليون دولار شهريا، وهو مبلغ ضخم جدا، لا يمكن للمصارف في ظل الوضع السائد أن تعد بالإلتزام به، وبديمومة تنفيذه، مما سيضيف الى العلاقة بين المودعين ومصارفهم، المزيد من الإرباكات والمشكلات، وستتفاقم بذلك أزمة الثقة المفقودة أساسا بين الطرفين.
ماذا في تفاصيل مشروع قانون "الكابيتال كونترول" العتيد كما عدّلته اللجان النيابية المشتركة؟ وهل يرضي اهل القطاع المصرفي والمودعين؟
يعرّف مشروع القانون الحساب المصرفي بالحساب المفتوح لدى اي مصرف في لبنان بما فيها المصارف العامة المملوكة كليا أو جزئيا من الدولة، سواء كان الحساب بالعملة الوطنية او بأي عملة أجنبية، ويشمل ذلك حساب "الأموال الجديدة"، سواء كان حسابا دائنا او مدينا، مشتركا أو متحدا بين أكثر من شخص طبيعي. أما مدفوعات الحساب الجاري والتحاويل إلى خارج لبنان المستحقة لعمليات التجارة الدولية وغيرها من العمليات الجارية، فتشمل الخدمات والتسهيلات المصرفية والائتمانية والدفعات المستحقة كفائدة على القروض او الايرادات الصافية من استثمارات اخرى والمدفوعات المخصصة لسداد القروض او استهلاك الاستثمار المباشر والتحويلات المالية كافة.
أمّا عمليات نقل الاموال والتحاويل فهي التحاويل كافة، وتشمل العمليات المتضمنة نقل أموال من و/او إلى لبنان والتي لا تُعتبر ضمن فئة مدفوعات الحساب الجاري والتحاويل، فيما الإيداعات والتحاويل الجديدة هي الأموال المودعة بأي عملة اجنبية كانت والتي حُولت من خارج لبنان أو أودعت نقداً لدى المصارف بعد 17 تشرين الأول 2019، حتى لو جرى تحويلها من مصرف إلى آخر داخل لبنان.
وفي ما يتعلق بنقل الاموال عبر الحدود ومدفوعات الحساب الجاري والتحاويل، فان نقل الاموال عبر الحدود يخضع للقوانين المرعية الاجراء ويحظر أي عملية نقل أموال خارجية خلافا لتلك النصوص، كما تحظر مدفوعات الحساب الجاري والتحاويل بأي عملة أجنبية كانت ومن أي حساب مصرفي او حساب لدى وسيط معتمد بما في ذلك حسابات الودائع الائتمانية في لبنان. ويستثنى من ذلك: الإيداعات والتحاويل الجديدة إذ تحتفظ بهذه الصفة حتى لو طلب العميل تحويلها سواء بالكامل او جزئيا الى اي عملة اجنبية اخرى او طلب تحويلها من المصرف الذي تسلمها في البداية الى اي مصرف عامل في لبنان او في الخارج، على ان يتم التحويل من خلال البنك المراسل الاجنبي، أو دفعها مباشرة ونقدا من الحساب الذي أودعت فيه، وعمليات وتحاويل ومدفوعات لمصلحة الدولة اللبنانية وفقا للموازنة العامة، أو بموجب قوانين وفقا للأصول المرعية الإجراء، وعمليات وتحاويل ومدفوعات مصرف لبنان المستندة إلى قانون النقد والتسليف باستثناء الحسابات الشخصية والخاصة المفتوحة لدى هذا المصرف والتي تخضع لأحكام هذا القانون، ونفقات الطبابة والإستشفاء لحالات مرضية يتعذر إجراؤها في لبنان وفقاً للشروط التي تحددها اللجنة، كذلك المدفوعات الجارية لمصاريف الطلاب اللبنانيين المُسجلين في الخارج قبل 31/12/2020 وفقا للشروط التي تحددها اللجنة.
بالنسبة الى السحوبات، أشار مشروع القانون الى أنه باستثناء حسابات "الايداعات والتحاويل الجديدة" التي تبقى السحوبات منها حرة ودون قيد، تخضع جميع السحوبات النقدية لضوابط وقيود تقترحها اللجنة التي تقترح ايضا حجم السحوبات الشهرية للمودعين بالعملات سواء نقدا او بواسطة البطاقات المصرفية فور صدور هذا القانون، على ألّا يقل الحد الأدنى للسحب الشهري عما يعادل 800 دولار لكل مودع من مجموع حساباته المصرفية بالعملة الأجنبية السابقة لتاريخ 17/10/2019، يتحمل نصفها مصرف لبنان ويعود للجنة تعديل سقف القيمة وكيفية دفعها تباعا وفقا لتطور الأوضاع المالية والنقدية والأوضاع المعيشية للمواطنين.
أمّا التحاويل والمدفوعات المحلية واستخدام حسابات القطع، فتتم المدفوعات والتحاويل المحلية كافة بالليرة اللبنانية و/او بالعملة الأجنبية الناتجة عن الايداعات والتحاويل الجديدة باستثناء الحالات التي تحددها اللجنة التي تحدد ايضا القيود المفروضة على التحاويل والشيكات بالعملة الوطنية والعملة الاجنبية بين المصارف.
مصادر مصرفية أشارت لـ"النهار" الى مسألة ضرورة تمويل الحد الأدنى من السحوبات الشهرية المحدد في المشروع بـ 800 دولار وفقا للآلية عينها ومصادر التمويل المعتمدة في تعميم مصرف لبنان رقم 158، وبعد ان يتم تحديد المودعين الذين يفيدون من هذه السحوبات وحسابتهم المؤهلة لهذه الغاية.
وبما أن مشروع القانون ترك موضوع تحديد تفاصيل وآلية تطبيق المادة المتعلقة بها للجنة أنشأها لهذه الغاية، فإن المصادر شددت على أهمية تنفيذ سلس لهذه الاحكام، وتاليا وجوب التعامل بواقعية مع هذا الموضوع وبعد أخذ المخزون الفعلي للمصارف بالعملة الأجنبية في الاعتبار، مما يسمح لها بتسديد السحوبات الشهرية خلال مدة القانون وليس التوقف عن التسديد بعد فترة وجيزة. ان أي مقاربة غير علمية لهذا الموضوع تؤدي الى نتائج معاكسة لأهدافه، وهي تأمين استمرارية السحوبات لغاية إعادة هيكلة المصارف وإعادة حقوق المودعين.
ولعل المادة التي أثارت ريبة المصارف تلك التي تقضي بتعليق جميع الإجراءات القضائية والأحكام والقرارات القضائية في لبنان والخارج التي صدرت قبل صدور هذا القانون والتي لم تنفّذ بعد والمتعلقة بمطالبة أو بتدابير مخالفة لأحكامه، يبقى هذا التعليق ساريا لغاية انتهاء مهلة تطبيق هذا القانون، إذ أشارت الى ان "تعليق نفاذ الاحكام القضائية له طابع اجرائي محض، أي انه يتناول تنفيذ الاحكام القضائية في لبنان، مما يترك المجال مفتوحا امام التنفيذ على الحسابات لدى المصارف المراسلة، خصوصا في ما يتعلق بالأحكام القضائية الصادرة في الخارج، وهذا ما يخالف بوضوح اهداف المشروع. في حين أن تكريس طابع النظام العام المشدد لهذا القانون وتطبيقه على جميع الأوضاع القانونية العالقة، بما فيها الإجراءات القضائية، يكون له طابع القواعد القانونية المادية التي ترعى هذه الأوضاع مباشرة وتتخطى موضوع الإجراءات التنفيذية. وحيث ان المحاكم الأجنبية تطبّق القانون اللبناني الذي يرعى عقود فتح الحسابات المصرفية، أي القواعد القانونية المادية، فان تصحيح هذه المادة على الشكل المذكور يجعلها قابلة للتطبيق من قِبل المحاكم الأجنبية فتؤدي الغرض الذي وُضعت من اجله.
وخلافا لما يدلي به البعض أنه إبراء ذمة مزعوم للمصارف، تؤكد المصادر أن الجمعية "لا تمانع حتى ان يضاف الى هذه المادة ما ينفي أي ابراء مزعوم لذمتها، الا ان عدم تصحيح هذه المادة يؤدي عمليا الى افشال القانون، اذ انه يكفي تقديم الدعوى والحصول على حكم قضائي وتنفيذه خارج لبنان للتملص من احكامه، مما يضرب بشكل واضح حق المساواة بين المودعين ويستنزف مخزون المصارف بالعملة الأجنبية مما يحول دون إعادة تأهيلها ودون إعادة حقوق جميع المودعين".
وفي هذا الاطار، توضح مصادر قانونية "ان الاحكام القانونية التي ترعى تنفيذ الاحكام هي ذات تطبيق إقليمي، بمعنى انها لا تطبق على الاحكام التي تصدر خارج لبنان. أما الاحكام القانونية المادية (lois matérielles substantielles او (substantive laws فقط هي التي يمكن للمحاكم الأجنبية التي تطبق القانون اللبناني على الدعاوى القائمة امامها، ان تطبقها".
المعضلة الإقتصادية والنقدية التي يعانيها اللبنانيون منذ 3 سنوات، دخلت مع تطيير جلسة المجلس النيابي في نفق مقفل، معتم، لا خطوط للعودة فيه، أو مسارب للخروج الآمن منه، قبل الإصطدام الكبير، اللهم إلا إذا حلّت بركة من بيدهم الحل والربط في الداخل والخارج، وتمّت إعادة الإنتظام الى عمل الدولة، عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة تتبنى لغة التواصل المنطقي والواقعي مع القطاع المصرفي المتهالك من جهة، والمودعين الموجوعين من جهة أخرى، لتضع كليهما أمام واقع الأمور الحقيقية، وتتفق معهما على خطة مشتركة قابلة للحياة والإستدامة.
"النهار"- سلوى بعلبكي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|