القطبة المخفية بين إضراب المصارف و صيرفة! و لماذا "فكت" إضرابها؟
بأسرع من المتوقع طار سعر صرف الدولار دراماتيكيا في السوق السوداء مسجلا رقما قياسيا جديدا، وبالسرعة نفسها انخفض، دون ان يعرف احد سبب الارتفاع والانخفاض، في بلد لا احد يعرف من يحدد سعر الصرف، ولا الكمية الحقيقية للعمليات المالية اليومية، بعدما فشلت كل اجراءات المصرف المركزي في كبح سعر الدولار، من صيرفة التي باتت لزوم ما لا يلزم، وصولا الى التدخلات التي ما عادت "جايبة همها".
واقع معيشي واقتصادي دفع بالشارع الى التحرك، من قطع طرقات الى مطالبات بالعصيان المدني، وسط دعوات للاضراب، ما دفع الى الاعتقاد ان الثورة بنسختها الثانية باتت على الابواب، قبل ان ينقلب المشهد فجأة ، تزامنا مع اعلان المعنيين عن اول ايام شهر رمضان، لتكر سبحة البيانات التي تراجع فيها الداعون للاحتجاجات عن دعواتهم، والاهم اعلان "جمعية المصارف" تعليق اضرابها، الذي تضاربت الآراء حوله.
خطوة اتت كتفويت الفرصة على خطة جهنمية ومبرمجة تسعى من ورائها جهات باتت معلومة الهوية ، هدفها تحميل إضراب المصارف مسؤولية تدهور سعر صرف العملة الوطنية، خصوصاً أن الجهات التي تحمي وتدعم الصرافين والمؤسسات التي تقوم بأعمال المضاربة غير الشرعية، هي المسؤولة عن هذا الارتفاع الدراماتيكي، وفقا لأوساط مصرفيّة.
وفي هذا الاطار، تحدثت مصادر متابعة عن ان خطوة المصارف جاءت في السياق العادي الذي يسبق نهاية كل شهر، نافية حصول اي تطور على صعيد مطالبها في ظل انسداد افق كل المخارج للازمة المصرفية-القضائية، مشيرة الى ان التفاوض الجاري بين بعض مؤسسات الدولة وحاكمية مصرف لبنان في ما خص سعر صيرفة الذي سيعتمد بالنسبة لرواتب القطاع العام، ما زال مستمرا دون احراز اي تقدم، حيث ثمة من يرى ان لا مهرب من اعتماد سعر خاص لصيرفة لا يتخطى الخمسين الفا للدولار الواحد لرواتب القطاع العام، كبديل عن اي اضافات تبدو المالية العامة عاجزة عن دعمها راهنا.
وتابعت المصادر ان استثناء بعض القطاعات في هذا الخصوص لن يكون ممكنا، لان ذلك سيؤدي الى حالة من الفوضى، فاما يطبق السعر الجديد بالنسبة لكل موظفي القطاع العام، واما لا يطبق، خوفا مما قد يترتب عن اي خطوة ناقصة من اشكاليات وحركات احتجاج.
في كل الاحوال، تقول المصادر ان الاجراءات الاخيرة التي أعلن عنها مصرف لبنان، هي حلول "موقتة" ومرحلية لعدة اسباب، اهمها ان الحاكم بدأ يعد العدة للخروج من منصبه، وبالتالي لن يكون بالامكان اتخاذ خطوات على المدى البعيد تلزم الخلف، فرياض سلامة في موقع لا يحسد عليه، حيث لا يستطيع ترك الساحة في هذه الفوضى، وهو يتمتّع بتجربة كبيرة من التدخّل وتنظيم سوق القطع من جهة، كما أن إمكاناته الحالية أصبحت بسيطة جداً من جهة اخرى.
وختمت المصادر انه في ظل تقارير خارجية واردة تتحدث عن تحويلات مالية لبعض النافذين من لبنان الى الخارج، وحجم تدخل مصرف لبنان في سوق القطع، فان الامور لا تبشر بالخير في حال لم يتم التوصل الى تسوية سياسية سريعة تريح الشارع معنويا وتعطي بعضا من الثقة، الى حين انجاز الخطوات المطلوبة في طريق تطبيق خطة الاصلاح الاقتصادي التي ستترافق حتما مع اجراءات مؤلمة.
ميشال نصر- الديار
خلال أيام قليلة كشفت المصارف لعبتها من خلال الضغط الذي قامت به في سوق الصرف بواسطة عدد من الصرافين الذين رفعوا الطلب على الدولار بصورة مفاجئة وبكميات ضخمة، ما أدى إلى الارتفاع السريع والكبير في سعر الصرف. وهنا أعلن حاكم مصرف لبنان رفع سعر صيرفة وفتح الباب لبيع الدولار بهذا السعر أمام المصارف التي كانت أبلغت أن أحد أسباب الإضراب الذي لجأت إلى تجديده يعود لتمسكها بالنشاط الذي توفره لها منصة صيرفة باباً وحيداً للربح بعد تعطل الأوجه الأخرى للنشاط المصرفي.
بين مصرف لبنان والمصارف قطبة مخفية بدأت منذ سياسة الفوائد المرتفعة التي ضخت بواسطتها المصارف كل الودائع الى مصرف لبنان خلافاً لكل قواعد العمل المصرفي الآمن، وخلافاً لموجب الأمانة الذي يلزمها بعدم المخاطرة بالودائع في استثمارات أو ديون لدى جهة واحدة، ومعلوم سلفاً درجة مخاطرها العالية. وكان مصرف لبنان يضخ هذه الأموال لتثبيت سعر الصرف في لعبة جهنمية بدأت المؤشرات الانفجارية ترافقها، وبدلاً من أن يوقفها تدريجياً قرر المضي بالمقامرة عبر الهندسات المالية التي وفرت أرباحاً خيالية للمصارف خارج أي مفهوم للاستثمار، ولم تحقق الاستقرار النقدي لأبعد من شهور قليلة قبل بدء الانهيار.
عند الانهيار استمرت لعبة المصرف المركزي والمصارف من خلال كذبة الدعم، التي كانت عملية وهمية لتشغيل المصارف بشراء الدولار بسعر منخفض هو الـ 1500 ليرة للدولار، لتمويل الاستيراد لكل السلع، والبدء بالانسحاب منها تدريجياً، وحققت المصارف إضافة للأرباح الخيالية من هذه العملية، تأمين منفذ لتحويل الأموال إلى الخارج تحت مسمّى الاستيراد.
تجسدت اللعبة المشتركة للمصرف المركزي والمصارف عبر اعتماد سعر إجرامي بحق المودعين أجبروا على سحب ودائعهم على أساسه، وقد خسروا عبره أكثر من نصف قيمة ودائعهم. وعبر هذه الطريقة قدّم مصرف لبنان للمصارف طريقاً لتصفية الودائع بالدولار عبر سحبها بالليرات اللبنانية على أساس ما دون نصف السعر في السوق السوداء، والسعر اليوم مثلاً هو 15 ألف ليرة بينما الدولار يحلّق فوق المئة ألف ليرة.
منصة صيرفة كانت مسرح الربح الجديد للمصارف لشراء وبيع الدولار، يتم شراؤه من مصرف لبنان بأقل 20% من سعر السوق السوداء ويباع في السوق السوداء عبر شبكة صرافين معتمدين بالسعر الرائج وتحقيق أرباح عالية بينما البلد ينزف، والمصرف المركزي يشتري دولارات التحويلات الاغترابية بسعر السوق ويبيعها للمصارف بأقل من هذا السعر، مغطياً الفارق بأوراق نقدية لبنانية تمّت طباعتها بلا أي حساب لتأثيرها على سعر الصرف ارتفاعاً من محطة الى محطة.
عادت المصارف الى الاستفادة من أرباح صيرفة فعلقت الإضراب، ولا علاقة بشهر رمضان ولا بأسباب أخرى بالموضوع.
لعبة المصرف المركزي والمصارف على حساب الليرة وعلى حساب المودعين وعلى حساب البلد، وليس هناك من يوقفها!.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|