كيف ساهمت "الهندسة المالية" في دفع الاقتصاد اللبناني نحو الأزمة؟
يبدو أن الدعم السياسي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدأ يتضاءل، وفقا لتقرير أعدته وكالة "رويترز" نقلا عن مصادر سياسية تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها.
وبحسب موقع "ناشونال انترست" الأميركي، "كان سلامة نفسه قد أعلن في مقابلة مع "الشرق نيوز" في شباط، أنه لن يسعى إلى ولايةٍ جديدةٍ بمجرّد انتهاء ولايته الحالية. ومع ذلك، هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن سلامة قدم استقالته بالفعل في آذار .وبحسب ما ورد، ينتظر سلامة موافقة الحكومة، والتي يقال إنها عملية معقدة بسبب الحاجة إلى الحفاظ على توازن القوى الطائفي. في غضون ذلك، يبدو أن التحقيقات في الجرائم المالية المزعومة التي ارتكبها سلامة في لبنان وأوروبا تتسارع. ويواجه سلامة العديد من الاتهامات بجرائم مزعومة، بما في ذلك اختلاس الأموال العامة والفساد والإثراء غير المشروع وغسيل الأموال".
وتابع الموقع، "وتأتي هذه التطورات على خلفية الشلل السياسي مع استمرار الجمود في انتخاب رئيس للجمهورية. لكن في الوقت نفسه، هناك حاجة ملحة لاستعادة الثقة في المؤسسات المالية والمصرفية في لبنان ، حيث يواجه البلد كارثة اقتصادية ومالية غير مسبوقة. ووصف البنك الدولي الأزمة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات في التاريخ الحديث. وفي هذا المنعطف الحرج، يُعد اختيار حاكم للبنك المركزي بنفس أهمية انتخاب رئيس للجمهورية".
أصل الأزمة الاقتصادية
بحسب الموقع، "تعود أسباب الانهيار المالي في لبنان إلى سوء الإدارة المزمن للمالية العامة، مما أدى إلى تراكم الديون الضخمة على الحكومات المتعاقبة منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990. يلوم النقاد سلامة الذي انتهج سياسة نقدية عدوانية بإقراض الدولة اللبنانية منذ تعيينه محافظاً للبنك المركزي عام 1993. فلو لم يقم بذلك، لما تمكنت الحكومات اللبنانية السابقة من تمويل إنفاقها ولما ساهمت في تراكم الديون. وربط سلامة الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، مما أدى إلى دولرة العملة بشكل فعال، ونجح في تثبيت سعر الصرف على أساس 1507 ليرات للدولار الأميركي الواحد منذ عام 1997. وساهم تثبيت العملة هذا في ضمان الاستقرار النقدي والاقتصادي
للبنان حتى سنوات قليلة قبل الأزمة".
وتابع الموقع، "في عام 2019، اندلعت احتجاجات حاشدة مع تفاقم الأزمة المالية في البلاد وواجهت المصارف اللبنانية اقبالاً كبيراً على عمليات سحب الودائع، مما أدى إلى انهيار الثقة في القطاع المصرفي. وردا على ذلك، فرضت المصارف قيودًا على رأس المال، مما حد بشكل كبير من عمليات سحب العملة الصعبة. حينها، انهار نظام سعر الصرف الثابت بأكمله. كما كانت هناك أسباب جيوسياسية لتسريع الأزمة المالية في لبنان، مثل الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا عام 2011، والتي أثرت على ثقة الاستثمار الأجنبي في لبنان المجاور، كما وسحب المملكة العربية السعودية الدعم الاقتصادي للبنان رداً على تنامي نفوذ حزب الله المدعوم من إيران في البلاد".
"الهندسة المالية"
وبحسب الموقع، "ومع ذلك، يجادل الكثيرون بأن السمة الأساسية الأخرى التي عجلت الأزمة كانت ما يسمى بـ "الهندسة المالية". كان هذا، في الواقع، جزءًا من جهد أكبر لمواصلة تمويل الإنفاق العام المثير للجدل للحكومات المتعاقبة. ونجح المسعى برمته لفترة طويلة لأنه كان متوافقًا هيكليًا مع سياسة تثبيت العملة، حيث تطلب في الوقت نفسه تدفقات مستمرة من العملات الأجنبية إلى لبنان، لا سيما الودائع في البنوك اللبنانية (تحديداً من قبل المغتربين). في المقابل، استخدم البنك المركزي الودائع لدعم الإنفاق الحكومي، ودفع قيمة الواردات، وسداد الفوائد على الدين العام المستحق، وكذلك على الودائع بالعملات الأجنبية للمصارف".
وتابع الموقع، "يتفق معظم المراقبين على أن النخبة السياسية والاقتصادية، التي أدارت وتسيطر على موارد الدولة، والبنك المركزي بقيادة سلامة، والمصارف اللبنانية على وجه الخصوص، كانت المستفيدة الرئيسية من مخطط الهندسة المالية هذا. من خلال متابعة هذا المخطط المالي وتعزيزه باستمرار، يمكن القول إن سلامة أعطى الأولوية لحماية جاذبية البنوك المحلية على حساب الاقتصاد المحلي ونمو الناتج المحلي الإجمالي. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنه في حين استفاد عملاء المصارف اللبنانية ومستثمرو التجزئة من دخل الفوائد الناتج عن ودائعهم، فإن مخططات سلامة للهندسة المالية أفادت في الغالب مساهمي المصارف والمودعين الأثرياء".
وأضاف الموقع، "على الرغم من أن البعض يلومه على أزمة لبنان الحالية، إلا أن سلامة أصر على أن الأزمة المالية اللبنانية ليست نتيجة للسياسة النقدية بل نتيجة للمأزق السياسي. واشتكى من حملة سياسية تسعى لتخريب سجله، يخوضها بالأساس معسكر الرئيس اللبناني الأسبق ميشال عون وصهره السياسي المثير للجدل جبران باسيل. وفي المقابل، يتساءل الكثيرون كيف يمكن أن يظل سلامة حاكماً للبنك المركزي ولا يخضع للمساءلة في ضوء التحقيقات المتزايدة في جرائمه المالية المزعومة. للإجابة على هذا، يشير العديد من المحللين والمعلقين إلى دعم سلامة من قبل كبار السياسيين والنخبة الاقتصادية في البلاد".
هل سينقذ صندوق النقد الدولي لبنان؟
وبحسب الموقع، "في الوقت الحالي، يعتمد مسار الخروج من الأزمة المالية إلى حد كبير على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي، بعد الاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه بين الصندوق والحكومة اللبنانية في نيسان 2022. وكجزء من الاتفاقية، وبشرط تنفيذ إجراءات الإصلاح، سيقدم صندوق النقد الدولي خطة إنقاذ للبنان بقيمة 3 مليارات دولار بهدف استعادة استدامة البلاد الاقتصادية والمالية. ويدعو اقتراح صندوق النقد الدولي، قبل كل شيء، إلى توزيع خسائر القطاع المالي بين الحكومة والبنوك وكبار المودعين بطريقة تحمي صغار المودعين مع الحفاظ على اللجوء إلى أصول الدولة عند الحد الأدنى. وليس من المستغرب أن يلقى هذا الاقتراح معارضة كبيرة من المصارف اللبنانية، مما ساهم في تعطيل الإصلاحات".
وختم الموقع، "في الوقت الحالي، يبدو أن لبنان لا يزال عالقًا ويجب أن ينتظر الخلاص، سياسيًا واقتصاديًا وماليًا. فهل سيتم محاسبة سلامة على جرائمه العديدة المزعومة، مما يشير إلى أن التغيير بات في متناول اليد، أم أنه سيتمكن بطريقة ما من الإفلات من كل ما فعله؟"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|