جنبلاط من الورقة البيضاء إلى التنحّي
كتب نقولا ناصيف في" الاخبار": ليس معروفاً تعلّق وليد جنبلاط، ككمال جنبلاط، بالأديان القديمة والروحانيات والصوفية التي كتب عنها الأب الكثير. إلا أن الموقف المقتضب بأسطره القليلة بإعلان استقالته من حزب هو ثاني رئيس له منذ تأسيسه قبل 74 عاماً، أقرب ما يطابق العبارة المأثورة لأحد أكبر شيوخ الصوفية، النفري، بقوله: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»
بضع ملاحظات تحتّم استمهال الأحكام المسبقة:
أولها، مع أن جنبلاط أعلن تنحيه من رئاسة الحزب وعضوية مجلس القيادة ودعا إلى مؤتمر عام في 25 حزيران، إلا أن القرار النهائي في بت الاستقالة يعود إلى المؤتمر العام الذي يقرر قبولها ويدعو إلى انتخاب خلف له هو نجله تيمور، أو يرفضها ويطلب إلى رئيس الحزب المستقيل البقاء في منصبه. الموحى به إلى الآن أن استقالته نهائية، بعدما تحدث في المقابلة التلفزيونية الأخيرة عن رغبته في انتقال مسؤولياته إلى ابنه وطلبه الراحة والاستراحة. مع ذلك القرار النهائي في
المؤتمر العام.
ثانيها، ليس تحديد موعد المؤتمر العام بعد شهر من الآن بلا دلالة. تالياً بين قرار التنحي وقرار المؤتمر العام، ثمة فاصل حرج يتحدث عنه الجميع تقريباً: ما قد يقع في الداخل حتى الوصول إلى هذا الموعد سواء حيال انتخاب رئيس للجمهورية أو التطورات الإقليمية من الخليج وصولاً إلى سوريا وتردداتها في لبنان. في ضوء الفترة الحرجة المتوقعة هذه، اختار جنبلاط أن يكون خارج المشهد اللبناني برمّته، فلا يسأل ولا يُسأل، ويضع حداً للتكهنات التي تدور من حول موقفه من الاستحقاقين الأخيرين الأكثر التصاقاً بلبنان في الوقت الحاضر: انتخاب الرئيس وعودة سوريا إلى المعادلتين العربية واللبنانية.ثالثها، ليس خافياً أو مضمراً وجود فريق في حزب جنبلاط وكتلته باتوا يُسمَّون صقوراً، على رأسهم ابنه تيمور والنائبان مروان حمادة ووائل أبو فاعور، يرفضون الذهاب إلى انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. هو أيضاً موقف جنبلاط الأب قبلهم وأول مَن جهر به. بيد أن المشكلة تقيم في علاقته بالرئيس نبيه برّي المحسوب أنه أكثر مَن يمون عليه، والأقدر على استقطابه وجذبه إلى حيث لا يريد الذهاب إليه، وهو التصويت لمرشح الثنائي الشيعي. مَن يسمع جنبلاط معبّراً بالحجج التي يدلي بها عن رفضه انتخاب فرنجية يتيقن من أنه اتخذ قراراً نهائياً وقاطعاً. مع ذلك تظل علاقة التحالف الوطيدة غير المستغنى عنها مع برّي وزراً ثقيلاً لا يعفيه منه سوى إخراج نفسه من واجهة الحدث والأفرقاء الآخرين كلياً.
رابعها، الواضح كذلك أن جنبلاط الأب لا يرغب في أن يورث إلى جنبلاط الابن كمّاً من الخصومات والعداوات تنكّبها منذ عام 2005، لعل أكثرها وطأة عندما عادى سوريا ثم صالحها ثم عاداها، ولم يعد الآن يريد العودة إليها. إلا أنه لا يود أيضاً أن يورث خلفه هذا العبء المكلف. يوم لبس عباءة زعامة البيت والطائفة في نهار تشييع والده، لم يرث منه وزر عدائه مع الرئيس
حافظ الأسد، ما حمله في أربعين اغتيالٍ اتهمت به سوريا على الاجتماع برئيسها في أيار 1977 كأن شيئاً لم يحدث قبله. ليس مستبعداً أو بعيد المنال استعادة هذه الواقعة ما يشبهها في ظروف مختلفة ما دامت المختارة تشعر باستمرار أنها معنية بالدروز العرب، لا سيما منهم دروز سوريا.خامسها، وهذه تنطوي بدورها على أهمية بالغة عند جنبلاط، حينما سمع منه زواره قبل مدة يقول إن خلافه مع المسيحيين في ما مضى هو على الجبل ومرجعيته وتوازن القوى فيه، وليس خلافاً على وجودهم ودورهم في لبنان. يحتاج إليهم في الوجود والدور في لبنان في مرحلة تشعره بالقلق من فائض القوة الشيعي من جهة والزحف الشيعي إلى جبل لبنان من جهة أخرى. في صلب إصراره على التريث وعدم الانضواء في أي فريق، مع تمسكه بما يقبل به وما يرفضه كانتخاب فرنجية، أنه لا يستطيع الذهاب إلى انتخاب رئيس بلا المكوّنين المسيحيين الرئيسيين أو أحدهما على الأقل. مشاركة هذا الفريق الأساسي والمعني الأول بالمنصب هي التي تنشئ التوازن السياسي في الاستحقاق لئلا ينتهي المآل بالنموذج المعروف: أُكلت يوم أُكِل الثور الأبيض.
ليست الاستقالة، في أبسط تعريف آني، سوى الوجه الآخر للورقة البيضاء التي لوّح أخيراً باستخدامها في انتخاب رئيس الجمهورية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|