التعقل هو المخرج في الإستحقاقات القادمة
قليلون هم السياسيون الذين يعتبرون السياسة في لبنان هي فن الممكن، والبعض منهم يعتبر الممارسة السياسية وكأنها قطار يسير على سكة ذو وجهة واحدة، بينما في الواقع هنالك عدة مفارق تحتم النظر بتجرد إلى الواقع الذي تعيشه الأوطان.
عندما نادى المعلم الشهيد كمال جنبلاط بإلغاء الطائفية في النفوس قبل النصوص كان يدرك تماما الواقع اللبناني بحذافيره، مع العلم أنه في تلك الفترة كان هنالك جبهتين في لبنان، جبهة اليسار وجبهة اليمينن قبل أن تدخل الساحة اللبنانية في الصراعات المذهبية بعد إغتيال كمال جنبلاط وبزوغ فجر التنظيمات ذو البعد المذهبي على حساب الحركة الوطنية اللبنانية.
وها نحن اليوم وعلى مشارف إنتهاء العهد العوني المدعوم بشكل أساسي من حزب الله قد دخلنا عمليا في الإستحقاق الإنتخابي، وهنالك فرق كبير بين زخم العهد في بدايته ونهايته، وهذا دليل واضح أنه وبالرغم من تغلغل حزب الله في كافة مفاصل الدولة اللبنانية لم يستطع إنجاح العهد، ولم يستطع تجنيب لبنان الأزمات التي ضربته بشتى أنواعها. وبالتالي أصبح لزاما إحداث ثغرة في الجدار للوصول إلى تفاهم ما وليس تسوية بالمفهوم اللبناني من أجل إعطاء جرعة أوكسيجين للبنان القابع في غرفة الإنعاش.
إرتكب خطأ جسيما أمبن عام حزب الله الذي جير لنفسه تكليف الله لنفسه بما يفعله في لبنان، وهوالمدرك تماما أن لبنان بمكوناته المتعددة وعبر تاريخه يبقى التوافق هو الإطار الوحيد للتلاقي بين أبنائه، وقوله هذا تستسيغه بيئته وجماهيره لكنها تولد المزيد من الكراهية والحقد عليه من البيئات الأخرى، يستطيع تحدي من يشاء خارج لبنان فهذا يعود له، لكن لا مكان في الداخل لسياسات التخوين والتدجين ولا لسياسات الحصار والإلغاء، وبالتالي الساحة اللبنانية لن تستطيع تحمل رئيس للجمهورية موالي لهذا الحلف أو ذاك وبالتالي سقطت مقولة الرئيس القوي ضمن جمهوره، خاصة أنه في لبنان كل قيادي أو زعيم قوي ضمن جمهوره وبيئته.
من هنا إستدرك حزب الله أن الإحتضان الداخلي له ضعف كثيرا مع ضعف العهد العوني وبالتالي أصبح لزاما عليه أن يتلقف مبادرة الحوار مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، والمعروف عن جنبلاط أنه القارىء الوحيد الذي يبادر إلى ملاقات التغييرات الإقليمية والدولية عندما تلوح في الأفق.
إن تنظيم الإختلاف لا يعني على الإطلاق تغيير المواقف والإنتقال من ضفة إلى أخرى، بل يعني وضع أولويات النقاط للخروج من الأزمة، وأهمها الإقتناع بأنه من خلال إيصال ودعم فريق من لون واحد لرئاسة الجمهورية لا يحل الأزمات ولا ينهض بالبلاد، بينما إختيار رئيس لإدارة الأزمة بستطيع من خلاله فتح قنوات الحوار مع الجميع، داخليا وخارجيا للوصول إلى قواسم مشتركة تكسر بالدرجة الأولى الحصار المفروض على لبنان داخليا وخارجيا.
هذا هو لبنان، علينا تقبل الواقع فيه، والإنتخابات النيابية أثبتت أن ما من أكثرية أو أقلية، بل تيارات مختلفة تتقاطع في نقاط وتختلف في نقاط، والحل الوحيد يكمن دائما في الوصول إلى توافق حول النقاط المشتركة لأنه المدخل الوحيد للخروج من جهنم إذا أحسنوا إستخدام العقل من خلال تقبل الآخر كما هو وإحترام التنوع الداخلي.
القوة تكمن في إدارة الأوضاع على شتى المستويات والجبهات، وسياسة التعقل في أخذ القرارات والتنفيذ تخفف الإحتقان والسجالات خاصة في بلد لا تتوافر فيه شروط الحسم بين محور وآخر، هذا هو لبنان في ماضيه وحاضره ومستقبله.
بقلم: وسام القاضي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|