لماذا " تأخر"بوتين الى ال2022 لغزو اوكرانيا؟
لماذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا والاستيلاء على كييف في شباط 2022، وليس قبل سنوات؟
بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، "لطالما أرادت موسكو الهيمنة على أوكرانيا ، وقد أوضح بوتين أسباب ذلك في خطاباته وكتاباته. لماذا إذن لم يحاول الاستيلاء على كل أو معظم البلاد بعد الثورة الأوكرانية عام 2014، بدلاً من مجرد ضم شبه جزيرة القرم، وتقديم مساعدة محدودة شبه سرية للانفصاليين في دونباس؟ في الواقع، أمضى المتشددون الروس سنوات في انتقاد زعيمهم لعدم غزوه اوكرانيا باكراً. في عام 2014، كان الجيش الأوكراني ضعيفًا بشكل ميؤوس منه؛ حينها كان للروس رئيس أوكراني مؤيد لروسيا ومنتخب ديمقراطياً، فيكتور يانوكوفيتش، كما وأحداث كمقتل المتظاهرين الموالين لروسيا في أوديسا كان من شأنها أن تدفعهم إلى شن غزو".
وتابعت الصحيفة، "يعود سبب ضبط النفس السابق لبوتين في ما كان جزءًا أساسيًا من الإستراتيجية الروسية التي يعود تاريخها إلى التسعينيات: محاولة قطع مسافة أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف إنشاء نظام أمني جديد في أوروبا مع روسيا كشريك كامل وقوة محترمة. كان من الواضح دائمًا أن غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا من شأنه أن يدمر أي أمل في التقارب مع الأوروبيين الغربيين، ويدفعهم في المستقبل المنظور إلى أحضان الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، من شأن مثل هذه الخطوة أن تترك روسيا معزولة دبلوماسياً ومعتمدة بشكل خطير على الصين. وتم النظر إلى هذه الإستراتيجية الروسية بشكل صحيح على أنها محاولة لتقسيم الغرب، وترسيخ دائرة نفوذ روسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق".
وأضافت الصحيفة، "ومع ذلك، فإن الحديث عن نظام أمني أوروبي مع وجود روسيا على طاولة المحادثات كان سيقضي أيضًا على خطر هجوم روسي على الناتو، والاتحاد الأوروبي، وعلى الأرجح أوكرانيا؛ كما وكان سمح لموسكو بممارسة تأثير أكثر مرونة على جيرانها - ربما أقرب إلى النهج الحالي للولايات المتحدة تجاه أميركا الوسطى - بدلاً من إمساكهم بإحكام. في وقت من الأوقات، وافق بوتين على هذه الفكرة. تم الآن التخلي عن هذه الرؤية لصالح مفهوم روسيا باعتبارها "حضارة أوراسية" منفصلة. فبين عام 1999، عندما تولى بوتين السلطة، وعام 2020، عندما انتُخب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، شهدت هذه الاستراتيجية الروسية خيبات أمل شديدة، لكنها أيضًا شهدت إشارات مشجعة كافية من باريس وبرلين لإبقائها على قيد الحياة".
وبحسب الصحيفة، "جاءت المحاولة الروسية الأكثر منهجية للتفاوض بشأن نظام أمني أوروبي جديد مع الرئاسة المؤقتة لديمتري ميدفيديف من 2008 إلى 2012. بموافقة بوتين، اقترح معاهدة أمنية أوروبية من شأنها أن تجمد توسع الناتو، وتضمن فعليًا حياد أوكرانيا والدول الأخرى، وتؤسس للتشاور على قدم المساواة بين روسيا والدول الغربية الرائدة. لكن الدول الغربية بالكاد تظاهرت بأخذ هذه المقترحات على محمل الجد. في عام 2014، يبدو أن تحذيرات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من "أضرار جسيمة" لروسيا والعلاقات الألمانية الروسية هي التي أقنعت بوتين بالدعوة إلى وقف تقدم الانفصاليين المدعومين من روسيا في دونباس. في المقابل، رفضت ألمانيا تسليح أوكرانيا، وتوسطت مع فرنسا في اتفاقية مينسك 2، والتي بموجبها سيعود دونباس إلى أوكرانيا كمنطقة حكم ذاتي".
وتابعت الصحيفة، "في عام 2016، انتعشت الآمال الروسية في الانقسام بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة من خلال انتخاب دونالد ترامب - ليس بسبب أي سياسة محددة، بل بسبب العداء القوي الذي أثاره في أوروبا. لكن انتخاب بايدن أعاد توحيد الإدارة الأميركية ومؤسسات أوروبا الغربية مرة أخرى. وشهدت هذه السنوات أيضًا رفض أوكرانيا لضمان الحكم الذاتي لمنطقة دونباس، وفشل الغرب في ممارسة أي ضغط على كييف للقيام بذلك. رافق ذلك تطورات أخرى جعلت بوتين يقرر رفع الأمور المتعلقة بأوكرانيا إلى ذروتها. وشمل ذلك الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في تشرين الثاني 2021، والتي أظهرت احتمال أن تصبح أوكرانيا حليفًا مدججًا بالسلاح للولايات المتحدة ولكن غير معترف بها رسمياً على هذا النحو، مع الاستمرار في التهديد باستعادة دونباس بالقوة".
وأضافت الصحيفة، "في الأشهر الأخيرة، أعلن الزعيمان الألماني والفرنسي في عام 2015، ميركل وفرانسوا هولاند، أن اتفاقية مينسك 2 بشأن الحكم الذاتي في دونباس كانت مجرد مناورة من جانبهما لإتاحة الوقت للأوكرانيين لبناء قواتهم المسلحة. هذا ما اعتقده المتشددون الروس دائمًا، وبحلول عام 2022، يبدو أن بوتين نفسه قد توصل إلى نفس النتيجة. ومع ذلك، حتى عشية الغزو تقريبًا، استمر بوتين في الضغط على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دون جدوى، لدعم معاهدة الحياد لأوكرانيا والتفاوض مباشرة مع القادة الانفصاليين في دونباس. لا يمكننا بالطبع أن نقول على وجه اليقين ما إذا كان هذا سيقود بوتين إلى إلغاء الغزو. ولكن نظرًا لأنها كانت ستفتح انقسامًا عميقًا بين باريس وواشنطن، فقد تكون مثل هذه الخطوة من قبل ماكرون قد أحيت في ذهن بوتين الاستراتيجية الروسية القديمة والراسخة في محاولة تقسيم الغرب وإبرام اتفاق مع فرنسا وألمانيا".
وبحسب الصحيفة، "يبدو الآن أن بوتين يتفق تمامًا مع القوميين الروس المتشددين على أنه لا يمكن الوثوق بأي حكومة غربية، وأن الغرب ككل معادي بشدة لروسيا. ومع ذلك، لا يزال عرضة للهجوم من هؤلاء المتشددين أنفسهم، بسبب عدم الكفاءة العميقة التي تم بها تنفيذ الغزو، ولأن اتهامهم بأنه كان ساذجًا في السابق بشأن آمال التقارب مع أوروبا يبدو أنه قد تم تبريره تمامًا. من هذا الجانب، وليس من قبل الليبراليين الروس، يأتي التهديد الأكبر لحكمه الآن. وبالطبع فإن هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة على بوتين في السعي لتحقيق أي سلام لا يظهر على الأقل بعض مظاهر الانتصار الروسي".
وختمت الصحيفة، "في غضون ذلك، دمر الغزو الروسي أي تعاطف حقيقي مع روسيا كان موجودًا في المؤسسات الفرنسية والألمانية. ويبدو النظام الأمني السلمي والتوافقي في أوروبا بعيد المنال. ولكن في حين أن بوتين وغزوه الإجرامي لأوكرانيا هما المسؤولان الرئيسيان عن ذلك، يجب أن ندرك أيضًا أن أوروبا الغربية والوسطى لم تفعل سوى القليل جدًا لمحاولة الحفاظ على حلم غورباتشوف بوطن أوروبي مشترك على قيد الحياة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|