الرئاسة بين المطبّات .. الخارج ينتظر صحوة داخلية
على الرغم من المناخ الدولي الدافع إلى حسم ملف رئاسة الجمهورية، وعلى الرغم من الإجماع العربي الذي تجلّى في القمة العربية التي عُقدت في مدينة جدة السعودية، على واجب اللبنانيين التسريع في حسم استحقاقاتهم الدستورية، وإلحاق لبنان بمسار الانفراجات والتحوّلات التي شهدتها المنطقة، بما يوفّر له فرصة الانتعاش من جديد. إلّا انّ الداخل اللبناني، وعلى رغم تحذيرات الأصدقاء والأشقاء من عواقب استمرار الوضع الشاذ فيه، لا يزال مسموماً، ومحبوساً ضمن الحدود التي رسمتها مكونات الانقسام السياسي، يتنفّس هواء التعطيل الملوث بذات التناقضات والمزايدات السياسية التي ألقت برئاسة الجمهورية في عهدة فراغ بلا حدود.
الداخل كما هو واضح، يعاكس المناخات العربية والدولية، وكأنّ قوى التعطيل قد تضافرت وتلاقت على مواجهة وتحدّي إرادة الأصدقاء والأشقاء، وحثّهم على استفادة لبنان من تلك المناخات، بتغليب إرادة التعطيل وإبقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه، خاضعاً لأمزجة مُغامِرة، وسياسات عقيمة، وصبيانيات تشرّع أمامه الباب واسعاً على كلّ الاحتمالات الصعبة.
يتجلّى ذلك، في أنّ قوى التعطيل لا تقدّم شيئاً يدفع بالملف الرئاسي إلى برّ الانتخاب، سوى المواقف التي تتوالى من مختلف المنابر والمنصّات السياسية، وتبقي الرئاسة في دوامة التوتير والتصعيد. وهو أمر يدفع، كما يقول مرجع سياسي لـ”الجمهورية”، إلى “الريبة والقلق من أن تكون خلف أكمة التعطيل نوايا خبيثة بإشاعة اجواء توتير وتصعيد، وإن صحّ ذلك، فهذا معناه انّهم يطرقون باب الخراب”.
هذه الأجواء اخترقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث لاقى اندفاعة الأصدقاء والأشقاء بدعوة وجهّها أمس إلى القوى الداخلية، إلى “جرأة مواجهة التعطيل، والاحتكام إلى الحوار والتوافق تحت سقف الدستور والمؤسسات في مقاربة العناوين والقضايا الوطنية”، محدّداً مواصفات رئيس الجمهورية الذي يجمع ويوحّد، وهي بالتأكيد مواصفات يعتبر مؤيّدو ترشيح الوزير سليمان فرنجية انّها تنطبق عليه، فإنّ هذه الدعوة، بحسب مصادر سياسية لـ”الجمهورية”، تسقط على واقع سياسي في عالم آخر، ضبط ساعته الرئاسية على الهروب من الحوار والتوافق على رئيس، والتلهّي بمحاولات بحث عبثية عن مرشّحين جديّين لرئاسة الجمهوريّة، أشبه ما تكون بمحاولة لإيهام الداخل والخارج بأنّ ثمّة استجابة للدعوات العربية والدولية”.
هذه المحاولات، وكما بات واضحاً، اصطدمت باستحالة الاتفاق بين أطراف المعارضة على مرشّح معيّن. مع ذلك تؤكّد مصادر معارضة لـ”الجمهورية” بأنّ “تلك المحاولات لم تتوقّف والأبواب لم تُغلق نهائيّاً أمام النقاش بأسماء المرشحين. صحيح انّ التباعد عميق جداً بين حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، الّا انّه ليس مستحيلاً أن يصلا إلى نقطة التقاء على مصلحة مشتركة”.
الّا انّ مصادر مطلعة على أجواء الاتصالات، تكشف لـ”الجمهورية”، انّ “ما حُكي عن اتصالات للتوافق بين المعارضات الداخلية على مرشح بمواجهة الوزير سليمان فرنجية، لم تكن جدّية كما جرى الترويج لها، وخصوصاً انّ الأسماء التي تمّ تداولها في هذا الجانب، لا تتمتع بالثقل الذي من شأنه ان يحقق نوعاً من التوازن مع الثقل الذي يمثله فرنجية”.
ولفتت المصادر، إلى اعتراضات حادة أُبديت في الاجتماعات الداخلية لبعض المعارضات حول الأسماء المطروحة، وكان بنتيجة ذلك أن خرج بعضها من التداول، كالنائب السابق صلاح حنين والوزير السابق زياد بارود، فيما بقي اسم الوزير السابق جهاد ازعور قيد التداول، إنما من دون حسم التوافق عليه، وتحديداً بين “القوات اللبنانية”، و”التيار الوطني الحر”، حيث أُفيد بأنّ رئيس التيار النائب جبران باسيل لم يعط موافقة نهائية عليه حتى الآن”.
على أنّ أهم ما لفتت اليه المصادر عينها، هو انّ بعض الجهات المعنية بهذه الاتصالات، سعت من خلال البحث بتلك الاسماء، إلى نصب فخ رئاسي، يقول بتبنّي المعارضة لإسم معيّن كالوزير السابق ازعور، منافساً للوزير فرنجية، على ان تُعقد الجلسة الانتخابية على هذا الأساس، بحيث لا ينال اي منهما اكثرية الفوز، وفي هذه الحالة يسقط المرشحان، ما يفرض على الجميع البحث عن مرشّح ثالث، وهذا ما يحقق هدف باسيل تحديداً.
وعلمت “الجمهورية”، انّ اعتراضات جدّية داخل “التيار الوطني الحر” على الأسماء المطروحة للتوافق، كما انّ اصواتاً داخل التيار تؤكّد عدم الذهاب إلى ترشيح يُعتبر تحدّياً لـ” حزب الله”، برغم ما يشوب العلاقة بينهما حالياً من توترات، وبالتالي إذا كان لا بدّ من تبنّي مرشّح، فليكن من داخل التيار وليس من خارجه.
وسألت “الجمهورية” مصادر “اشتراكية” حول توجّه “اللقاء الديموقراطي” في الانتخابات الرئاسية، فقالت: “نحن لسنا شركاء او معنيين بكل ما يُقال عن اتصالات تجري للبحث عن مرشحين، وبناءً على ما نسمعه ونراه، فإنّ افضل خيار لنا أمام ما نسمعه من اسماء مرشحين، هو ان نذهب إلى التصويت بالورقة البيصاء”.
وإذا كان الخارج الصديق والشقيق قد حدّد خريطة طريق الحسم الرئاسي، وراهن على استفاقة لبنانية عاجلة تنتصر لمصلحة لبنان، وترتقي بالمكونات السياسيّة إلى مستوى المسؤولية التي تتفاعل ايجابياً مع كل ما يحقق هذه المصلحة، فإنّ تفاعل الداخل مع هذا المنحى تغلب فيه محاولة سدّ كل المنافذ التي يمكن ان تتسرّب منها عدوى الانفراجات الاقليمية إلى لبنان، وهو ما ألمح اليه مصدر ديبلوماسي عربي، الذي أثار رداً على سؤال لـ”الجمهورية” علامات استفهام حول ما سمّاه “الإبحار المعاكس في لبنان بعكس التيار العربي والدولي”، وقال: “هذا الامر نخشى من انّ لبنان لن يجني منه سوى دفع الأثمان والأكلاف الكبرى. ومن هنا، لا نفهم لماذا تصرّون في لبنان على دفع الثمن، فيما امامكم المجال مفتوح لاستدعاء الأمان والانفراج للبنان بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة، والعالم بأسره إلى جانبكم”؟
ورداً على سؤال قال المصدر الديبلوماسي العربي: “المسلّم به في كل دول العالم، انّه في المحطات الصعبة، تتلاقى مكوناتها الداخلية، ومهما كانت مساحة تناقضاتها واسعة، على مساحة مشتركة لمواجهتها، وهذا من بديهيات المسؤولية الوطنية. ومن هنا فإنّ فرصة التفاهم بين اللبنانيين نرى انّها ما زالت ممكنة، وهذا ما يدفع اليه المجتمع الدولي، كما اكّدت عليه القمة العربية، وهي بالتأكيد فرصة قصيرة وليست مفتوحة، بالنظر إلى وضع لبنان الذي لم يعد من القدرة والمناعة التي تمكّنه من الصمود اكثر”.
ورداً على سؤال آخر، قال: “الانفراجات في المنطقة لن تتوقف ضمن حدودها الحالية، بل ستتوسع أكثر، وهو ما جرى التأكيد عليه في كواليس القمة العربية. ومعلوماتي تؤكّد انّ مسؤولاً لبنانياً كبيراً قيل له في جدة انّ قطار الانفراج بدأ سيره على السكة السريعة ولن يتمكن احد من ايقافه. ومعلوماتي تؤكّد ايضاً انّ الجهد العربي سيتواصل بأشكال متنوعة لمساعدة اللبنانيين على التفاهم وتحقيق ما يصبو اليه اللبنانيون من انفراج، وشرط التعجيل بهذا الانفراج هو أن يكون اللبنانيون قبل غيرهم، عاملاً مساعداً للجهد العربي. وانا لست متشائماً”.
وعلى المقلب الدولي، تؤكّد معلومات ديبلوماسية موثوقة لـ”الجمهورية”، انّّ باريس بصدد استئناف تحرّكها المباشر حول الملف الرئاسي في لبنان في المدى المنظور، والأجواء الواردة من العاصمة الفرنسية تفيد بأنّ المستويات الفرنسية المسؤولة، باتت تضع في اولوياتها الحسم السريع للملف الرئاسي في لبنان، وهذا التوجّه ليس بعيداً من الموقف الاميركي الذي يصبّ مع الموقف الفرنسي والسعودي في خانة التعجيل في انتخاب رئيس لبنان، اياً كان هذا الرئيس، وإعادة انتظام المؤسسات الدستورية والحكومية فيه، تجنّباً لانزلاق لبنان نحو واقع دراماتيكي يتهدّده بخراب كارثي، وهو ما سبق أن حذّرت منه مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربرا ليف..
الّا انّ المصادر عينها لم تؤكّد او تنفِ ما إذا كان الحسم الرئاسي وارداً في شهر حزيران المقبل، وقالت: “ليس في الإمكان تحديد تواريخ او مواعيد معينة، فما يمكن قوله بناءً على هذه الاجواء، هو انّ كل شيء وارد، وانّ المسألة باتت تُقاس بالاسابيع القليلة”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|