محليات

كيف تبخرَّت أموال المودعين؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب جيمي بسوسي في “المسيرة” – العدد 1731

كيف تبخرَّت أموال المودعين؟

خارطة طريق لاستعادتها بالممكن!

نعاني اليوم من أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي كواحدة من أكبر ثلاث أزمات عالمية منذ العام 1850. فمنذ إندلاع الأزمة، شهد لبنان أكبر نسبة تقلّص بالناتج المحلي، ثالث أكبر نسبة تضخّم عالمياً بعد فنزويلا والسودان، وثالث أدنى دخل عالمياً بعد اليمن والصومال، ورابع أعلى مستوى دين مقارنة مع الناتج المحلي. وأصبح لبنان يُقارن اقتصادياً مع دول العالم الثالث ويُقدّر أن 46 في المئة من العائلات تواجه صعوبة مالية في تأمين حاجاتها الأساسية. وقد أدّت الأزمة الى خلخلة كل النظام الاقتصادي، ففي العام 2021، وعلى الرغم من أن الدولة خفّفت مجمل إنفاقها، فأجّلت مشاريعها ودفعاتها، ولم تدفع فوائد ولم تسدّد ديونها وخفّفت كل تحويلاتها لمؤسسة كهرباء لبنان حيث أصبحت الأخيرة تغطّي ساعتين تغذية فقط خلال النهار، على الرغم من كل هذه الإجراءات، ظلّت الميزانية في حال عجز.

والسؤال الذي يُطرح: كيف وصلنا الى هنا؟ هل الإنهيار كان وليدة ليلة 17 تشرين؟ هل لو وافقنا على ضريبة الـ6 سنتات المتعلّقة بتطبيق واتساب، لكنا تفادينا الأزمة؟


بات واضحًا أن الأزمة الإقتصادية اللبنانية هي نتيجة تراكم سنوات من الهدر، واللاإستقرار السياسي وغياب خطة اقتصادية.


خلال مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، أصبح لبنان بلدًا مثقلًا بالديون. لسنوات عديدة، كانت الحكومات اللبنانية تصدر سندات اليوروبوند وتقترض من أجل تمويل عجز الموازنة حيث كانت غالبية نفقات الموازنة مرتبطة بتمويل رواتب القطاع العام، وتمويل عجز مؤسسة الكهرباء المملوكة من الدولة، وتغطية معدلات الفائدة على القروض، وتسديد جزء من القروض السابقة وترك جزء صغير جداً ليُنفق على البنية التحتية والتنمية.


عام 2011، واجه لبنان حالاً من عدم الإستقرار السياسي إلى جانب إندلاع الحرب السورية على حدوده. وفي نفس العام، تمت الإطاحة بحكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة جديدة من لون واحد في إئتلاف 8 آذار. من جهة أخرى، بدأ اللاجئون السوريون بالتدفّق نحو لبنان، الأمر الذي راح يشكّل ضغطًا على البنية التحتية اللبنانية التي كانت حينها غير كافية للبنانيين، وبدأ الإنفاق الحكومي من جهة أخرى يرتفع. وزاد على ذلك، طلب دول الخليج من أبنائها السائحين عدم زيارة لبنان بعد التشنجات السياسية مع الحكومة. بعدها بثلاثة أعوام، بدأت تنخفض تحويلات المغتربين اللبنانيين من منطقة الخليج بسبب أزمة النفط. إلى ذلك، عانى لبنان من عجز كبير في الميزان التجاري بسبب الإعتماد الكثيف على الإستيراد، والتصدير المحدود. كل هذه العوامل أدت إلى عجز سنوي مرتفع في ميزان المدفوعات وزيادة تكلفة تثبيت العملة الوطنية من قبل البنك المركزي.


كل هذه العوامل، ولم يتوقف الفساد أبدًا، وحتى بعد مؤتمر سيدر، لم يتم تبنّي أية إصلاحات من قبل الحكومة.

في تشرين الأول 2019، اندلعت الثورة في لبنان وواجهت المصارف تهافتًا على فروعها. بعد بضعة أشهر، تخلّفت الحكومة اللبنانية عن سداد سندات اليوروبوندز الخاصة بها من دون إتفاق مسبق مع المقرضين، وفي غياب أية خطة لتجنّب الإنهيار الإقتصادي، الأمر الذي أدى إلى إستمرار الإقتصاد اللبناني في السقوط الحر. وخلال هذه الفترة، لم يتمكّن المودعون من سحب ودائعهم بالعملات الأجنبية من البنوك التجارية… وبدأت أزمة المصارف.

 

أين ذهبت ودائع الناس؟

عندما وضع المودعون أموالهم في المصارف التجارية اللبنانية، استثمرت المصارف هذه الأموال بعدة مجالات. قسم منها تم استعماله لتمويل قروض تجارية، سكنية وقروض خاصة، وقسم آخر استُخدِم لشراء سندات خزينة وسندات يوروبوندز، والقسم الأخير استُخدِم لشراء شهادات إيداع من مصرف لبنان أو تم وضعه في حساب خاص بمصرف لبنان كاحتياط خاص. في المقابل، قام مصرف لبنان بشراء سندات إيداع ويوروبوندز بقسم من هذه الأموال.

باختصار، القسم الأكبر من أموال المودعين تم إقراضه للدولة اللبنانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأهدرت الدولة هذه الأموال ولم تعد موجودة. أما القسم الثاني، فأقرضته المصارف كقروض سكنية وتجارية بالعملات الأجنبية، ولكن من الصعب استرداده بالدولار لأن معظم المقترضين سدّدوا أو يسدّدون مستحقاتهم بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي أو بـ «اللولار».

واخيراً، القسم الثالث، أي القسم الموجود في مصرف لبنان ولم يُستخدَم لشراء سندات يوروبوندز، فقد استعمله مصرف لبنان لدعم الوقود والأدوية والقمح والإحتياجات الأساسية. وقد انخفض الإحتياطي الأجنبي في البنك المركزي خلال عامين ليبلغ نحو 10 مليارات دولار اليوم، من أصل حوالى 32 مليار دولار قبل الأزمة. إضافة الى أن الميزان التجاري سجّل عجزًا كبيرًا تراكم عبر السنوات، إذ كان يتم تحويل مليارات الدولارات سنويًا من لبنان إلى الخارج لاستيراد النفط والغاز والمواد الأولية وكامل الإستيرادات. بالتالي، فإن القسم الأكبر من أموال المودعين بالعملات الأجنبية لم يعد موجودًا. لكن من سيتحمّل الخسائر؟ هل يحملها فقط المودعون؟


فعلياً الكتلة النقدية بالدولار الموجودة في لبنان أصبحت أقل بكثير من قيمة أموال المودعين بالدولار التي تقدّر بحوالى 90 مليار دولار والتي هي قيمة ورقية فقط. ‎لذا لا بد من شيء شبيه للـ haircut كي تصبح قيمة الدولارات الدفترية تساوي قيمة الدولارات الفعلية في البلد.


لكن لا يجوز تحميل المودعين وحدهم هذه الخسائر. فعلى المصارف أن تتحمّل أيضاً جزءًا من هذه الخسائر لأنها استعملت أموال المودعين باستثمارات فاشلة. وعلى الدولة أيضاً أن تتحمّل جزءًا آخر، لأنها أنفقت أموال المودعين ولم تضع خطة إقتصادية لمعالجة مشكلة العجز بالميزان التجاري.

 

ما هو الحل إذن؟

الحل ممكن أن يكون عبر شراكة بين الأطراف الثلاثة على أن يبدأ عبر تسديد أموال صغار المودعين من الأموال المتبقية من الإحتياط الإلزامي. أما في ما يتعلّق بكبار المودعين فيكون الحل على الشكل التالي:

تحديد النسبة المطلوبة من الـ haircut على كبار المودعين (لنفترض 30 في المئة)، وتقسيم هذه النسبة الى قسمين:

الأول يقضي بتحويله 15 في المئة من أموال المودعين إلى أسهم في المصارف. ولهذه الخطوة حسنات:

‎1 – بدل أن يخسر المودعون قسمًا من أموالهم نتيجة الـ Haircut، يحظون باستثمار يؤمّن لهم أرباحًا سنوية.

‎ 2- يخسر أصحاب المصارف سلطتهم المطلقة على المصارف ويُجبرون على إدارة القطاع المصرفي في لبنان بالتنسيق مع حملة الأسهم الجدد

‎3 – تتحسّن ملاءة المصارف اللبنانية ومتانتها، إذ ستقلّص هذه المصارف قسمًا كبيرًا من ديونها (أموال المودعين) وترفع رأسمالها.

الثاني يقضي بإعفاء الدولة من تسديد قسم من سندات اليوروبوندز التي تملكها المصارف (من خلال أموال المودعين) مقابل تنازلها عن قسم من حصصها في مؤسسات القطاع العام لصالح المودعين. بالتالي بدل أن يخسر المودعون أموالهم، ينالون مقابل هذه الأموال حصصًا في مؤسسات الدولة مثل كازينو لبنان، شركات الإتصالات، شركة طيران الشرق الأوسط…

هذه الخطوة تقلّص من دين الدولة، وتقلّص من استثمارات المصارف في سندات الدولة، ويحافظ عبرها المودعون على استثمار مقابل أموالهم.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا