باسيل يتموضع حزبيّاً داعياً لحوار رئاسيّ
يصعب فهم سبب زيارة رئيس التيار العوني جبران باسيل برفقة "عمّه" رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجزّين في هذا التوقيت بالذات. درجت العادة أن تسبق مثلُ هذه الزيارات الانتخاباتِ النيابية لشدّ العصب، أو يكون هدفها إعادة إحياء حضور بعد تراجع، أو علاقة سادها الفتور بين طرفين.
جنرال الوجدان المسيحيّ
طالما أن لا انتخابات نيابية ولا بلدية، فالمرجّح أنّ رئيس التيار أراد التلاحم مع جمهوره المسيحي كما في البدايات يوم كان الجنرال عون رئيساً للتيّار قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية. ومن الصعب أن يجد باسيل من يقتنع بأنّ هدف زيارة جزّين برفقة الجنرال هو شيء آخر غير سعيه إلى تحسين حضوره، الذي شهد تراجعاً، بالاتّكال على عون وحضوره في الوجدان المسيحي جنوباً، من خلال تحرّك يسبق موعد الانتخابات الداخلية في التيّار.
أمّا على المستوى السياسي فللزيارة أهداف تتّصل بعرين الثنائي الشيعي. ففي ذاك العرين اعتلى باسيل المنبر خطيباً يتلو خطاب التهديد والوعيد للحليف - الخصم السياسي الذي تجمعه به علاقة باردة شبه مجمّدة، فضلاً عن أنّه المرشّح الرئاسي المرفوض.
علّقت مصادر سياسية قائلة إنّ باسيل شنّ حرباً عشوائية، فأطلق رصاصاته في اتجاه الجميع ولم يوفّر حزب الله ولا القوّات ولا المرشّح سليمان فرنجية ولا قائد الجيش ضمناً. وشبّه المصدر عينه ما ورد في خطاب باسيل بخطاب الجنرال عون في عامَي 1989 و1990 "يوم استهدف كلّ الناس ولم يبقَ له صديق".
يحتار أصدقاء باسيل قبل خصومه في تفسير هجومه الذي لم يترك له صديقاً من القوى السياسية أو حليفاً في الداخل أو الخارج. ويقول البعض إنّ سلوك باسيل السياسي بات عصيّاً على الفهم. فكيف لمن يفتح النار على الجميع أن يدعوهم إلى الحوار؟!
في بداية الكلام انطلق وجدانياً في مديح جزّين بتاريخها المقاوم، ثمّ أطلق أوّل سهامه محذّراً من أن تكون وحدة الساحات على حساب العودة إلى الماضي المرير، أي زمن الفلسطينيين الذي انتهى إلى توطين الفلسطينيين في لبنان. لم يكن ممكناً ألّا يتعرّض باسيل في كلامه لإطلاق الصواريخ من الجنوب باتجاه فلسطين المحتلّة عابراً برسالته فوق حزب الله من دون أن يسمّيه، خاصة أنّه لم يتبنَّ العملية بنفسه. ومن تلك المسألة تسلّل إلى ملفّ النازحين السوريين قائلاً إنّ "المشروع نفسه منشوفه عم يتكرّر مع النزوح السوري بمخاطره على لبنان وعلى سوريا"، معتبراً أنّ "مبرّرات البعض من الضالعين بالمؤامرة أو المتفرّجين عليها في ما يتّصل بسبب بقاء السوريين النازحين في لبنان سقطت". وفي تطوّر لافت لموقفه دعا إلى "الاستفادة من الحوار والتفاهم السوري- السعودي-الإيراني لتأمين عودة لائقة (آمنة وكريمة) للنازح السوري من خلال إعادة إعمار سوريا ولبنان، وليس من خلال خلق فتنة جديدة بين اللبنانيين والسوريين، نتيجتها خدمة المشروع التقسيمي"، وذلك من دون أن يفوته الغمز من قناة "القوات" والقوى التي سبق أن عارضت عودة النازحين بالقول لهم: "يلّي بدّو يتمرجل كان يتمرجل سنة 2011 وقت كانت الأزمة بعزّها، ومش لمّا صار الحلّ في أوجه"، وبدعوتهم إلى "مجلس النواب لإقرار معنا القوانين يلّي قدّمناها حول النزوح"، متوجّهاً إلى المنظمات الدولية التي تدعم بقاءهم بالقول: "تأدّب لمّا بتحكي عنّا، وتأقلم على فكرة أنّ لبنان باقٍ بتنوّعه".
وجّه باسيل رسائله اللطيفة إلى حزب الله تحت عنوان الشراكة. وهي لم تخلُ من إشارات ودّ تعيد التأكيد على مبدأ الشراكة "وإن اختلفنا على خيارات كتيرة وكبيرة"، وعلى الرغم من وجودها فـ"نحنا مصرّين على الشراكة وعلى عدم تهميش دورنا". ثمّ راح يحذّرهم من أنّ البديل عن الشراكة هو دفع الناس "إلى فكرة التقسيم ورميهم بأحضان الانعزال بسبب الخوف والقلق على المستقبل"، أي كلّ القوى الداعية إلى التقسيم، وفي مقدّمها القوات اللبنانية.
إلى ذلك دعا الثنائي إلى احترام مبدأ الشراكة في انتخابات رئاسة الجمهورية، قائلاً: "نريد رئيس جمهورية يمثّل هالشراكة الفعلية بالحكم، رئيس قوي ومش ضعيف، قويّ بشخصه، بس الأهمّ قويّ بدعم الناس له والكتل النيابية الممثّلة للناس. وإذا هالشخص مش متوفّر بتمثيله الذاتي، يمكن الاستعاضة عنه بشرعية نيابية داعمة له. ومن هون مسؤوليتنا الاتفاق على شخص"، وكأنّه يؤكّد أنّ التمسّك بفرنجية ضرب لهذه المبادئ، من دون أن يفوته التوجّه إلى المسيحيين بجملة رسائل ضمّنها الكثير من التأنيب والتنبيه إلى ضرورة التلاقي على مرشّح توافقي قبل أن يُفرض عليهم مرشّح من خارج خياراتهم، وإلى أنّ الوقت لا يلعب لصالحهم في زمن التسويات، فنحن "المسيحيين علينا مسؤولية تاريخية كبيرة، إنّو نتّفق، حتى ما نبرّر لا للداخل ولا للخارج يفرض علينا رئيس". واعتبر أنّ المضيّ بالموقف السلبي "برفض أسماء، منبقى مقصّرين وعاجزين ومسؤولين عن جزء من الأزمة، وعلينا أخذ موقف إيجابي بالاتفاق على مرشّح ومحاولة إقناع الآخرين به. وإذا لا، فالنزول إلى المجلس النيابي بمرشّح يمكنه أن ينجح ويعبّر عن خيارنا"، وهو ما يمكن فهمه أنّه دعوة لـ"القوات" و"الكتائب" وغيرهما من القوى المسيحية إلى حوار مسيحي للخروج بمرشّح رئاسي متوافَق عليه مسيحياً.
رسائل في كلّ اتّجاه
ترفض مصادر التيار العوني مقاربة الخطاب من وجهة سلبية. وتستغرب التساؤل عن اختيار جزّين والنقد والتوقيت قائلةً: لقد تأخّرت زيارة جزّين كثيراً. كان يجب أن يعيد التيار تموضعه قبل ذلك بكثير. ولكنّ الزيارة جاءت بعد قراءة متأنّية وعميقة لنتائج الانتخابات وما تبعها. وقارب باسيل الموضوع بجرأة كاملة وحمّل نفسه المسؤولية عمّا حصل.
أمّا تصويب عون على النازحين السوريين فموجَّه إلى قائد الجيش والقوات اللبنانية وإلى النازحين أنفسهم حين تحدّث عن عودة كريمة وآمنة لهم إلى بلادهم. فيما رفضُ باسيل أن توحِّد المقاومة "الساحات بناء على استخدام لبنان منصّة"، فموجّه إلى "حليفه" حزب الله. لكنّ مجمل خطابه ركّز على الاستحقاق الرئاسي موزِّعاً رسائله في اتّجاه أكثر من جهة معنيّة بهذا الاستحقاق. وترفض المصادر العونية أن يكون تعرَّض لأيّ فريق سياسي بعينه، بل هو انتقد مواقف ونبّه أصحابها، ودعا إلى حوار من أجل سبل بديلة.
في إشارته إلى المرشّحين للرئاسة قال إنّ التيار سبق أن وافق على أكثر من مرشّح، قاصداً بذلك بكركي وحزب الله على وجه التحديد. سبق أن بحث باسيل مع حليفه أسماء عدّة ولمّح إليها في واحد من الاجتماعات، وإن لم يقدّم التزاماً بشأنها. وبعض الأسماء يمكن حسبانها على خطّ المقاومة. وهو رفض النقاش فيها قبل أن يسحب الحزب مرشّحه سليمان فرنجية، الذي يشكّل تحدّياً مثل مرشّح المعارضة ميشال معوّض.
بكلام آخر يقول باسيل للحزب "أنا مستعدّ لبحث الأسماء"، ليكون ذلك بمنزلة ردّ غير مباشر على دعوة محمد رعد إلى الحوار. أمّا في قوله: "من يهدّدنا بأن يمرّ قطار التسوية من دوننا، فنحن لا نخاف من أن نكون خارجها لأنّها ستكون عرجاء وستسقط"، وكلامه ناصحاً: "لا تعيدوا تجارب الماضي الفاشلة بالـ 90 وبالـ 2005"، ففيهما يردّ رئيس التيار ضمناً على حديث نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ورئيس المكتب السياسي السيد هاشم صفي الدين، معتبراً أنّه إذا كان المقصود تسوية من دون المسيحيين فقد سبق أن حصلت في التسعين و2005. فهل يمكن السير بتسوية من دون طائفة بأكملها؟ وإذا كان المقصود التسوية من دون التيار فمبارك عليكم "القوات"، حسب باسيل. وهو يغمز من قناة انقلاب الأدوار بين الأمس واليوم، إذ بات الثنائي ومرشّحه حلفاء لفرنسا ويتحدّثون باسمها، بينما يتحدّث فريق مسيحي باسم السعودية. الاثنان ينتظران الخارج ويتحدّثان باسمه. يتحدّث فرنجية باسم فرنسا مفصحاً عمّا نقلته عن السعودية، فيردّ عليه جعجع باسم المملكة: "لا ما غيّرت موقفها".
يؤكّد باسيل ضرورة حصر الاستحقاق، فيقول للثنائي إنّه ما يزال ممكناً التفاهم في الداخل، ويدعو المسيحيين إلى "الاتفاق على مرشّح كي لا يتمّ فرضه علينا".
في عشر فقرات متتالية تحت عنوان: "ما حدا" أراد باسيل تصويب بوصلة المواقف المتعنّتة ودعوة أصحابها إلى مراجعة نقدية والتنبّه إلى خطورة ما يؤسّس له الموضوع الرئاسي. "ما حدا يهدّدنا بمعادلة أنا أو الفوضى"، و"ما حدا يوعظنا حول التعلّم من الماضي". وهذا موجّه إلى فرنجية الذي هدّد بتكرار تجربة مخايل الضاهر أو الفوضى، ولا سيما حين أشار ضمناً إلى اتفاق جعجع وعون على رفض خيار الضاهر.
أمّا عبارة: "ما حدا يفكّر بحلف ثلاثي جديد طابعه مذهبي/طائفي" فكانت من نصيب سمير جعجع و"الكتائب" والداخل المسيحي تعبيراً عن خشية تكرار تجربة الحلف الثلاثي الذي أدّى إلى فرز الساحة اللبنانية بين الأحزاب المسيحية، وصراع انتهى بسليمان فرنجية الجدّ رئيساً. وحذّر الأحزاب المسيحية من مغبّة ترشيح مسيحي عنوة عن المسلمين بما يعكس تأكيداً ضمنياً على الحوار وتدوير الزوايا في الموضوع الرئاسي.
رسم باسيل المسار الحواري لإعادة وصل ما انقطع، فنبّه إلى أن لا يستعمل أحد فائض القوّة فيخرّب البلد ويخرّب نفسه، ولا يتصرّف أحد بانبطاح ودونية فلا يصل الى مطرح، ولا يتصرّف أحد بتصلّب طائفي فيخرّبنا. وخلص من كلّ ذلك إلى الدعوة إلى مشروع إنقاذي يتولّاه رئيس جمهورية ورئيس حكومة يصلان بالتفاهم وليس بالكيديّات السياسية.
باسيل "العائد إلى ناسه"، كما قال، توجّه بما اعتبره رسالة "انفتاح وحوار" من دون أن يعني ذلك "القبول بالفساد والخطأ والتعايش معهما"، وكأنّه ينفي تهمة التراجع أو التنازل، ولفت إلى أنّ خطابه هو "وسيلة لمنع انفصال المكوّنات عن بعضها وللحفاظ على الوحدة من دون المسّ بالدور والشراكة والكرامة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|