مؤشرات خطيرة؛ فترة حارقة تشلّع لبنان الا اذا...هل قُرعت طبول الحرب؟
فيما يعيش اللبنانيون على وقع ارتدادات الهزات الارضية التي تضرب المنطقة، ويستشعرون خطر وجودهم في بلاد الارز، تتجمع المؤشرات السلبية التي تعكس بشكل أو بآخر رغبة قوية تتقاطع فيها المصالح الداخلية مع الخارج في افتعال حرب بدأت تظهر ملامحها تباعا وتنتظر ساعة الصفر لاطلاق الرصاصة الاولى والتي قد تأتي من سلاح اقتصادي أو أمني.
في الكواليس الخارجية، تشتم مصادر دبلوماسية رائحة حرب قادمة بعد أن أدلى كل طرف معني بالملف اللبناني بدلوه، وابتعدت لغة الحوار وتُركت الساحة للدول الاقليمية والغربية لاستعراض عضلاتها على الساحة اللبنانية التي تُعد دائما الخاصرة الشرق أوسطية الرخوة. في المؤشرات الداخلية يمكن رصد أكثر من عامل مُقلق يدفع الى التصعيد:
-الحرب على المصارف: وهي العامل الاكثر خطورة. فأي هزة تصيب القطاع المصرفي اللبناني من شأنها أن تنعكس سلبا على الوضع الاجتماعي نظرا للدور الكبير الذي يلعبه المصرف في الحركة المالية والاقتصادية في لبنان، ويكفي العودة الى العام 1966 حين برزت أزمة بنك انترا بالتزامن مع أزمة سيولة ناتجة عن هروب الرساميل الى الخارج بفعل الفوائد المرتفعة يومها، وما نتج عنها أيضا من ارتدادات لاسيما على القطاع المصرفي، لنتأكد بأن العامل المالي كان المؤشر الواضح والتمهيدي لما كان قادما في العام 1975، وللمفارقة فإننا اليوم نعيش مشهد ضرب المصارف التي قد ينخفض عددها كما حصل في الفترة الممتدة بين عام 1966 حيث كان هناك 94 مصرفاً وانخفض إلى 74 مصرفاً في عام 1970. وبالتالي فإن أي ضربة لهذا القطاع من شأنها حكما أن تنسحب على القطاعات المنتجة والتي قد تولد انفجارا اجتماعيا بتنا أقرب اليه اليوم من أي وقت مضى.
-الامن الذاتي: هو الاكثر انتشارا في عدد لا بأس به من المناطق. ففي عكار تنشط في منطقة حلبا مجموعات تفرض خوات على المواطنين لقاء ما تسميه حماية ممتلكاتهم من محال تجارية وبيوت، كذلك فإن الصرخة علت في الضاحية والبقاع من جراء تصرفات بعض العناصر التي يُقال عنها غير منضبطة، وهي تجول في كثير من الاحيان بسلاحها الفردي، حتى أن بعض البلديات في القرى عقد اجتماعات في الفترة الاخيرة للبحث في تعزيز الامن ومساعدة القوى الامنية على ذلك، محذرين من تمادي البعض بسياسة التفلت التي يترتب عليها صراع طائفي ومذهبي.
-وضع اليونيفيل جنوبا: قلَّصت قوات اليونيقيل من دورياتها في الجنوب، وسط حديث ايضا عن تقليص ميزانيتها، وثمة معلومات تشير الى أن دور قوات حفظ السلام في الجنوب قد لا يستمر لفترة طويلة وهذا المؤشر خطير في حال ثبتت المعلومات التي يتم التداول بها في الكواليس، وتؤشر حكما الى افراغ الساحة اللبنانية من أي وجود لعناصر حماية دولية، على جبهة هي الاخطر في الشرق الاوسط.
-النزوح السوري: تشكو الاطراف اللبنانية من الوجود السوري في لبنان، والقوى التي كانت تخشى عودة النازحين الى بلادهم خوفا من "بطش النظام" تُطالب اليوم برحيلهم، ونجد عددا كبيرا من البلديات القريبة من قوى معادية للنظام في لقاءات مع سفراء غربيين يطالبونهم بترحيل السوريين، فيما يسعى عدد من هذه الدول الى تحييد النازح السوري عن الصراع وابقائه في لبنان مع دعم مالي وافر. ويُشكل الضيف عبء على المضيف الذي يبدي خشيته من اي انفجار أمني ناتج عن عناصر ارهابية قد يتم تصديرها عبر الحدود أو من خلايا نائمة في المناطق الحدودية، حيث تشير المعلومات الى أن لدى الاجهزة الامنية تقارير في شأن بعض العناصر المشتبه به وتتم ملاحقته بصمت ومن دون أي ضجة اعلامية.
-الصراع السياسي الداخلي: وهو الذي يُعد فتيلا لأي انفجار داخلي وشيك، وما نشهده من خطابات بسقوف مرتفعة لاسيما تلك التي تصدر عن حزب الله، تُثير قلقا وسط خشية من أي هزة أمنية قد يفتعلها طابور خامس بإيعاز خارجي تُلهب الساحة الداخلية التي لا تزال تعيش تحت وطأة فراغ رئاسي وأزمة ثقة تمنع أي طرف عن اتخاذ الخطوة باتجاه مرشح رئاسي توافقي.
هذه العوامل الداخلية اذا ما أُضيف اليها الانقسام الخارجي على اكثر من ملف ولاسيما ايران وسلاحها النووي والتباعد الاميركي الروسي، فإن قرع طبول الحرب لن يطول ولبنان صاحب الخبرة الطويلة بتنفيذ الاجندات الخارجية لن يتأخر بأداء دوره المعتاد.. وربما يؤشر لقاء باريس الخماسي الاخير الذي انعقد بهدف البحث بالازمة اللبنانية على عمق الخلاف بين الدول وعلى أي لبنان سيستقر الرأي.
من ناحية أخرى،
مئة وأربعة عشر يوماً، ولبنان من دون رئيس للجمهورية، فيما المكوّن الثنائي الشيعي حزب الله- حركة أمل، يستمر بالتمسك برئيس تيار المردة لرئاسة الجمهورية، ويعتبر الثنائي، أن ليس من المستغرب، ولا من الصعب، إقناع عدد من نواب الأفرقاء في المقلب المواجه للثنائي بالتصويت لفرنجية، كمرشح قادر، ومتمكن، ويستطيع الحديث مع معظم القوى السياسية الداخلية، كما أنه يمكن ان يكون موضع ثقة إقليميا، والدليل قناعة فرنسا به.
هذه الصورة مقتنع بها بقوة حزب الله، وحكما الرئيس نبيه بري، حتى إعداد هذا المقال.. وما يعزز هذا الواقع، أنه، عندما طلب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، مؤخرا، من الحاج وفيق صفا، ترتيب وتحديد لقاء له مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كي يعرض عليه ومعه لائحة بعدد من الأسماء لرئاسة الجمهورية، فاستطلع السيد نصرالله الحاج وفيق: "هل اسم رئيس المردة سليمان فرنجية ضمن اللائحة" التي حدثك عنها رئيس الوطني الحر؟ أوضح صفا للسيد نصرالله، ان فرنجية ليس ضمنها... عندها تم إبلاغ باسيل بعدم تحديد أي موعد له مع الامين العام لحزب الله.
بالتوازي، أكدت اوساط سياسية واسعة الاطلاع، أن رئيس البرلمان نبيه بري، لم ينقطع عن الاتصالات ذات الصلة بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي، لا بل زاد من اتصالاته ومشاوراته في اتجاهات عدة، ومنها مع رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط، ودائما على أساس قناعة بري بأنه حتى هذه الساعة، ومع عدم ظهور نتائج توحد الأفرقاء الموارنة على خيار رئاسي حتى الآن (على رغم ما تضطلع به البطريركية المارونية) لا يزال الرئيس بري يرى أن فرنجية يلبي متطلبات الداخل او الواقع اللبناني، وضمنها ما يطمئن المقاومة من جهة، ومن جهة ثانية يؤمن الانفتاح على القوى الأخرى، حتى القوات اللبنانية، في وقت تحاول باريس أن توضح هذا الواقع التقديري، للمملكة العربية السعودية، ودائما حتى الساعة.
لكن هذه المعطيات، وفي حال بقيت كتلة الجمهورية القوية على موقفها غير المؤيد لرئيس المردة، وإذا بقي التيار الوطني الحر، رافضا لفرنجية، وفي حال تمسكت السعودية وواشنطن، بمعارضة وصول الرئيس فرنجية، إذّاك، فإن الأمور تدل بوضوح الى صعوبة مهمة الرئيس بري، والى تفاقم تعقيدات الوضع المتعلق بالجهود الرامية الى انتخاب رئيس للجمهورية. وفي خضم تفاقم الاوضاع المعيشية والاقتصادية والنقدية، وتطور الملفات الدولية والاقليمية بأشكال سلبية، كالوضع في جنوب شرق اوروبا على الاراضي الاوكرانية، وكذلك العلاقات المتوترة جدا بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، وعودة التوتر بشكل ملحوظ جدا بين تل أبيب وايران، فإن عدم إنجاح الجهود المحلية والغربية، للوصول الى بلورة تفاهم على اسم، سواء فرنجية، او قائد الجيش العماد جوزاف عون، أو إسم آخر، او حتى ميشال معوض، هذا الفشل، سينذر بتطورات أكثر خطورة وتدحرجا في الأوضاع في لبنان، وستطول وتطول الفترة الصعبة الحارقة وسيتشلّع لبنان، إلا إذا فُرضت تسوية من الخارج، بعد اتصالات وتفاهم بين ايران والقوى الدولية، والقوى الاقليمية الاخرى، وتجري ترجمتها داخل لبنان.. وستكون هذه التسوية، هذه المرة أيضا، على حساب المكوّن المسيحي، أكثر من أي مكون آخر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|