مُهمّتان على طريق بو نجم: الملفّ الرئاسيّ و"قرنة شهوان 2"
منذ تسلّمه أبرشية أنطلياس المارونية، يُثابر الرّاعي الشاب، المطران أنطوان بو نجم على تحمّل مسؤولياته الرعوية كما الوطنية. فالكنيسة أمّ، تحمل في قلبها ووجدانها هموم لبنان الكثيرة والكبيرة. تقود في المقدّمة عندما تتراجع القيادات السياسية عن دورها، وتنتقل إلى الخلف عندما تتقدّم تلك القيادات. ولعلّ البصمة الأبرز الذي طبعت دور بكركي السياسي في مرحلة الإحتلال السوري وقبضته الأمنية والسياسية على لبنان بعد اتفاق الطائف، كانت «نداء المطارنة الموارنة» الشهير الذي تُرجم من خلال أبرشية أنطلياس بوضع المدماك الأساسي لمعارضة سياسية مسيحية تمثّلت في «لقاء قرنة شهوان» الذي فتح الطريق نحو «لقاء البريستول» الجامع وطنيّاً.
من هذا الإرث الكبير الذي تركه المطران يوسف بشارة الذي وصفته أبرشيته في إحدى وثائقها بـ»البطريرك غير المُتوّج»، يجهد المطران بو نجم، على خطّين متوازيين، عنوانهما مسيحيّ، أما غايتهما فوطنية. الأوّل باتجاه الصفّ الأوّل من القيادات المسيحية في سبيل اجتراح «أعجوبة» ما، تَبعثُ الإستحقاق الرئاسي من رقاده البرلماني. والثاني باتجاه إحياء «قرنة شهوان 2».
في المهمّتين، الدروب صعبة ومحفوفة بالمخاطر. لكن «عناد» البطاركة والأساقفة في نضالهم عبر التاريخ منذ بطريركهم الأوّل يوحنا مارون الذي تحتفل به الكنيسة المارونية اليوم، يَشهد على طول أناتهم وتفنّنهم في صناعة الإستقلال والحفاظ على هويّة لبنان واستعادة سيادته، مهما طالت سنوات البؤس. وأثبتت التجارب والأحداث أن بكركي دائماً على حقّ.
إلى «القرنة» مجدّداً؟
في هذا الإطار، كشف مصدر كنسي مُطّلع لـ»نداء الوطن»، أن المطران بو نجم دأب منذ سيامته الأسقفية برضى بطريركيّ، على العمل لإعادة تشكيل لقاء «قرنة شهوان» ثانٍ، يجمع تحت جبّته الأطياف السياسية المسيحية المؤمنة بخط بكركي التاريخي.
غير أن هذا المسعى، لاقى حسب المصدر ذاته، صعوبات كثيرة. القوى المسيحية المُصنّفة «سياديّة»، أبرزها أحزاب «القوات اللبنانية»، «الكتائب»، «الأحرار»، «حركة الإستقلال» ونواب وشخصيات مستقلّة، لم تبدِ حماستها رغم عدم اعتراضها المبدئي، خصوصاً أنها كانت الركن الأساسي في «لقاء قرنة شهوان» عام 2001. وقد عزت السبب إلى علاقاتها الوطنية مع قوى سياسيّة سنيّة ودرزية وشيعيّة مُعارضة. أما المصدر الكنسي، فيشدّد على أن فكرة «اللقاء» لا تتعارض مع التحالفات السياسية الحاصلة.
وفي ردّه على أن الواقع السياسي الحالي يختلف عن الظروف التي أدّت إلى إنشاء «قرنة شهوان»، إذ أنّ معارضة الإحتلال السوري كانت محصورة في الشارع المسيحي، ذكّر أن «لقاء القرنة» مهّد للقاء البريستول ومن ثمّ «ثورة الأرز» لتحرير لبنان. ويقول إنّ «البيت المسيحي بحاجة إلى ترتيبات داخلية لمواجهة التحديات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وإعادة تفعيل الدور المسيحي في الدولة ومؤسساتها»، مضيفاً أن «الهدف الأساسي هو إنقاذ الشراكة الوطنية والحفاظ على الهوية والكيان».
أما العقبة الثانية على طريق «القرنة»، فتمثّلت بموقف «التيّار الوطنيّ الحرّ» الذي لم ينضوِ أساساً في لقاء 2001. واعتبر المصدر أنّ «التيّار» رغم تعارض سياساته الداخلية مع «حزب الله» والإختلاف في مقاربة بعض الملفات كرئاسة الجمهورية ودور الحكومة ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، غير أنه لا يزال استراتيجيّاً يدور في فلك «محور الممانعة». أو أقله لم يُعبّر بشكلٍ واضح وصريح عن موقفه من السّلاح غير الشرعي والنفوذ الإيراني وهيمنته.
هل نستنتج أن «الفكرة» قد دُفنت في بيتها؟ يشير المصدر المذكور إلى «خطّة رديفة»، لافتاً إلى أنّ لقاء «قرنة شهوان 2» لن يكون طابعه سياسيّاً بامتياز كما كان عليه في نسخته الأولى. وأوضح أن التواصل سيكون على مستوى النخب والمفكّرين والإخصائيين في الإقتصاد والتنمية. إنّها «قرنة» بحلّة اجتماعية وثقافية، تُعنى بهموم الناس وطرح الحلول وكيفية تأمين مقوّمات الصمود المعيشيّة والتنموية في ظلّ عجز الدولة ومؤسساتها. ورأى أنّ ما فرّقته السياسة قد يجمعه وجع الناس.
وإذا كان مسعى بو نجم لم يصل إلى خواتيمه المرتجاة على خطّ «القرنة»، فماذا عن جهوده المبذولة رئاسيّاً؟ وهل الاختلاف الحاصل بين «التيار» و»الحزب» قد يُساهم في إنتاج رئيس ذي وجه سيادي وإصلاحي على قاعدة «السياسة فنّ المُمكن»؟ يرى المصدر الكنسي أنّ «الثقة بين القوى الحزبية المسيحية الرئيسية مفقودة، خصوصاً باتجاه النائب جبران باسيل، فبعضهم يخشى من صفقة اللحظات الأخيرة بين الثلاثي: الثنائي الشيعي – باسيل - سليمان فرنجية».
أما عن جولة بو نجم الرئاسية لفكّ أسر رئاسة الجمهورية، فلفت المرجع إلى أنّ «المهمّة صعبة. تباعد الأفكار بين القيادات حول هوية الرئيس لا يزال المرشّح الأقوى... بانتظار جولة ثانية للمطران ناقلاً اقتراحات من البطريرك الماروني تأسيساً على نتائج الجولة الأولى التي استمع خلالها إلى مواقف هذه القيادات ومقاربة كل منها للأزمة الرئاسية والنظرة إلى سبل الخروج منها.
في السياق، استبعد المصدر الكنسي، فكرة انعقاد لقاء رباعيّ أو خماسيّ في بكركي أسوة بالإجتماع الرباعي الذي جمع «ميشال عون – سمير جعجع – أمين الجميّل – سليمان فرنجيّة»، في مرحلة الشغور الرئاسي الأول بعد انتهاء عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان. ورأى أنّ المؤشّرات السلبية، لن تدفع بكركي إلى تجارب مريرة أخرى. كما أنّ الأخيرة لن تدخل في الأسماء، لكنّها تصرّ على المواصفات التي حدّدها ويكرّرها البطريرك في عظاته ومواقفه.
يبدو أن مهمّة المطران بو نجم الثنائية، تسير في «جلجلة»، مسيحية، ومن ثم وطنية. الملفّان عالقان في الحسابات السياسية والتموضعات الإستراتيجية بين محورين متناقضين. الأوّل يتناغم إلى حدّ كبير مع مواقف بكركي الوطنية، والآخر يجلس عن يسارها. غير أنّ المُهمّتين تكمّلان بعضهما البعض، فجمع المسيحيين تحت عنواني السيادة والحفاظ على الهويّة والتعدّدية والشراكة في «قرنة» وأي مسمّى آخر، يتكامل مع وجود رئيس سيادي إصلاحي على رأس الدولة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|