الصحافة

حربٌ روسيّة أميركيّة فوق الفرات؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قال قائد القوّات الجوّية في القيادة المركزيّة الأميركيّة أليكسوس غرينكويتش إنّ "الطائرات الروسيّة انتهكت المجال الجوّيّ لقاعدة التنف الأميركية في سورية 25 مرّة منذ بداية الشهر الحالي، مقابل صفر انتهاكات في شهر شباط الماضي".

إذاً لم يعُد سرّاً أنّ ما يحصل بين شرق الفرات وغربه، وفي مناطق دير الزور، والحسكة، والبادية، وعند الحدود السوريّة العراقيّة الأردنيّة، بات مُرتبطاً عضويّاً بالحرب المُشتعلة بين روسيا والغرب الأطلسيّ في أوكرانيا والتي تُنذر بتوسّع رقعتها وباحتمال انزلاقها إلى حربٍ كونيّة ثالثة.

من هذه الزاوية بالضبط يُمكن النظر إلى إغارة الطائرات الأميركيّة على مواقعَ تابعةٍ للمحور الذي تقوده إيران في شرق دير الزور، ردّاً على مقتلِ عسكريّ أميركيّ مُتعاقد مع القوات الأميركيّة بطائرةٍ مُسيّرة إيرانيّة، وفق الاتّهامات الأميركية، وهو ما استدعى ردّاً عسكريّاً صاروخيّاً من قِبَل المحور والجيش السوري على "معظم مواقع الاحتلال الأميركيّ عند الضفّة الشرقيّة للفرات"، حسبما ذكر مصدرٌ سوريٌّ، مُشيراً إلى أنّ هذا الاشتباك هو "الأوسع والأخطر منذ تحرير البادية السوريّة في عام 2017". وثمّة معلومات أمنيّة عن سقوط عددٍ من القتلى رُبّما أكثر بأربع أو خمس مرّات ممّا أعلنه الجانبان.

ما حصل بين ضفّتي الفرات يطرح مجموعةً من الأسئلة عن التوقيت والأهداف والمآلات، خصوصاً أنّه يُشكّل خرقاً خطيراً لاتفاق الولايات المتحدة الأميركية وروسيا القائم منذ عام 2019، والقاضي بوضع خريطةٍ دقيقة لعمليات تحليق طائرات الدولتين في الأجواء السورية درءاً للمواجهة، وأيضاً لنوعية السلاح والصواريخ والقنابل التي تحملها هذه الطائرات.

ماذا عن التوقيت بدايةً؟

- أوّلاً، يأتي الاشتباك هذا فوق الأراضي السوريّة، بعد زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد لموسكو، وفي أعقاب رفع الدول الأطلسية مستوى تسليحها لأوكرانيا.

- ثانيّاً، هذا أوّل اشتباكٍ خطير بعد رفضِ مجلس النوّاب الأميركيّ مشروعَ قرارٍ تقدّم به النائب الجمهوري مات جايتز، يُلزم الرئيس الأميركي، جو بايدن، سحبَ القوّات الأميركيّة من سوريا في موعد لا يتجاوز 15 يوماً. رفض البرلمان الأميركيّ القرار بأغلبية 321 صوتاً مقابل تأييد 103 أصوات.

- ثالثاً، وقع الاشتباك الخطيرُ هذا بين القوّات الأميركيّة وحلفائها من جهة، والقوّات المدعومة من إيران والجيش السوريّ من جهةٍ ثانية، في أعقاب اتّفاقاتٍ ومشاوراتٍ مُكثّفة بين قيادتَيْ طهران وموسكو، وفي ظلّ تنامي الاستياء الأميركيّ من عودة العلاقات العربيّة مع دمشق. وفي هذا الصدد، طالب السيناتور الجمهوريّ في مجلس النواب فرنش هيل إدارة جو بايدن ببعث رسائلَ "أكثر حزماً" إلى الدول العربيّة تتعلّق "بتطبيعها مع الإرهابي بشّار الأسد"، على حدّ قوله. وأضافَ السيناتور في جلسةِ مساءلةٍ في الكونغرس لوزير الخارجية أنتوني بلينكن أنّ "استمرارَ مسارِ التطبيع العربيّ مع النظام السوري يدفع إلى الاعتقاد بأنَّ الإدارة الأميركيّة تُرسل إشارات خاطئة".

- رابعاً، تفاقَم الوضع العسكريّ في تلك المناطق الحدوديّة السورية التي تُشكّل مناطقَ تماس بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، والقوّات الأميركيّة والمقاتلين الكُرد المسيطرين على منطقة واسعة وغنيّة بالثروات الزراعيّة والنفطيّة من جهة ثانية، في أعقاب الاتفاق الشهير بين السعوديّة وإيران برعاية صينيّة، وبعد التقارب المتنامي بين الدول العربيّة وتركيا، والمساعي التي تبذلها موسكو لجمع الرئيسين التركي والسوري، وهو ما يدفع القيادتين الإيرانيّة والسورية إلى التحرّك بمناخٍ أقلّ عبئاً من السابق في سياق السيطرة على ما بقي من أراضٍ سوريّة مُحتلّة أو في قبضة "قوّات سورية الديمقراطيّة" (قسد).

صحيح أنّ قائد القوات الجوّيّة الأميركية في القيادة المركزيّة يستبعد أن يكون لدى روسيا "أيُّ حافزٍ لاستخدام الأسلحة ضدّ الجيش الأميركيّ في سورية"، لكنَّ الصحيح أيضاً أنَّ كلّ شيء يوحي منذ فترة غيرِ قصيرة، وخصوصاً في خلال الأشهر القليلة الماضية، أنّ الاحتكاكات بين القوّات الأميركيّة وخصومها في المنطقة تزداد على وقع الحرب الأوكرانيّة، فغرينكويتش نفسه ذكّر بما حصل قبل نحو 10 أيام من احتكاك بين مقاتلتَيْن روسيّتين من طراز "سوخوي 27" وطائرة أميركيّة من دون طيّار فوق البحر الأسود، حيث أُسقطت الطائرةُ الأميركية بعد إلقاء المقاتلتين الروسيّتين الوقود عليها واصطدام إحداهما بها.

 الجديد في الأمر هو أنّ الروس أبلغوا نظراءهم الأميركيين في سوريا أخيراً بأنّهم ما عادوا يعترفون بكلّ المجال الجوّي الأميركيّ فوق منطقة "التنف"، وهو ما تأكّد فعلاً من خلال التصريحات الأميركيّة المتتالية منذ أسبوعين، ففيما قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في منتصف الشهر الجاري إنَّ بلاده "تشهدُ تطوّراً عدوانيّاً وكبير المخاطر" من قبل الطيّارين الروس في الأجواء الدوليّة، أكّد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل إريك كوريلا في اليوم التالي أنَّ "الطائرات الروسية حلّقت فوق قواعد أميركية في سورية، في محاولةٍ منها للاستفزاز ولإعادة التفاوض بشأن قواعد الاشتباك التي يخرقونها كلّ يوم". وهذا ما يدفع القيادة الأميركية إلى "تحليل أنماط السلوك الروسيّ لتحديد الخطوة التالية"، وفق تعبير رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركيّة مارك ميلي.

 يُشار إلى أنَّ منطقة الاشتباك السوريّة هذه تُعتبر الأغنى من حيث الثروتين الزراعية والنفطيّة، وتنتشر فيها قواعد أميركية تضمّ نحو 900 جندي ومتعاقد أجنبي. وقد شهدت قاعدة التنف الواقعة عند المنطقة الحدوديّة بين سورية والعراق والأردن في منتصف حزيران الماضي هجوماً صاروخيّاً بطائرات روسيّة، اعتُبر بمنزلةِ إنذار فحسب، وذلك أنّ القوّات الروسيّة كانت قد أخطرت نظيرتَها الأميركيّة بالهجوم لعدم سقوط ضحايا.

 إذاً من الواضح أنَّ الوضع يتوتّر بسرعة عند هذه الجبهة المُشتعلة فوق الأراضي السوريّة بين المحورَين، كُلّما تصاعدت حدّةُ الحرب في أوكرانيا، أو حين تُعلن الدول الأطلسيّة رفع مستوى ونوعية الأسلحة للجيش الأوكراني.

جديرٌ بالذكر أنّ محافظة دير الزور الواقعة تحت سيطرة "قسد" بدعمٍ من الجيش الأميركيّ تضمّ ثلاثة حقول نفطيّة، أبرزها حقل "العمر" الذي يُعتبر الأكبر في سوريا، وحقلا "التنك" و"جفرا"، إضافة إلى حقل "كونيكو" للغاز، بينما يُسيطر الجيش السوري وحلفاؤه على الحقول الواقعة غرب الفرات، وأبرزها حقول "الشولة" و"النيشان" و"الورد" و"التيم".

من المهمّ التذكير أيضاً بأنّ المناطق الحدوديّة، وخصوصاً بين العراق وسورية، تُعتبر استراتيجيّة على المستويَين العسكري والاقتصاديّ، وغالباً ما تتعرّض لهجمات مُعلنةٍ أو بعيدةٍ عن الأضواء من قبل القوات الأميركيّة أو الجيش الإسرائيلي بهدف قطع الطريق على إمدادات الصواريخ لحزب الله.

بناءً على كلّ ما تقدّم، يُطرح السؤال التالي: هل الأطراف الثلاثة، روسيا وإيران وسوريا، بصدد تغيير قواعد اللُعبة والإفادة من مناخ الصراع الدوليّ والمصالحات الإقليميّة، وربّما بغضّ طرفٍ تُركيّ، للتضييق على القوات الأميركيّة المُحتلّة والموزّعة على قواعد عسكريّة شرق سوريا وفي محيط آبار النفط، وخصوصاً في مناطق دير الزور والحسكة، أم هي تستعدّ للبدء بحربِ إخراجِها من المنطقة؟

حتّى الساعة ما تزال الأمور في إطار الخطوط الحُمر المرسومة بدقّة، وأمّا إذا كان القرار المركزيّ عند المحور المواجه للولايات المتحدة قد اتُّخذ لكسر تلك الخطوط واجتيازِها، فهذا يعني فتحَ بؤرة نارٍ جديدة وخطيرة في الصراع الروسي الأطلسي فوق الفُرات، من ضمن لعبةِ الحربِ المُشتعلة في أوكرانيا، التي لا يعرفُ غيرُ الله كيف ستنتهي، خصوصاً بعد إدخال أسلحةٍ أطلسية متطوّرة.

وقد كان لافتاً في اليومين الماضيَين تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالردّ على لندن في حال سلّمت أوكرانيا ذخائر تحوي اليورانيوم المستنفَد، قائلاً إنَّ الغرب "بدأ يستخدم أسلحةً ذاتَ مكوّنات نووية ويريد القتال حتّى آخر جندي أوكرانيّ"، فيما اعتبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أنَّ "روسيا لديها الوسائل للردّ وسنرى ما يعتزمون استخدامه".

بعدَ كلّ هذا، وبعد فشل الاتفاق النووي الإيرانيّ مع الدول الخمس، هل ثمّةَ أدنى شكّ في أنّ ما يحصل فوق الفرات وعلى الأراضي السوريّة ليس من قبيل الصُدفة؟

سامي كليب- أساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا