رسالة مجلس المفتين ردّ على باسيل... وتحذير من تعطيل الحكومة والمؤسسات
توقف كثيرون عند البيان الذي صدر بعد اجتماع مجلس المفتين برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أول من أمس، بسبب ما حمله من رسائل جرى درسها واطلاقها بعناية عالية حيال الجهات المعنية.
وأراد أصحابه قطع الطريق على الذين يعملون على القفز فوق الدستور واستعماله في معاركهم ضد الآخرين لغايات خاصة في خضم المواجهات المفتوحة بين الافرقاء، والتي ادت الى تخريب المؤسسات واقترابها من حدود الشلل التام. ويأتي ذلك بعد عدم تمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية وانعكاس هذا الامر على مجلسي النواب والوزراء، في وقت لا يقدر الرئيس نجيب ميقاتي على تسيير شؤون حكومة تصريف الاعمال وعقد جلساتها إلا بـ "شقّ النفس" نتيجة الخلافات المفتوحة بينه وبين رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي لا يرى مبررا لعمل الرئاستين الثانية والثالثة سوى تفرّغ النواب لانتخاب رئيس للبلاد وحفظ موقع رئيس الجمهورية. واذا كانت هذه الغاية هي التي ينشد العونيون تحقيقها، فإن المعطيات المطروحة من طرف تكتل "لبنان القوي" وغيره من الكتل لا تؤشر الى اقتراب موعد حلول رئيس في قصر بعبدا وسط الانهيارات المتلاحقة.
وثمة فقرة وردت في نص بيان المفتين أخذت مساحة من الجدل عند اكثر من جهة وخارج الطائفة السنية. وجاء فيها "ان الطبيعة لا تعرف الفراغ، ولذلك يحذر المجلس من مبادرات هجينة لمحاولة ملئه من خارج الدستور ومن خارج دائرة الوفاق الوطني. فالفراغ في الرئاسة ظاهرة سلبية خطيرة، وأسوأ منها وأخطر، محاولة ملئه بمبادرة من خارج الدستور وعلى حساب الوفاق الوطني". ولذلك لم تمر هذه السطور مرور الكرام في اكثر من صالون مدني وعسكري. ويردّ المسؤول الاعلامي في دار الفتوى خلدون قواص على سؤال لـ "النهار" عن القصد من عبارة "مبادرات هجينة" بالقول ان قائد الجيش العماد جوزف عون "ليس مقصودا أو غيره او اي اسم من الاسماء. وننفي نفياً قاطعاً هذا الامر". ويضيف ان "المُراد بذلك هو عدم تجاوز الدستور وتقويل ما لم يقله كما فعل احد الرؤساء السابقين في هذا الاطار. ويشار هنا الى مسألة اساسية هي ان المواقف الصادرة عن دار الفتوى والمجلس الشرعي الاسلامي الاعلى ومجلس المفتين وبياناتها تؤكد دائما الالتزام بالدستور واتفاق الطائف".
وكان من الملاحظ ان بيان المفتين قد سلّط الضوء على مسائل تشغل البيئات السنية في البلد وجهات اخرى طائفية وسياسية، لكن ما جرى طرحه اخيراً استدعى كل هذا التوقف والمتابعة، ولا سيما انه يصدر عن اعلى مرجعية دينية في الطائفة. وسبق للمجلس الشرعي ان تناول هذا الامر في بيانات سابقة حذّر فيها من خطورة انتهاك الدستور والالتفاف على مندرجاته. وثمة رسالة ايضاً عمل مجلس المفتين على تبيانها وضرورة تحمّل الجميع مسؤولياتهم هي ضرورة الحفاظ على الدستور وعدم التعاطي مع كل التفسيرات غير المطابقة له واستسهال استباحته او السير وفق آليات تؤدي الى مزيد من الانهيارات وشلل المؤسسات من اجل تحقيق مطامع شخصية من خلال التضييق على عمل الحكومة وجلساتها وعدم تعطيلها، فضلاً عن مجلس النواب، مع التأكيد في الوقت نفسه على الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية والخشية من الاستمرار في الفراغ الرئاسي ودفع مزيد من الاثمان الاقتصادية والاجتماعية. واذا ما طال هذا الامر فلا يعني ان الرد يكون بتعطيل مجلسي النواب والوزراء، وان دار الفتوى ستقف بالمرصاد لكل الحملات تحت عنوان الصلاحيات التي تستهدف موقع رئاسة الحكومة التي تخص كل اللبنانيين.
ويبقى اكثر ما يقلق المكوّن السني في الآونة الاخيرة هو صدور اصوات تدعو الى التقسيم ولو تحت عنوان الفيديرالية، ولا سيما عندما يطل سياسيون وأكاديميون واساتذة جامعات على المنابر والشاشات وهم يقدمون خرائط ملونة تخصص لكل كانتون لونه ورايته. وما لم يذكره بيان المفتين في شكل مباشر كان مصوّباً نحو الرئيس ميشال عون واطلاق السهام نحو مرمى باسيل مع توجيه رسالة سنية الى كل من يهمة الامر مفادها: "التحذير من العودة الى اسطوانة فدرلة البلد وإحداث تقسيمات للمحافظات والاقضية بحيث سيكون المسيحيون اول المتضررين من هذه الطروحات"، بحسب سياسيين ومراقبين حياديين من سائر الطوائف.
وكانت جهات وفاعليات سنّية قد وصلت اليها معلومات عبر قنوات ديبلوماسية تفيد بان باسيل ينشط على خط الصداقات والعلاقات التي نسجها مع احزاب يمينية في بلدان اوروبية، وبين المسؤولين عنها مَن هم في موقع صنّاع القرار، وان المطلوب اعادة النظر في صلاحيات الرؤساء الثلاثة على اساس ان رئيس الجمهورية هو الأضعف بينهم، في رأي باسيل، إذ ان الامور تخطت الحديث عن المناصفة وهو لا يقول بتعديل الطائف بل يدخل على هذا الامر من زاوية تعزير صلاحيات رئيس الجمهورية واستعادة ما خسره بعد الطائف.
ومن هنا يظهر ان رسائل دار الفتوى بجناحيها الديني والمدني تريد قرع جرس الانذار لكل الطامحين بتغيير الدستور واتفاق الطائف بعدم المغامرة وسط الحرائق في لبنان والاقليم، والتي كانت في صلب الاتفاق السعودي - الايراني الذي كان محل ترحيب عند مجلس المفتين، ليوظّف هذا الحدث في بناء علاقات اخوية وهادفة تقوم على تبادل الاحترام والتعاون.
"النهار"- رضوان عقيل
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|