عربي ودولي

لماذا يفوز أردوغان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على مدى عشرين عامًا متتالية، لم يتوقف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن الفوز بالانتخابات، وهو الفوز الذي مكّنه من البقاء قابضًا على مفاصل السلطة في بلاده طيلة هذه الفترة، رغم ما اكتنفها أحيانًا من مشكلات وأزمات. وفى فوز أردوغان الأخير بالانتخابات الرئاسية ما يستدعى الفحص والدرس، خاصة أن تركيا تواجه مشكلات حادة وعميقة على صعد الاقتصاد والسياسة والاتساق الاجتماعى، كما يبدو الوضع الداخلى في حالة انقسام واضحة، عشية ولاية رئاسية جديدة، وصفها بعض النقاد بأنها قد تكون بمنزلة «مستنقع» للرئيس ولحزبه. يحلو لكثير من نقاد أردوغان الحديث عن «ديكتاتوريته»، وتعلقه العميق بالسلطة، وبذل كافة المحاولات الممكنة للتحايل على القواعد الدستورية والقانونية للبقاء في سدة الحكم، لكن هذا الأمر لا يقدم التفسير الكافى لحصده القدر اللازم من الأصوات في كل انتخابات تنافسية خاضها، رغم توافر قدر مناسب من ضمانات النزاهة الإجرائية والصيغة التنافسية.

وفى محاولة تفسير هذه القدرة التي انطوت عليها الآلة الانتخابية الأردوغانية، سيمكن الركون إلى النظريات الرئيسية الثلاث التي تحكم خيارات الجمهور التصويتية في المجتمعات المختلفة. وأما النظرية الأولى؛ فتختص بالبعد الشعبوى لدى الرئيس التركى، حيث ظهر مفهوم الشعبوية مبكرًا في كتابات أفلاطون وتلميذه أرسطو، باعتبارها أيديولوجية أو فلسفة سياسية، تستخدم خطابًا ديماجوجيًا، يتوجه إلى الطبقات الأدنى في الشعب، وتعتمد آليات جدل سياسى، يلعب على عواطف الجماهير، ويداعب نزعات الخوف، ويعد بتحقيق النصر والفخر والسعادة، من خلال هجوم حاد على المنافسين، وتحميلهم المسؤولية كاملة عن الصعوبات التي تعانى منها الجماهير المطحونة والأكثر تأزمًا.

ووفق ما يقوله الباحث المرموق بول لازرفيلد، فإن النظرية التي يستفيد منها القادة الشعبويون تُسمى بـ «النموذج الاجتماعى» Sociological Model of Voting Behavior، حيث تتحكم عوامل اجتماعية في خيارات الجمهور التصويتية؛ مثل الطبقة، والدين، والعرق، واللغة، والوظيفة.

وحينما تكون الأولويات المثارة على المستوى الوطنى تتعلق بمخاوف من فقدان العمل، أو تراجع في المستوى الاقتصادى والاجتماعى، أو تحديات ذات طابع دينى، أو مخاوف ذات طابع عرقى، فإن الجماهير المأزومة تبحث عن مُخلص، يعد بتجاوز تلك العوائق.

هذه النظرية يمكن أن تفسر قدرة القائد الشعبوى على الفوز بالانتخابات، لكنها لا تفسر قدرته على البقاء في الحكم، وتحقيق بعض الإنجازات، ثم العودة للفوز مجددًا. وهنا ستظهر النظرية الثانية التي طورها الباحث «كامبل»، وتُسمى بـ «الخيار النفسى» Psychological Theory، والتى تركز على أهمية الأبعاد النفسية للمصوتين أكثر من الأبعاد الاجتماعية؛ مثل هوية الحزب الذي ينتمى إليه المصوت، والإطار الفكرى الذي يحكم خياراته، والتاريخ العائلى للانتماء السياسى له.

وفى هذا الصدد، فإن الجماهير التي ترتبط تاريخيًا بحزب يمينى عادة ما تذهب إلى مرشح اليمين، بصرف النظر عما إذا كان يقدم لهم حلولًا لمشكلاتها، أو يظهر قدرات ومهارات سياسية كافية لكى يفوز بثقتها، وهو أمر يفسر إعطاء الكثيرين من أنصار «العثمانية الجديدة» و«المجد الدينى» أصواتهم لأردوغان، رغم معرفتهم بما يرشح أحيانًا عن عطب الآلة الحاكمة، وظهور حالات فساد فيها.

وبموازاة هاتين النظريتين، ستظهر النظرية الثالثة، وهى نظرية تختص بسلوك الجمهور الأكثر وعيًا وتعليمًا. وتُسمى تلك النظرية، التي طورها الباحث أنتونى دونز، بـ «الخيار الرشيد» Rational Choice Theory، وهى تعتبر أن المصوتين جماعة من العقلانيين، الذين يتخذون قراراتهم السياسية استنادًا إلى تشخيص موضوعى لحاجاتهم، وأهدافهم، وخصوصًا في المجال الاقتصادى. ولا يهتم أصحاب «الخيار الرشيد» كثيرًا بحديث المخاوف، ومداعبة الغرائز، ودغدغة العواطف، ولا يحفلون بالطبقة التي ينتمون إليها، ولا بالحزب الذي صوتوا له في الانتخابات السابقة، ولا بوضعهم العرقى، أو اللغوى، أو الاجتماعى، أو المنطقة التي ينتمون إليها جغرافيًا، لكنهم يهتمون بتقييم الأداء على الأرض، وبقدرة القائد أو الحزب المنتخب على تحقيق الإنجاز.

من يدرس حملة أردوغان الانتخابية الأخيرة، وقبلها عديد الحملات التي نظمها هو وحزبه في استحقاقات انتخابات مختلفة، سيجد أنه صنع مزيجًا مناسبًا لمخاطبة الواقعين تحت تأثير النظريات الثلاث؛ فهو قدم لأنصار الشعبوية ما يحبونه عبر التأكيد على مشاعر القلق والاستهداف والفخر. وقدم لأنصاره التقليديين فرصة الاستمرارية، باعتباره حامى حمى الدين والتقاليد، والقادر على تكريس سلطة حزبه واستدامتها. كما استطاع التأثير في بعض أصحاب «الخيار الرشيد» بسلسلة من الإنجازات المادية، التي تحققت، ويصعب جدًا إنكارها، على مدى سنوات حكمه الطويلة.

لهذه الأسباب مجتمعة، يفوز أردوغان عادة في الانتخابات.

نقلا عن المصري اليوم

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا