بوتين: تقليد فاشل لهتلر...فماذا سيحصل بين روسيا وأوكرانيا؟
ليس من المفهوم لماذا إختار بوتين يوم 21 شباط/فبراير لتوجيه كلمته إلى مجلس الإتحاد، وليس يوم 23، "يوم المدافع عن الوطن" الذي تحتفل به روسيا وأكثر من جمهورية سوفياتية سابقة، أو يوم 24، يوم أطلق بوتين حربه على أوكرانيا السنة الماضية. أحد الكتاب السياسيين في دويتشه فيله DW الألمانية، وفي نص نشره قبل خطاب بوتين بأيام، يقول بأن خيار بوتين هذا كان إنحيازاً لأحد "حزبي" النخبة الروسية اللذين أخذ يتحدث عنهما الإعلام العام المنصرم: "حزب 21 شباط" و"حزب 23 شباط". "الحزب" الأول هو حزب البيروقراطيين الروس "الخائفين والمطيعين"، أما الثاني فهو حزب النخبة التي تريد العودة إلى 23 شباط/فبرابر، قبل إشعال بوتين حربه على أوكرانيا.
وجه بوتين خطابه ــ الرسالة إلى مجلس الإتحاد في 21 الجاري، وعاد ووجه كلمة مقتضبة من بضع دقائق في اليوم التالي في المجمع الرياضي الشهير "لوجنيكي" المعروف بإسم "ستاد لينين". وفي الكلمتين كان متوقعاً أن يجري التركيز على الحرب الأوكرانية وتطوراتها القادمة وشروط نهايتها، لكن ليس هذا ما كان.
الكاتبة السياسية في Carnegie Politica تاتيانا ستانوفايا نشرت في 22 الجاري نصاً بعنوان "الإعتراف بعدم التوافق. كيف عرّف بوتين النصر في رسالته". تقول الكاتبة أن رسالة بوتين إنتظروها طويلاً وأرفقت بأغرب الإشاعات : كان على بوتين إما أن يستقيل أو يعلن الحرب رسميًا على أوكرانيا. ومن المفهوم أن كل هذا بسبب الجوع الإعلامي في النخب الروسية التي لا تعرف كيف ينوي بوتين كسب الحرب. لكن خطاب الرئيس لم يضف وضوحاً في هذه المسألة، إذا لم نحتسب التهديدات بالخروج من معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. غير أن هذا كان متوقعاً أيضاً، لكن الرهان على التصعيد ورفض أي حلول وسط كانا أهم ما ينبغي إستخلاصه من خطاب الرئيس.
تأجيل الخطاب غير مرة جعل الكثيرين يقولون بأن ليس لدى بوتين ما يقوله، أو أنه في حيرة من أمره لغياب الإنتصارات على الجبهة. لكن الرئيس وعلى الأغلب لم يكن يرغب، حتى بالخطوط العامة، الكشف عن الخطط الروسية أو أنه، وببساطة، لم يتوفر له الوقت بسبب إنهماكه الشديد في أمور الحرب التي ليست على مايرام. وبالمحصلة جاءت الرسالة مزيجاً مما إعتبر بوتين من الضروري قوله (الجزء السياسي حول الغرب "المجنون")، وما كان يلزمه الدستور بقوله (الحقل الإقتصادي الإجتماعي).
تستنتج الكاتبة من الخطاب ما يوحي بتأكيد بوتين على مواعيد الإنتخابات، بما فيها الرئاسية، وتقول بأن الرئيس عبر عن علاقته الإيجابية بعمل الحكومة وتفاؤله بوضع الإقتصاد الروسي. كما تستنتج بانه ليس لدى بوتين أي شك في متانة النظام الذي اقامه، بالرغم من العقوبات وصعوبات الحرب. وهو ما يزال واثقاً من أنه يستند إلى تأييد واسع من المجتمع والنخب الروسية.
وفي تشريح أكثر تفصيلاً للخطاب، ترى الكاتبة أنه لم يكن متوازنا بين الشقين الداخلي والخارجي. فقد خصص نصف ساعة للحديث عن نوايا الغرب الإنتصار على روسيا، ثم إستغرق ساعة في الحديث عن القضايا اليومية بنبرة متفائلة وكأن كل شيء يسير جيداً. لكنه تجاهل هواجس المتطرفين الروس كيف تخطط روسيا للإنتصار، وكذلك إنتظار المجتمع الروسي أن يشرحوا له كيفية الإستمرار في البقاء في هذه الحرب.
ترى الكاتبة أن قناعة بوتين تترسخ في أن الغرب عازم على إلحاق "هزيمة إستراتيجية" بروسيا بأي ثمن. منذ سنة كان يتوقع أن الغرب سيكون أكثر سلبية في دعم أوكرانيا، لكن الحرب معها الآن تتحول بنظره إلى مرحلة قصيرة في حرب الغرب الشاملة ضد روسيا. ولم يعد الغرب بزعامة الولايات المتحدة طرفاً محتملاً للحوار، وتحول نهائياً إلى معتد إستراتيجي مستعد بأي ثمن وضع نهاية لروسيا بشكلها الراهن. وهذا ينقل المواجهة إلى مرحلة نوعية جديدة يسودها منطق "إما نحن، وإما أنتم". وبالتالي يصبح مبرراً تجميد المشاركة في معاهدة الأسلحة الإستراتيجية، بل وتفكيك مؤسسات العلاقات الثنائية والمتعددة الطرف مع الدول الغربية.
المعهد الأميركي لدراسة الحرب ISW رأى أن روسيا قد تستخدم مقولة "الحدود التاريخية" لتبرير العدوان على مولدوفيا. ونقلت برافدا الأوكرانية في 23 الجاري عن المعهد موجزاً عن تقرير واسع حول الحرب الروسية على أوكرانيا وما ذكره بوتين في كلمتيه الأخيرتين. رأى المعهد أن الرئيس الروسي كرر في 22 الجاري (في ستاد لينين) مقولته الإمبريالية في أن "روسيا تكافح في سبيل حدودها التاريخية". وسبق لبوتين أن أعلن هذه المقولة عشية الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير العام المنصرم. وقال محللو المعهد أن بوتين لم يدل في كلمته بتصريحات بارزة أخرى حول مسار الحرب، ولم يصرح بمهام محددة حول مسارها.
ويعتبر محللو المعهد أن مقولة "الحدود التاريخية" قد تستخدم لتبرير العدوان "تقريباً ضد أي من مجاوري روسيا"، وكذلك ضد مولدوفيا وبلدان آسيا الوسطى التي لها حدود مشتركة مع روسيا. جميع هذه البلدان تضم أراضي كانت في يوم تدخل ضمن أراضي الإتحاد السوفياتي أو الإمبراطورية الروسية.
واشار محللو المعهد إلى أن بوتين، وقبل كلمته في المجمع الرياضي، أصدر قراراً بإلغاء مرسوم أيار/مايو 2012 المتعلق بموقف روسيا حيال وحدة أراضي مولدوفيا، والذي نص على أن روسيا تلتزم بحزم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على تطوير العلاقات الودية بين الدول على أساس المساواة وإحترام سيادتها ووحدة أراضيها. لكنهم يشيرون إلى أن إلغاء المرسوم لا يعني أن بوتين عازم على مهاجمة مولدوفيا، حيث لا يمتلك القدرات العسكرية الضرورية. إلا أن ذلك يشير إلى تعزيز جهوده لتقويض الدولة المولدوفية.
موقع Kasparov المعارض نشر في 22 الجاري مدونة لصحافي روسي شديد المعارضة لنظام بوتين، ويكتب نصوصه عادة بشيء من التطرف. عنون المدون نصه بكلمتين "تقليد العظمة" ويقول بأن الكثيرين يشبهون بوتين بهتلر وروسيا بألمانيا النازية. ويعتبر المقارنة خاطئة لما فيها من إنتقاص من الشر الهائل الذي يمثله هتلر من جهة، ومن جهة أخرى تبالغ في الدور التاريخي للرئيس الروسي.
ويرى أن علاقة الروس بالرئيس بوتين مبنية إما على عطاءات الفتات أو على الترهيب. فعلى سبيل المثال، في المجمع الرياضي "لوجنيكي" ، سوف يسوقون اليوم الطلاب من كل جامعات موسكو، وكذلك الموظفين الرسمين من ضواحي موسكو، وبعض الشبيبة سيسوقونها من منطقة تومبوف (460 كلم عن موسكو). وكل هذا لملء الستاد الرياضي بالعدد الضروري من الحضور الذي يظهر الحب والدعم الشعبي لبوتين. لكن هذا الدعم والحب الشعبي تتوسطه فجوة قاتمة العمق، تضطر السلطات لردمها بمبلغ 500 روبل وسندويشاً.
ويشير إلى أن دخول المجمع لم يكن متاحاً لمن يرغب، بل كان يجب تقديم المعطيات الشخصية للمنظمين، ومن ثم إنتظار السماح بالدخول أو حظره.
وينتهي المدون إلى القول بأن ليس في روسيا فوهرر، بل تقليد له يخشى شعبه ويزرع عسسه في كل زاوية. الإحتفال في "لوجنيكي" اليوم هو حفل تنكري يتظاهر بوتين خلاله أنه زعيم وطني محبوب، ويتظاهر الروس بمشاعر الحب تجاهه.
قبل يومين دخلت الحرب الروسية الأوكرانية رسمياً عامها الثاني، وسط استمرار للمعارك في الشرق الأوكراني، وخسائر فادحة تكبدها الطرفان لناحية الخسائر البشرية والمادية على السواء.
وفيما العديد من المخابرات الغربية توقعت استمرار المعارك لفترة غير قصيرة، تتصعد الأسئلة حول السيناريوهات التي قد تحملها سنة ثانية من حرب ألقت بظلالها على العالم أجمع، في جو ذكر بأجواء الحرب الباردة.
الصين على الخط
ولعل السيناريو الأول الذي طفا إلى السطح مؤخراً احتمال دخول الصين على الخط. فمنذ انطلاق الحرب في 24 فبراير الماضي(20229 وقفت بكين على الحياد إلى حد ما، إذ دعت منذ اللحظة الأولى إلى الحوار ووقف القتال، إلا أنها لم تنتقد يوماً موسكو بل ألقت باللوم على حلف شمال الأطلسي محملة إياه مسؤولية التصعيد الذي حصل بين روسيا وأوكرانيا، كونه لم يراع المخاوف الروسية.
لكن مستجدات أخيرة طرأت أفادت باحتمال دعم الصين لموسكو.
لا شك أن هذا إن حصل قد يقلب الموازين بحسب العديد من المراقبين العسكريين إلى صالح الروس. وبالتالي قد يدفع كييف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وربما يؤزم الملف أكثر مع توسع الصراع.
هجوم كبير
أما الاحتمال الثاني وهو مرجح بحسب ما أفادت المخابرات البريطانية والأميركية أيضا، فشن القوات الروسية لهجوم كبير متوقع في الربيع.
لا يمكن لأحد تكهن الرابح فيه، لاسيما وأن الدول الغربية سارعت خلال الأسابيع الماضية إلى مد كييف بمزيد من السلاح والدبابات والصواريخ المتطورة، مع الامتناع حتى الساعة من رفدها بطائرات مقاتلة متطورة على غرار أف 16 الأميركية، لصعوبة تدريب القوات الأوكرانية عليها بحسب ما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً.
العودة إلى التفاوض
وفي ما يتعلق بالسيناريو الثالث، فيتجسد بالعودة إلى طاولة التفاوض، عبر بوابة المقترح الذي قدمته الصين والذي يتضمن 12 نقطة أبرزها وقف إطلاق النار من الطرفين.
لكن على الرغم من عدم رفض الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي كلياً للمقترح الصيني، إلا أن مطالبته بالانسحاب الروسي أولاً، وهو يعلم أن موسكو لن تقبل به، أجهض فرص أي حل تفاوضي.
مزيد من النزيف
يبقى الخيار الرابع والأخير ألا وهو اسمرار القتال، بين الطرفين، وبالتالي سنة أخرى من استنزاف الطرفين، حتى ينهك واحد قبل الآخر، مع ما يستتبعه ذلك من أثمان باهظة التكلفة سواء على صعيد الخسائر البشرية التي تكبدها الجانبين أو المادية.
يشار هنا إلى أن بعض التقديرات الغربية أفادت بمقتل ما يقارب 100 ألف جندي روسي حتى الآن في المعارك، فيما ذهبت التقديرات الأوكرانية إلى مقتل 200 ألف على الرغم من أن الدفاع الروسية نادرا ما تعلن عن مقتل جنودها، ولعل آخر تحديث لها في هذا الإطار تحدث عن مقتل نحو 6000 جندي حتى اليوم فقط.
في المقابل، لا تقل الخسائر الأوكرانية فداحة، بحسب بعض التقديرات الأميركية، إذ أفاد سابقا مسؤولون في البنتاغون بأن خسائر القوات الأوكرانية متقاربة إلى حد ما مع الروسية.
يضاف إلى تلك الخسائر البشرية بطبيعة الحال، خسائر بالمليارات في أوكرانيا نتيجة تدمير البنى التحتية والعديد من المدن والمرافق العامة في البلاد جراء القصف الروسي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|