التخلّي عن إبراهيم... هل بدأ العدّ العكسي للتغيير؟
من رجل المهمات الصعبة والوسيط الديبلوماسي والامني والسياسي، الذي يقف على حدّ السيف بين الغرب ودول الممانعة، ويحظى برضا واحترام كليهما، الى رجل تُرك من حلفائه قبل الخصوم. انه اللواء عباس ابراهيم الذي خرج امس من قيادة المديرية العامة للأمن العام بعدما أُقفلت في وجهه كل المخارج للبقاء في موقعه، لينتقل الى الشأن العام من باب العمل السياسي، كما أحب ان يعلن في كلمته الوداعية لكوادر المديرية.
قد يكون اعلان ابراهيم رغبته في الانتقال الى العمل السياسي، وتمنّيه تبوؤ وزارة الخارجية المخرج الافضل الذي يلائم رجلا اجترح معجزات في وساطاته التي شملت مختلف الملفات السياسية والامنية وحتى الاقتصادية والنفطية، حيث لعب دور الوسيط في تأليف حكومات، واطلاق اسرى ورهائن، وترسيم الحدود وتأمين الفيول وغيرها من الملفات الشائكة التي نجح الرجل في تحقيق خروقات فيها ادت الى نهايات جيدة. لكنه عجز عن ايجاد مخرج أو وساطة له لدى أيّ من القوى المتعددة التي تشكل شبكة علاقاته الداخلية والخارجية، فاستسلم لقدره وخرج مسلّماً المديرية للعميد الياس البيسري بالوكالة.
أياً تكن التفسيرات او التبريرات والاجتهادات القانونية التي تلطى وراءها كل من تخلى عن إبراهيم وخيّب أمله، فهي كلها لا تقوم أمام الثابتة الوحيدة بأن قرار خروج الرجل الأمني الاساسي هو قرار "حزب الله"، وأي كلام خارج هذه الحقيقة خارج عن سياقه، ولا يعبّرعن الواقع. فلا رئيس مجلس النواب ولا رئيس حكومة تصريف الاعمال اللذان تذرّعا، كلّ من الموقع الذي يمثله، بعدم جواز او قانونية التمديد لأسباب تختلف لدى كل واحد منهما، قادران على اقناع الحزب بما يخالف قراره أو اقتناعه.
صحيح ان رئيس المجلس كان يرغب في طرح الموضوع على هيئة عامة تعذّر انعقادها بسبب رفض المكونات المسيحية التشريع في ظل الشغور الرئاسي، وهذا عذر جيد لكي يأتي التعطيل من مكان آخر. أما رئيس الحكومة المنسجم تماماً مع رئيس المجلس في ادارة شؤون البلاد، فهو ايضاً لم يخرج عن بيت الطاعة. فكانت جلسة مجلس الوزراء الاخيرة مناسبة للتنويه بمزايا ابراهيم والاشادة بجهوده، من دون ان تصل الى حد طرح التمديد له. والعلامة الفارقة ان وزيري الحزب شاركا في الجلسة ولم يغادراها، ولم يضغطا في اتجاه البحث في التمديد!
والسؤال الذي يشغل بعض الاوساط السياسية: هل تخلى الحزب عن إبراهيم، وهو الذي كان يعَول عليه للانتقال الى العمل السياسي، كبوابة عبور لخوض الانتخابات النيابية وصولاً الى دخول البرلمان رئيساً له، بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي؟
ثمة مَن يعتبر ان هذا الخيار لم يسقط، وان ابتعاد ابراهيم عن الساحة يخفف التشنج الحاصل حياله وحيال دوره. لكن هذه القراءة لا تلتقي مع قراءة اكثر التصاقاً بالواقع ومفادها ان الحزب لم يكن متحمساً لاستمرار ابراهيم في موقعه بسبب ما يشبه "النقزة" منه حيال الحجم الذي بلغه ولا سيما لدى الاوساط الغربية. لكن قراءة ثالثة تذهب أبعد الى حد الربط بين ملف ابراهيم وملف المواقع الاخرى المرشحة للشغور في المرحلة اللاحقة. ليس الموضوع حصراً بموقع حاكمية المصرف المركزي التي تشغر بحلول تموز المقبل، والكلام الذي يدور في الكواليس الضيقة عن مقايضة غير معلنة جرت بين عدم التمديد لابراهيم مقابل عدم التمديد للحاكم رياض سلامة، خصوصاً ان ما عزز هذا الكلام تسلّم مسيحي هو العميد البيسري مهام المدير العام بالانابة، فيما سيكون على النائب الاول للحاكم وسيم منصوري تسلم مهام الحاكم اذا حصل الشغور ولم يتم تعيين حاكم قبل موعد انتهاء الولاية.
قد يكون في كل قراءة من هذه القراءات شيء من الحقيقة، لكن الواقع بحسب مصادرسياسية مطلعة ان عدم التمديد لابراهيم يأتي ضمن رزمة متكاملة هي جزء من التسوية المقبلة على البلاد، ومفادها ان خروج ابراهيم سيكون اول حبة في عنقود عدم التمديد في كل المراكز التي ستشغر قريباً من الحاكمية الى قوى الامن الداخلي الى قيادة الجيش،على خلفية عدم التمديد للازمة القائمة ولكل رموزها.
أما بالنسبة الى الحاكمية، فتؤكد المصادر ان رسالة اميركية واضحة وصلت الى من يعنيهم الامر في الداخل، ومفادها ان على سلامة ان يغادر عندما يحين الوقت وتنتهي ولايته. وقد تبلغ الجانب الاميركي في المقابل ان "الثنائي الشيعي" لن يقبل بتسلم النائب الأول مهام الحاكمية. وهذا يقود الى الجزء الآخر من المعلومات التي تقول بأن هذا الاستحقاق سيدفع الى رفع مستوى الضغط الخارجي الى اقصاه حتى يتم انتخاب رئيس للجمهورية، على نحو يعيد الانتظام الى المؤسسات الدستورية، ويسقط الذرائع من أمام تعيين حاكم جديد يواكب العهد الجديد!
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|