هل تريد سوريا العودة إلى لبنان... وهل تستطيع؟
يتردّد كثيراً على لسان زوّار لبنانيين لسوريا لهم علاقات مُزمنة مع قياداتها المتنوّعة أنها لم تغيّر نظرتها التي وُصفت يوماً بالاستراتيجية الى بلادهم. فهي لا تزال تحنّ الى أيامها فيه، وإلى الدور المهيمن الذي كان لها فيه سواء في أثناء حروبه الأهلية وغير الأهلية أو في مرحلة ما بعد "اتفاق الطائف" الذي كلّفتها في حينه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وعدد من الجهات العربية والدولية معاً مساعدة اللبنانيين على تنفيذه. ربما ازداد حنينها المُشار إليه بعد توقّف المعارك العسكرية فيها ونجاحها في استعادة جزء كبير من أراضيها باستثناء المنطقة الواقعة تحت سيطرة تركيا في الشمال والأخرى الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة في شرق الفرات وهي غنية نفطاً وزراعة.
طبعاً لا يشعر الذين عادتهم سوريا وعادوها وتحاربوا معها في لبنان البعض بالسلاح والبعض الآخر بالسياسة بارتياح كبير الى هذا الحنين. لكنهم في الوقت نفسه لا يشعرون بالخوف الشديد من هذا الموضوع لاعتبارات عدة معظمها موضوعي. الأول محلي لبناني وهو أن الشعور المعادي لسوريا الأسد تحديداً وليس لسوريا في المطلق لا يزال قوياً عند غالبية الجهات السياسية والحزبية المسيحية باستثناء فريق واحد تحاول هذه الأخيرة تدفيعه ثمن تحالفه معها بمنع انتخاب زعيمه رئيساً للجمهورية. الشعور نفسه لا يزال قوياً عند غالبية السنّة "شعباً" وقيادات سياسية وحزبية. وشعور المحبّة والاحترام والولاء والعمل المشترك مع سوريا عند فريق شيعي كبير معروف من دون الحاجة الى ذكر اسمه ظاهراً منذ سنوات طويلة وتحديداً منذ بدأت "الحرب الكونية" على سوريا كما يسمّيها حلفاؤها في لبنان والمنطقة، إذ غابت الاتصالات المباشرة بين القيادات العليا للفريقين والزيارات كما امتنع الفريق اللبناني المقصود عن التطوّع للمشاركة عسكرياً في الحرب المذكورة. واكتفى بالتأييد السياسي والإعلامي لها وبتقدير اشتراك شريكه في الزعامة الشيعية في الحرب نفسها وبتحقيقه إنجازات حاسمة فيها.
أما عند الدروز فالشعور نفسه ساد قاعدتهم الشعبية والزعامة الأبرز فيهم لأسباب معروفة. لا يشعر هؤلاء اللبنانيون على تنوّعهم بالخوف من العودة السورية لأسباب أخرى أولها عدم انتهاء الحرب السورية رغم الضمور الشديد للجانب العسكري منها. ثانيها الوجود العسكري الواسع لدولتين حليفتين لها على أرضها هما روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وإدراك النظام السوري أن نهايته كانت محتومة لولاهما كما لولا الفريق اللبناني الذي أسّسته الثانية وصار "درّة تاجها" في الإقليم بعد "إنجازاته" الكثيرة، وأهمّها تحرير أراضي بلاده أي لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، وإدراكه أيضاً أنه سيبقى في حاجة إليهما عندما يتم الانتقال أو يبدأ من مرحلة الانتهاء العملي للحرب الى مرحلة إعادة بناء نظام سياسي يقبله السوريون كلهم، ويفتح الباب أمام عودة النازحين السوريين من بلادهم لأسباب متنوّعة إليها، وإدراكه ثالثاً أن مرحلة إعادة بناء وإعمار ما دمّرته الحرب السورية يجب أن تلي التفاهم السياسي الداخلي الصعب أساساً والمباركة الدولية له الأكثر صعوبة أيضاً، وإدراكه رابعاً أن ذلك يحتاج الى ما بين 200 و300 مليار دولار لا تبدو متوافرة حالياً، كما لا يبدو أن هناك موافقة على إنفاقها عند الدول العربية البالغة الثراء وعند كبار المجتمع الدولي أولاً من جرّاء عدم تحقيق تقدّم على صعيد تحقيق المصالحة الوطنية وبناء نظام سياسي مقبول من أطياف الشعب السوري، وثانياً من جرّاء انشغال العالم بحرب أوكرانيا الباهظة الكلفة والتي وضعت العالم كله على شفير حرب عالمية ثالثة مدمّرة ولا تزال.
إضافة الى ذلك كله يؤكد حلفاء لسوريا في لبنان من ذوي المقدرة والهمّة أن الرئيس #بشار الأسد يعرف كل المشروح أعلاه، ويعرف أن ظروف استعادة وجود متنوّع في لبنان لم تعد متوافرة لا سورياً ولا لبنانياً ولا إقليمياً. لكنه يعرف في الوقت نفسه أن الأقوياء حالياً في لبنان وهم حليفه الاستراتيجي الأول "حزب الله" وحليفه "السابق" المستمر في الدفاع عن سوريا بالموقف السياسي وعن اشتراك الأول في مواجهة الحرب فيها وعليها أي "حركة أمل" لن يقبلا وضعاً لبنانياً معادياً لها أو ربما دولةً ونظاماً جديدين له معاديين لها بعد زوالهما الفعلي والعملي. هذا فضلاً عن أن المجتمع العربي وإن بدا أنه يهيّئ الظروف للعودة الى سوريا والانفتاح عليها بعد طول مقاطعة وجفاء وعداء لا يقبل عودة لبنان إليها أو عودتها إليه وإعادته الى حاله السابقة التي كانت أحد أبرز أسباب انهياره وفشل إعادة بنائه وضرب اتفاق الطائف العربي بعد تحويله طائفاً سورياً. علماً بأن الحليف الأول والأكبر لسوريا في لبنان الذي ضحّى بمئات بل بألوف من شبابه للمحافظة على نظام الأسد فيها يؤكد أن لبنان لن يكون عدوّاً لها وخنجراً يطعنها في الظهر وأنه يعرف أنها لا تسعى للعودة إليه الآن على الأقل في الظروف الصعبة المشروحة أعلاه، هذا فضلاً عن أنه بلغ الرئيس السوري وربما مع إيران الإسلامية أنه وحلفاءه اللبنانيين وحتى غير الحلفاء سيؤمّنون مصالح بلاده في لبنان وسيمنعون تحوّله قاعدة معادية لسوريا وجاهزة لـ"الحركشة" فيها دائماً كما في السابق. وهو أي "الحزب" متأكد من أن الأسد رحّب بذلك ووافق عليه.
في النهاية لا بد من الإشارة الى أن المنطقة العربية تمر الآن في مخاض إقليمي ودولي وداخلي مهم وصعب أيضاً وإذا خرجت منه بسلام يمكن الشعور بشيء من التفاؤل حيال مستقبل دولها ولا سيما التي منها متعثّرة وهي غير قليلة.
"النهار"- سركيس نعوم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|