هل يضع فرنجية ترشيحه بين يديّ بكركي؟
لا يُحسَد رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية على الوضع الذي حُشِر فيه. بعدما كان حجر الزاوية في معركة رئاسة الجمهورية مرشحاً لـ "الثنائي الشيعي"، بات في الزاوية بعد اتساع دائرة التوافق على المرشح المنافس له جهاد أزعور. هذا الأمر يستدعي منه مراجعة شاملة لظروف المواجهة ولقرار استكمال المعركة، كما يستدعي مراجعة أخرى لمن يخوضون هذه المواجهة ضدّه. هل يحرُق فرنجية مراكب العودة أم لديه خيارات أخرى؟
لا يُعقل أن يكون فرنجية مستعدّاً للمغامرة بكل رصيده السياسي بحيث يدخل في مسار لا يمكنه العودة منه، أو لا يكون قد وضع خطة متوقّعة للإنسحاب. منذ إعلان الرئيس نبيه بري أنّه مرشّح الثنائي الشيعي لرئاسة الجمهورية، ومنذ تبنّى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله هذا الترشيح، تبدّلت ظروف كثيرة لا بدّ من أن يأخذها فرنجية بالإعتبار. فهو يكاد يتحوّل حكماً إلى أن يكون السلاح الوحيد الذي يستعمله الثنائي في معركة رئاسة الجمهورية. من دونه لن يملكا خيار اختيار أي مرشح آخر للمعركة.
هل من مصلحة سليمان فرنجية أن يستمرّ أم أن يتراجع؟ هذا هو السؤال الذي عليه أن يبحث عن جواب له وعن قرار يتّخذه بشأنه. قد يكون من الوجوه الإيجابية للمعركة الرئاسية أنّ الخطاب السياسي بين فرنجية ومنافسيه، أو خصومه، بقي تحت السقوف المقبولة من المواقف التي لم تتصعّد إلى حدود التجريح الشخصي أو الهجمات المتبادلة التي تنسف العلاقات من أساسها. على العكس بقي التراشق السياسي محصوراً في ما يتوخّاه الخطاب السياسي من تدعيم وتظهير للمواقع، وهذا ما يمكن البناء عليه في محاولات يمكن أن تحصل لاستيعاب الخلاف وبناء حوار يقوم على قاعدة تأمين ظروف مناسبة لكي يعلن رئيس «تيار المردة» عزوفه عن الترشيح. هذا العزوف يمكن أن يحصل بعد دراسة الموقف من فرنجية ويمكن أن يتمّ من بوابة الصرح البطريركي في بكركي.
هذا الخيار ليس الأول الذي يحصل في مواجهات رئاسية كانت عائلة فرنجية طرفاً فيها ويمكن البناء عليها وأخذ العبر. عام 1952 وبحسب المرويّات السياسية الرئاسية، نام حميد فرنجية رئيساً للجمهورية بعد الثورة البيضاء التي أسقطت الرئيس بشارة الخوري. ولكن هذا الأمر لم يمنعه من الإنسحاب لمصلحة التوافق الذي تمّ على انتخاب منافسه كميل شمعون رئيساً من دون أن ينقص هذا الأمر من رصيده الشخصي كأحد أبرز الوجوه المارونية وأحد أبرز وزراء الخارجية، وقد تولّى هذه الوزارة في عهد شمعون في حكومة الرئيس سامي الصلح عام 1955.
على رغم الخلاف الذي حصل مع شمعون عام 1958 ولجوء الرئيس سليمان فرنجية إلى سوريا، بعد أحداث مزيارة في حزيران 1957 واعتكاف شقيقه حميد، وتولّيه الزعامة العائلية والزغرتاوية، التقى فرنجية مع شمعون في انتخابات 1970 التي أوصلته إلى سدّة الرئاسة في تعويض سياسي كبير عن جولة انتخابات 1952. بين الإستحقاقين ظهر أن لا أبواب مقفلة في السياسة وأنّ طريق العودة عن خيارات مستحيلة لا بدّ من أن تبقى مفتوحة. وهذا ما يمكن أن يعتمده رئيس «تيّار المردة» اليوم.
ليست المرة الأولى التي يواجه فيها فرنجية استحقاق الرئاسة. وليست المرة الأولى التي يمكن أن لا تخدمه فيها المصالح والتحالفات. إذا كانت المنافسة اليوم مفهومة مع من يعتبر أنّه لا يتلاقى معهم في «الخط الوطني» الذي اختاره، فإنّ التراجعات السابقة حصلت مع حلفائه المفترضين. فلماذا يقبل التراجع هناك ولا يفكّر بالتراجع هنا؟
كان يجب أن يقطف ثمرة الرئاسة في ظلّ عهد الوصاية السورية التي كان يستطيع فيها رئيس النظام السوري حافظ الأسد، أولاً ثم بشّار، أن يعيّن الرئيس تعييناً. هذا الأمر لم يحصل لا في استحقاق العام 1989 عندما انتخب النائب الياس الهراوي خلفاً للرئيس المغتال ابن زغرتا رينيه معوض، ولا عام 1995 عندما تمّ التمديد للهرواي. وإذا كان من الممكن القول إنّ فرنجية لم يكن مهيأً للرئاسة وقتها، فلماذا لم يكن خيار النظام السوري عام 1998 عندما تمّ اختيار قائد الجيش العماد أميل لحود؟ أو في استحقاق انتخابات 2004 عندما تمّ التمديد للحود على رغم صدور القرار 1559 الذي دعا إلى احترام الإستحقاقات الرئاسية وانتخاب رئيس جديد، وعندما اعتبر بشار الأسد أنه في ظل تلك الأجواء لا يمكن المغامرة بالتغيير وأنه جرّب لحود وسيكمل معه. لماذا لم يجرّب مع فرنجية؟
في الإستحقاقين لم يحرّك فرنجية ساكناً تجاه استبعاده وارتضى أن تستمر اللعبة السياسية كما هي مكتفياً بالأدوار التي تولاها. كان عليه أن يواجه مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 فلجأ إلى التحالف مع «التيار الوطني الحرّ» والعماد ميشال عون. بعد أعوام وجد نفسه أنّه يدفع ثمن هذا الخيار ولكنّه لم يجد حرجاً في الخروج منه. هذا الحرج لا يمكن أن يكون أكبر من الحرج الذي يمكن أن يمثّله له الإنسحاب من معركة رئاسة الجمهورية التي لم يعد من مصلحته الإستمرار فيها.
لم يقتصر التخلي عنه على الجانب السوري بل انتقل إلى «حزب الله». عام 2008 اختار «الحزب» بعد غزوة 7 أيار، وبعد تفاهم الدوحة، أن يمشي بخيار قائد الجيش العماد ميشال سليمان. وبعد سليمان اختار أن يتمسّك بخيار ميشال عون. عندما تفاهم «الحزب» مع عون في 6 شباط 2006 انتقل فرنجية إلى الخطوط الخلفية وتقدّم عليه عون، ولم يكن «الحزب» يخجل بهذا التغيير. ولذلك ضاعت عليه فرصة الرئاسة عام 2015 عندما عرض عليه مثل هذا الأمر الرئيس سعد الحريري. وقتها أخذ عليه «الحزب» أنه تخطّاه وحاول أن ينسج صفقة من وراء ظهره، وأنّه لا يجوز أن يعطيه علماً بذلك وهو في طريقه إلى باريس للقاء الحريري.
في استحقاق 2022 بعد انتهاء ولاية الرئيس عون بطريقة كارثية دراماتيكية لاحت فرصة استعادة فرنجية للموقع الذي أفلت من بين يديه أكثر من مرة. كانت ظروف تبنّي الثنائي الشيعي لترشيحه ابتدأت بقوة ولكنّها تبدّلت بعد ثمانية أشهر بشكل دراماتيكي. كان رهان الثنائي أن يؤمّن له ظروفاً مناسبة لوصوله إلى قصر بعبدا من خلال تعطيل النصاب لانتخاب المرشح المنافس له النائب ميشال معوض واستخدام الوقت الضائع لتأمين أكثرية نيابية مؤيّدة له، من ضمن نظرية استقطاب المتردّدين، وانتصار المحور الذي ينتمي إليه في المنطقة، والإتفاق السعودي الإيراني، وعودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية من البوابة السعودية، ولكن اللعبة ذهبت في الإتجاه المعاكس تماماً.
كان فرنجية يواظب على الإطلالات الرئاسية من البطريركية المارونية في الديمان أو في بكركي. ولكن بكركي، التي لم يكن لها موقف معارض معلن لترشيحه، صارت في موقع آخر بعد الإتفاق الواسع بين تيارات المعارضة و»التيار الوطني الحر» على تبنّي ترشيح جهاد أزعور، وبعدما أعلن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنّ هذا الأمر بُحث معه في الفاتيكان وفي باريس، وأن الخيار الآخر بات في الواجهة في المواجهة الرئاسية.
لا شك في أنّ فرنجية يأخذ هذه التطورات بالإعتبار. لا يمكن أن لا يكون بحثها مع معاونيه في الإطار الضيق لتياره السياسي ومع النواب الثلاثة الذين مشوا معه، وليم طوق، وفريد الخازن وميشال المر. كما لا يمكن أن يكون هؤلاء النواب الثلاثة في حالة إنكار لأهمية التطورات التي حصلت والتي توجب عليه مراجعة مواقفه المؤيدة للثنائي الشيعي ولاستمرار ترشّح فرنجية. السؤال الذي يجب أن يردّ عليه فرنجية هو حول ما إذا كان استمراره في المعركة يعطيه فرصاً أكبر سياسياً ورئاسياً أم يفقده ما تبقى له من رصيد ظهر بشكل واضح أنّه في حال تراجع في انتخابات 15 أيار 2022 عندما قال بعفويته «ظمطنا بريشنا».
إذا كان خيار التراجع وارداً عند فرنجية يجب أن تكون هناك مبادرة مقابلة. لا يمكن انتظار أن يخرج هذا القرار من بنشعي بكل هذه البساطة. لا بد من تمهيد قد يكون من الأنسب أن تتولّاه بكركي من خلال التواصل المباشر معه ودعوته إلى أن يضع تراجعه وعزوفه عن الترشح بين يدي البطريرك الراعي. فليس المطلوب البحث عن هزيمة كاملة أو انتصار كامل. فلا تلك ممكنة ولا ذاك ممكن. يستطيع فرنجية أن يستمرّ في خطه الرئاسي من خلال المشاركة في تعطيل النصاب إذا دعا الرئيس بري إلى جلسة انتخاب سواء من الدورة الأولى أو من الدورة الثانية. ولكن ماذا سيربح من هذا التعطيل؟ الجلسة إذا حصلت ستظهر أنه بات وحيداً في ملعب الآخرين الذين يدعمونه حتى ولو لم يحصل منافسه جهاد أزعور على أكثرية حاسمة تتخطى الـ65 صوتاً.
في خلال مساره الرئاسي لم يظهر فرنجية أنه يريد أن يكون مرشح تحدٍّ، وبقي يبحث عن توافق عليه يمرّ عبر بكركي أو عبر أي طرف مسيحي آخر. هل يمكن أن يبقى في المعركة عندما باتت هذه الإنتظارات شبه مستحيلة؟ ربما آن الأوان لاتخاذ القرار الكبير بدل الإستمرار في لعب الدور الصغير
نجم الهاشم - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|