إقتصاد

بيروت والصيف وهاجس المياه: كميات كافية ولا كهرباء لضخّها!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شح المياه وتسعيرها لم يعودا تفصيلاً. وسلامة مياه الشرب وعدم معالجة مياه الصرف أصبحا مسألة وجودية لا تقلّ تبعاتها خطورة عن أي من الكوارث التي شهدها لبنان بعد الانهيار. وعلى أبواب الصيف، فصل الشحّ والتلوث، يستدعي موضوع المياه خطة طوارئ وطنية واجتماعاً استثنائياً لمجلس الوزراء واستنفار من بقي من مسؤولين يتحمّلون حدّاً أدنى من المسؤولية.

قبل الانهيار، أكثر من 80% من مياه الصرف المقدرة بنحو 350 مليون متر مكعب سنوياً لم تكن تخضع للمعالجة، تضاف إليها تلك الناجمة عن تدفق النازحين بما يتجاوز مليوناً ونصف مليون متر مكعب. اليوم، مع توقف كل محطات التكرير والمعالجة تقريباً عن العمل، بسبب عدم توافر الأموال لتغطية الكلفة التشغيلية والمحروقات والصيانة… فإن أكثر من 95% من مياه الصرف لم يعد يخضع للمعالجة، ما يتسبّب في تلويث خطير، لا علاج له، للمياه السطحية والجوفية، ما ينعكس تلوثاً في التربة، وبالتالي الغذاء.

تقدّر الكلفة الأولية لمعالجة مياه الصرف الصحي اليوم بأكثر من نصف مليار دولار سنوياً (دولار لكل متر مكعب)، كان يفترض أن تضاف إلى فاتورة تأمين المياه ليظهر حجم الأزمة المتستّر عليها. إذ لطالما غضّ من ادّعوا وضع استراتيجيات التنمية وإدارة المياه، النظر عن هذه القضية الخطيرة. ولم يربطوا، في هذه الاستراتيجيات والخطط، تسعير إدارة المياه العذبة بكلفة معالجة مياه الصرف، لسبب بسيط، هو عدم وجود استراتيجيات أساساً، ولخضوع مشاريع إدارة المياه العذبة ومياه الصرف لآراء ومقترحات المستثمرين في هذا القطاع وأصحاب المصالح والشركات المرتبطة بشبكات التمويل الدولية والشركات الكبرى ذات الصلة. إذ إن الشركات المستثمرة، وعملاءها داخل الإدارات الرسمية وخارجها، هي من كانت تضع الخطط والتشريعات، المسمّاة زوراً «استراتيجيات»، وتربطها بمشاريع استثمارية لإنشاء السدود السطحية، مع اقتراحات بزيادة فاتورة تأمين مياه الشرب وزيادة فاتورة معالجة مياه الصرف… من دون أن تأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي والدخل الفردي والأنظمة الإيكولوجية وضرورة وجود استراتيجية تحدّد الحقوق وتحترم النظم البيئية وتضع الأولويات وخطط التوفير والإرشاد في القطاعات كافة... فكانت النتيجة كوارث متراكمة بات مستحيلاً معالجتها، بعدما هدّدت الأمن الغذائي والحياتي وضربت سلامة الأنظمة الإيكولوجية للأجيال المقبلة. وهذه جريمة كبرى متمادية تفوق بخطورتها ضياع ودائع الناس وجنى أعمارهم في المصارف، وينبغي أن يُحاسب عليها كل من تولى سلطة، مباشرة أو غير مباشرة، في إدارة هذا القطاع الحيوي والحياتي في لبنان. 

مع تراجع معالجة مياه الصرف إلى حدود الصفر وانهيار أنظمة التنظيم المدني وترتيب الأراضي والعمران وسوء إدارة أزمة اللجوء، باتت مصادر المياه مهددة، وارتفعت فاتورة تأمين مياه الشرب لتشمل مياه المصالح (مئة دولار سنوياً) والمياه المعبّأة التي يلجأ إليها الناس لشكوكهم المحقة بعدم سلامة مصادر المياه، واعتقاداً منهم بأنها أكثر أمناً، فيما الواقع أن رقابة الدولة على هذه أيضاً تكاد تكون منعدمة. إذ ليس مستغرباً في بلد تحكمه المافيات استغلال الأزمة لرفع فاتورة المياه المعبأة بشكل كبير لا يحتمل (نحو ٢٥ سنتاً لليتر!). مع الإشارة إلى الفروقات الكبيرة بين المياه الصالحة للشرب، أي المعالجة، والمياه المعدنية الطبيعية الغذائية التي باتت نادرة وأسعارها في حالة ارتفاع مستمر من دون أية سقوف. وهذا سببه أيضاً سوء الإدارة أو تواطؤها، يوم تجنبت البحث في الوضع القانوني ومراجعة ما يسمى «الحقوق المكتسبة على المياه»، ودفعت التعويضات اللازمة لاسترداد هذه الحقوق على المياه كملكية عامة وحق من حقوق الإنسان… وانهمكت الإدارات المتعاقبة في البحث عن كيفية الاستثمار وتحقيق المنفعة الشخصية عبر إنشاء السدود السطحية المكلفة وغير الضرورية، والاستثمار في تعبئة المياه والاتجار بها.

فهل تسمح الأزمة الوجودية التي بدأت طلائعها مع بداية الصيف لناحية نقص المياه والتمويل لتوصيل المياه أو معالجة مياه الصرف، بإعادة فتح النقاش حول استعادة الملكية العامة للمياه وإعادة النظر في الأولويات، لناحية ضبط الهدر في الشبكات أولاً، ومعالجة مياه الصرف والتلوث ثانياً، والتأكيد على عدالة التوزيع وضبط وترشيد الاستهلاك في القطاعات كافة، لا سيما في القطاع السياحي المخالف أصلاً في معظمه، ومنح الأولوية للشرب على الترفيه في الاستخدامات؟ وبرفع دعاوى على المتسببين بسوء الإدارة والحماية والتوزيع، وسوء الائتمان على إدارة هذه الثروة التي تفوق بأهميتها الثروات التي سلبت من المصارف؟ مع العلم أن بعض الأرقام تشير إلى هدر المليارات من الدولارات على إنشاء السدود السطحية غير الضرورية وسمسراتها وتنفيعاتها… وإلى هدر ما لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار بين عامي 2001 و2020 (بين قروض ومنح) على مشاريع الصرف الصحي المتوقفة بسبب سوء الإدارة والتخطيط أو ضعف التواصل مع الناس والإدارات المحلية، وضعف التمويل والتشغيل والصيانة.

من ناحية أخرى، كتبت "المدن" 

"عم تجي الميّ بس 4 ساعات، ماكسيموم"، هكذا قال موظف من مؤسسة مصلحة مياه بيروت، عندما كان يقطع المياه في رأس النبع، شارع محمد الحوت، علماً أنه أشار إلى أن المياه موجودة وبكميات كبيرة، لكن الكهرباء المقطوعة بشكل مستمر هي العائق الأساسي لحرمان أهالي بيروت من المياه.

هل المياه موجودة؟
أكد مدير عام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، جان جبران، لـ"المدن"، أن المياه متوفرة وبكميات تكفي العاصمة بشكل تام، إلاً أن المشكلة الأساسية متعلقة بالكهرباء التي ليس لها برنامج ثابت. المياه تحتاج إلى كهرباء لضخها، وتحتاج حوالى 8 ساعات لتعبئتها في الخزانات الرئيسية. وبعد التعبئة في المركز الأساسي في ضبية، تتوزّع على المناطق البيروتية.

الكهرباء لا تأتي بشكل متواصل، وحدّها الأقصى 4 ساعات في اليوم تتوزع على ساعتين، وهذا الوقت المحدود غير كافٍ لملء الأنابيب، وبالتالي انقطاع المياه ومحدوديتها.

علاوة على ذلك، أشار جبران إلى صعوبة وضع برنامج كما في السابق، لتحديد موعد انقطاع المياه. إذ قبل أزمة الكهرباء كانت مياه الشفّة متوفّرة لخسمة أيام في الأسبوع. أما اليوم فمن الصعب تحديد موعد موحد.

لا تعتمد مؤسسة مصلحة المياه في بيروت على كهرباء الدولة فقط، إنما مشتركة أيضاً مع مولدات، لكنها لا تلبي الحاجة أيضاً لأن المولد يعمل فقط لسبع ساعات. وحسب جبران، من الصعب تشغيله أكثر من ذلك وإلا يحترق. وأضاف أن سبع ساعات غير كافية لضخ المياه أيضاً لكن تساعد على أقله على ضخها لبعض الوقت.

عن التوزيع والتقنين
كثيراً ما يشتكي معظم أهالي بيروت من شحَ مياه الشفة، أو توزيعها بشكل غير عادل كساعات أكثر لحي دون الآخر أو لمدة أطول. نفى ذلك جبران في حديث مع "المدن"، وأكد أن التوزيع سيكون عادلاً بين كافة المناطق فور ملء الخزان كاملاً في ضبية.

ينتظر سكان بيروت الذين يتغذون من مياه ضبية، ومنها إلى تلة الخياط، ثمّ التوزيع إلى سائر المناطق الأخرى، ضخ المياه لإنجاز المتطلبات اليومية، وهي من أبسط حقوق المواطنين.

وإلى جانب هذا التوزيع "العادل"، حسب جبران، ستعمل المؤسسة أيضاً على سياسة التقنين، خصوصاً أن فصل الصيف بعد أقل من شهر، وله تأثيرات سلبية من شح المياه. علماً أن صخور لبنان الجوفية تخزن كميات كبيرة من المياه، لكن لا تستثمرها الحكومة عبر وزارة الطاقة بالشكل الصحيح. 

قال جبران إن التواصل أسبوعي مع وزارة الطاقة والمياه كما أن التنسيق موجود.

الصيانة الغائبة والفواتير
صيفاً وشتاءً تفيض المياه في شوارع وأحياء بيروت من أغطية الصرف الصحي، حتى أنها تعرقل السير في بعض الأحيان. كشف موظف في مؤسسة المياه، والذي رفض ذكر اسمه، أن أعمال الصيانة غائبة حتى من قبل الأزمة الاقتصادية التي بدأت أواخر عام 2019 ومستمرة حتى اليوم.

لا ينفى مدير عام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، جان جبران، ذلك بشكل كلي، لكنه صرّح أن عمليات الصيانة لا تحدث بشكل معتاد، إلاّ في حال وقوع عطل ما مثل تسرب المياه. ولكن من الصعب كشف ذلك باكراً لأن الأنابيب تحت الأرض.

سبق ووقع انفجار لأنبوب أمام القصر الفرنسي في رأس النبع، وألحق أضراراً مادية، وبقيت الطريق معطّلة عدة أيام ريثما تم تصليحه. ما كان لذلك أن يحدث في حال تمت الصيانة نحو مرتيْن في العام أقله لأن التمديدات قديمة جداً ولم تحدّث منذ فترة وفقاً للموظف.

ويلقي جبران اللوم على المتعهدين الذين يرفضون القيام بأعمال الصيانة، لأنهم يرفضون تقاضي المستحقات بالليرة اللبنانية. كما أنهم يرفضون استلام الشيكات المصرفية لقلة قيمتها، ولا تستطيع مصلحة المياه التعامل سوى بالليرة اللبنانية، لأنها مؤسسة رسمية.

إضافة إلى ذلك، فقطع الغيار المطلوبة في حال طرأ عطل غالية الثمن، ولا تسطيع المؤسسة تغطيتها لأن فاتورة المياه ما زالت بالليرة اللبنانية، فتغطية المصاريف غير ممكنة. لذا، تتجه المؤسسة إلى التواصل مع جمعيات غير الحكومية التي تحاول تأمين هذه القطع وسد الخسائر.

أما فيما يتعلق بدفع الفواتير، فيدور حديث مع وزارة الطاقة والمياه لرفع التعرفة ودولرتها. لكن حتى اليوم لا شيء محسوماً، وما زال الموضوع طور البحث.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا