الرئاسة عالقة... وباريس تبحث عن أفكار من "خارج العلبة"
يكتفي أحد المواكبين لزيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربارة ليف، بالركون إلى حجم الوفد المرافق لها في جولتها اللبنانية، للإشارة إلى أنّ هذا العدد من المرافقين الدبلوماسيين الذين شاركوها جلساتها مع الشخصيات اللبنانية التي التقتها، يؤشر إلى أنّ المسؤولة الأميركية لا تحمل كلمة سرّ أو أي قطبة مخفية وليست بصدد الإبلاغ عن توجّه معين لإدارتها. لا بل كانت ليف في كثير من محطاتها اللبنانية مستمعة أكثر من متحدثة، وحين نطقت أعادت تكرار قواعد بلادها من الملف اللبناني والتي تبدأ بصندوق النقد الدولي وتنتهي بالإصلاحات. وبينهما لم تتوان عن السؤال عن بعض الأسماء المرشحة والحيثيات التي تدفع القوى السياسية إلى تأييد هذا وذاك... من دون أن تسحب ورقة الفيتو بوجه أي مرشح، ما رأى فيه البعض تمريرة غير مباشرة لاحتمال قبول بلادها بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. أقله بالشكل، لأنه في العمق المقاربة مختلفة.
والأرجح أنّ سياق الجولة التي تقوم بها ليف في المنطقة والتي قادتها إلى لبنان، هو الذي صبغ الزيارة بمزيد من الأهمية، لكونها تأتي في أعقاب اللقاء الفرنسي- السعودي والذي استتبع باتصال بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبعد أكثر من أسبوعين على الاتفاق السعودي- الإيراني والذي يفترض أنّه يعبر أولى محطاته الاختبارية.
بالتوازي، كان السفير السعودي في لبنان وليد البخاري يؤكد أمام من يلتقيهم من مسؤولين لبنانيين أنّ بلاده لا تزال على ضفّة رفض المعادلات التي تقترحها الإدارة الفرنسية والتي تقوم بشكل أساس على قاعدة المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة فيما توسّع النقاش ليشمل بعض الضمانات التي قد تجعل من الرياض مطمئنة لأي تسوية أو اتفاق يأتي برئيس للجمهورية، والمقصود هنا بشكل خاص سليمان فرنجية. ولكن حتى الآن لا تزال السعودية في مربعها الأول، الرافض. وهذا ما جرى إبلاغه بشكل صريح وواضح. فهل هو شيء من التمايز بين واشنطن والرياض؟
وفق المطلعين على موقف الإدارة الأميركية، فإنّ التنسيق بين باريس وواشنطن لا لبس فيه، وإلى الآن تترك الإدارة الأميركية لباريس أن تلعب دورها على أكمل وجه، ولو أنّ بعض المسؤولين الأميركيين لا يترددون في تسجيل تحفظهم على مقاربة الفرنسيين للملف اللبناني الذين يبالغون في تقديراتهم وفي معالجاتهم بشكل قد يطيح بالنتائج المرجوة.
فالعلاقة بين واشنطن وباريس في ما خصّ الملف اللبناني أكثر من جيدة، حيث تترك الإدارة الأميركية للفرنسيين حياكة توافق اقليمي يسمح بإخراج لبنان من عزلته أولاً ومن انهياره ثانياً، من خلال سلوك درب الإصلاحات التي لا بدّ منها. إلا أنّ الأميركيين هم الذين دفعوا باتجاه اشراك السعودية في الملف اللبناني ليس فقط من باب تقديم المساعدات المالية ولكن من باب تكريس عودتها الكاملة إلى الملف اللبناني، وفق قاعدة ارساء توازن سياسي لا بدّ منه في المرحلة المقبلة.
ويقول المطلعون إنّ الأميركيين لا يزالون على ضفّة النأي بالنفس عن تفاصيل الاستحقاق اللبناني، سواء في ما خصّ الأسماء أو التركيبات، لكنهم في المقابل بدوا مرتاحين لموقف الرياض الرافض لقاعدة المقايضة التي تطرحها باريس والتي قد لا تخدم الأهداف التي تضعها الإدارة الأميركية للملف اللبناني. والأرجح أنّ التشدد السعودي، بتأييد أميركي، قد فرمل الاندفاعة الفرنسية القائمة على منطق المقايضة.
ولهذا يقول مواكبون للحراك الفرنسي إنّ باريس تعيد النظر بطروحاتها الرئاسية من دون أن يعني أنّها أحالت ترشيح سليمان فرنجية إلى التقاعد لكنّ ممانعة السعودية يدفعها إلى التفكير من «خارج العلبة»، في محاولة لتطريز طروحات جديدة لعلها تلقى آذاناً صاغية أو تأييداً من شأنها أن تخرق الجمود.
وفي التفصيل يتبيّن وفق المواكبين للحراك الفرنسي أنّ المسؤولين الفرنسيين ليسوا مرتاحين لإصرار الرياض على سياسة رفض العروض التي تمّ وضعها أمامهم، كذلك لم يهضموا التشدد الأميركي الموازي للموقف السعودي، ولو أنّ الأميركيين لا يعلنون بالمباشر هذا الموقف لكنهم بالنتيجة يؤيدون ردّ فعل الرياض، لحسابات تخصهم... حتى أنّه ينقل عن الفرنسيين عتبهم على «حزب الله» كونهم يعتبرون أنّه لا يقابل الانفتاح الذي تنتهجه باريس تجاهه، بمزيد من الايجابية.
بالنتيجة، سيقبع الاستحقاق الرئاسي في ثلاجة الانتظار، فيما تراهن قوى الثامن من آذار على الوقت علّه يساعدها على اسقاط الجوّ التفاهمي الذي يسود بين السعودية وايران على الملف اللبناني من خلال تأمين وصول فرنجية إلى القصر، فيما يراهن خصومها على تمسّك السعودية بموقفها الرافض لقاعدة وصول رئيس قريب من «حزب الله» إلى السدّة الأولى، فلا تكون الرئاسة «ضحية» التفاهم الاقليمي.
وبين الفريقين، يتصرف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» بمنطق المتأكد أنّ الخيار الثالث وحده قادر على تأمين قارب الانقاذ خصوصاً وأنّ كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ السعودية لن تعود إلى الملف اللبناني إلا وفق شروطها. وحتى الآن، لا يتضمن جدول أعمال شروطها، السماح بوصول رئيس يمثل فريقاً دون آخر، لتكون الغلبة لقاعدة الشراكة التي تبدأ من رأس الهرم ونزولاً.
كلير شكر - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|