دمشق تحت سلطة طهران طالما بقي الأسد
اتسمت العلاقة بين السعودية وإيران بتوتر شبه دائم منذ وصول المرشد الإيراني روح الله الخميني إلى السلطة عام 1979، وذلك كانعكاس مباشر للسياسة الإيرانية القائمة على التوسع والهيمنة والتدخل في شؤون دول الجوار. وقد تعزّز هذا التنابذ طيلة الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) نتيجة لانحياز الرياض إلى جانب العراق انطلاقاً من اعتقادها بأن العراق هو حائط الصدّ الذي يجب أن يبقى حائلاً دون اختراق إيران لدول الخليج برمتها.
ولكن نهاية الحرب بين بغداد وطهران لم تؤذن بنهاية القلق السعودي من المدّ الإيراني المدفوع بسياسات "الولي الفقيه" التي لم تتغير على الرغم من تعاقب الحكومات الإيرانية، ومن جهة أخرى لم يعد العراق هو الممر الوحيد للاختراقات الإيرانية، بل استطاعت طهران إيجاد أذرع لها في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي جعل العلاقة بين الحكومات الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، وبين إيران في حالة من الريبة الدائمة، ثم تطورت هذه الريبة إلى قطيعة تامة عام 2016 على إثر الاعتداء على السفارة السعودية في طهران.
لعله من نافل القول إن الاستراتيجيات الدفاعية التي اتبعتها السعودية كانت متماهية إلى حدّ بعيد مع الموقف الأميركي حيال إيران، وذلك نظراً لغياب منظومة أمن قومي عربي أولاً، ولعمق التفاهمات السعودية-الأميركية التي جعلت إيران ترى في السعودية منطقة نفوذ أميركية يمكن التلويح باستهدافها إذا ما راودت واشنطن فكرة الحرب على إيران، وربما كان هذا هو السبب في ارتفاع حدّة التصعيد السعودي تجاه إيران أو خفوته موازياً لسخونة التصعيد الأميركي أو برودته.
لعل المفصل الأهم في العلاقات الإيرانية-الأميركية، يتمثل بالاستراتيجية التي كرستها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حين انتهجت سياسة احتواء إيران بدلاً من التصادم معها، وقد تجسد هذا النهج الجديد من خلال الاتفاق النووي بين الطرفين عام 2015، وعلى الرغم من تنصل إدارة ترامب من الاتفاق المذكور، إلا أن حكومة الرئيس جو بايدن أرادت تعزيز نهج الحزب الديمقراطي في واشنطن، والذي ينهج باتجاه الحدّ من التدخل العسكري المباشر خارج الحدود الأميركية والاعتماد على قوى محلية للدفاع عن المصالح الأميركية، الأمر الذي عزّز القناعة لدى دول الخليج عموماً بضرورة إعادة النظر باستراتيجياتها الدفاعية التي ينبغي أن تواكب المستجدات الدولية والإقليمية، والتي بلغت ذروتها في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، ولعل أبرز تلك المستجدات:
1 – إصرار حكومة بايدن على استكمال التفاهمات مع إيران بخصوص ملفها النووي، الأمر الذي قد يفضي إلى ظهور عهد جديد أكثر إيجابية بخصوص العلاقات بين الطرفين.
2 – عدم قدرة السعودية على حسم النزاع في اليمن والقضاء على نفوذ الحوثيين على الرغم من مرور ثماني سنوات من الحرب.
3 – حرص واشنطن على عدم زوال نظام الأسد من خلال إتاحة المجال لروسيا كي تتدخل عسكرياً لحماية النظام، ما يعني أن واشنطن ليس لديها أي مسعىّ جدّي لمحاربة أذرع إيران في المنطقة، سواء تمثلت تلك الأذرع بالحوثيين في اليمن أو نظام الأسد في سوريا أو حزب الله في لبنان.
وفي موازاة ذلك، لا يمكن تجاهل نشوء محور دولي جديد قوامه روسيا والصين وإيران، وفي ظل استراتيجية إدارة بايدن حيال حلفائه الخليجيين، فإن الخشية السعودية من غياب المظلة الأمنية الأميركية تدفعها لمواكبة تلك المتغيرات من خلال إعادة النظر في علاقاتها عامة، ومع دول المحور الجديد على وجه الخصوص، وربما هذا ما دفع بالرياض إلى عدم مواكبة الموقف الأميركي من روسيا حيال حربها على أوكرانيا، وكذلك سعيها إلى تمتين علاقاتها مع الصين من خلال إبرام عدة اتفاقيات اقتصادية، ربما وفّرت المناخ المناسب لأنْ ترعى بكين مصالحة سعودية-إيرانية في 10 آذار/مارس.
ما من شك أن الاستدارات الراهنة في السياسة السعودية إنما تنبثق من سعيها لمجاراة مصالحها الأمنية والاقتصادية بالدرجة الأولى، ولعل منطق المصالح الذي بات هو الناظم الأساسي للعلاقات بين الدول قد يؤدي إلى تغيّرات جديدة ، بل ربما تكون مباغتة للسوريين، ونعني بذلك انعطافه خليجية، بل سعودية على وجه التحديد باتجاه نظام الأسد، ليس لمصلحة مرجوة من نظام الأسد كنظام متهالك أشبه ب"جثة متفسخة"، ولكن باعتبار أن الطريق إلى إيران توجب المرور بدمشق، ولو على مستوى شكلي لا أكثر. ولئن استفزّت هذه الاستدارة مواجع السوريين وعزّزت لديهم الشعور بتنصل ما تبقى من الحلفاء العرب للثورة السورية، إلا أن هذا الشعور، وعلى الرغم من مشروعيته، فإنه لا يبدو كافياً لإقناع الحلفاء بالاحتفاظ بمواقفهم السابقة في ظل كل هذه المتغيرات الدولية.
من المؤكد أن الملف اليمني والحرب التي استنزفت الجانبين السعودي والإيراني لها الأولوية في على طاولة المفاوضات، ولكن من المؤكد أيضاً أن القضية السورية لم تكن ثانوية في تلك المفاوضات التي رعتها بكين، ولكنها ليست بعيدة عن نظر واشنطن التي تسعى الى التهدئة وإطفاء جميع الحرائق في المنطقة للتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها من الشرق الأوسط والمنطقة العربية التي لم تعُد تحظى باهتمام أميركي كبير.
لربما يكون تخوف السوريون من هذا التقارب نابع من مشاعر الخذلان وتخلي الشقيق والصديق عن قضيتهم التي يظنون أنها باتت في الأدراج المنسية للدول، واعتقادهم بانه سيتم مقايضتها على حساب قضية ميليشيا الحوثيين في اليمن، الا أن هذا التخوف لا يعكس حقيقة الاتفاق لأنه لا يمكن لحكومة المملكة أن تكون غافلة عن حقيقة نظام الملالي المخادع والذي من المستحيل أن يتخلى عن سياسته القائمة على أيديولوجيا توسعية تهدف للهيمنة على بلدان المنطقة بل واحتلالها إن استطاع، ومن غير الممكن تخليه عن أدواته التي يستخدمها لتنفيذ هذه الأجنداتـ والمتمثلة بميليشيا حزب الله ونظام الأسد والحوثيين والحشد الشعبي وفاطميون وزينبيون، وغيرهم من الأدوات التي يهيمن من خلالها على أربع عواصم عربية.
ما سبق يقودنا الى إمكانية ان يؤدي هذا التقارب إلى بعض التفاهمات في جميع الملفات الشائكة بين الجانبين حسب الأولويات، تقود إلى حلول توافقية في القضايا الخلافية بين البلدين، ومن المحتمل أن يتم ترحيل تلك القضايا الخلافية ومنها القضية السورية ومصير نظام الأسد إلى حين حصول توافق دولي وبرعاية دولية.
ما يأمله السوريون أن يدرك العرب وخاصة اللاهثين منهم للتطبع مع نظام الأسد بذريعة سحبه من الحضن الإيراني، أن العلاقة بين نظام الأسد ونظام الملالي في طهران علاقة عضوية ومن المستحيل فصلهما عن بعضهما البعض، وأن شوكة إيران وأذرعها ستبقى قوية طالما بقي الأسد في عاصمة الأمويين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|