هل التطبيع السعودي-الإسرائيلي يستحق العناء؟
"إن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية أكبر من أن تفشل". من الواضح أن ما سبق يمثل عقلية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. ويتوجه وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى العاصمة السعودية الرياض، هذا الأسبوع، بعد زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى البلاد الشهر الماضي، لاجتذاب شريك إشكالي.
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، "إن التطبيع الكامل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية سيكون إنجازًا دراماتيكيًا، لكن ليس بالقدر الذي قد يعتقده الكثيرون. يجب على واشنطن أن تكون حذرة للغاية بشأن نوع التأكيدات والإغراءات الأخرى التي تقدمها لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي يشير تواصله الأخير مع الصين وروسيا إلى أنه لم يعد خاضعًا لإدارة بايدن. ويبدو في هذه الأيام أن المملكة العربية السعودية أصبحت في كل مكان. من الواضح أن إدارة بايدن قد لاحظت ذلك من خلال دفء العلاقات وقمع أي مخاوف لديها في مجال حقوق الإنسان. ومهما كانت آراء الرئيس الأميركي الشخصية عن بن سلمان، فإنه يحتفظ بأفكاره لنفسه، فقد ولت منذ زمن طويل الأيام التي تعهد فيها بجعل المملكة العربية السعودية دولة منبوذة".
وتابعت المجلة، "قررت الإدارة الأميركية أنها ببساطة لا تستطيع أن تستبعد الحاكم السعودي الفعلي، وهناك بعض الأسباب الوجيهة لذلك. فلا تزال المملكة العربية السعودية أهم منتج متأرجح في سوق النفط العالمية، ويبدو أنها تبحث عن مخرج من اليمن عبر ترتيب مع الحوثيين يمكن أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار. والمثير للدهشة أن ولي العهد رحب حتى بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير في جدة بالمملكة العربية السعودية، حيث انتقد الزعيم الأوكراني دول الخليج لعدم دعمها أكثر. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن المملكة العربية السعودية لم تعد تشعر بأنها مقيدة بمدرسة واشنطن للدبلوماسية "إما أن تكون معنا أو ضدنا"، فقد قام بن سلمان بتحسين العلاقات مع بعض أكبر خصوم الولايات المتحدة - وبالتحديد إيران والصين - بالإضافة إلى الرئيس السوري بشار الأسد وحركة حماس".
وأضافت المجلة، "ومن ثم هناك إسرائيل واتفاقيات إبراهيم، ويمثل انضمام المملكة إلى هذه الاتفاقيات الجائزة الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة. إلا أن اتفاق التطبيع الكامل لا يزال بعيد المنال. لأكثر من عام الآن، كانت هناك تقارير عن مناقشات أميركية سعودية حول ما تريده الرياض من واشنطن إذا قررت المضي قدمًا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن الأمور أصبحت مؤخرًا أكثر تركيزًا. في خطاب ألقاه الشهر الماضي، تحدث سوليفان بصراحة عن هذا الهدف. وبعد فترة وجيزة، سافر إلى جدة للقاء بن سلمان وأثار إمكانية إبرام اتفاق قبل نهاية العام، ومن ثم أطلع المسؤولون الأميركيون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على نتائج اجتماع سوليفان".
وبحسب المجلة، "من غير المعروف حتى اللحظة ما الذي يدفع الولايات المتحدة إلى القيام بهذه الخطوة وبهذه السرعة. ربما في أعقاب توسط الصين في انفراج بين إيران والمملكة العربية السعودية، تريد إدارة بايدن إثبات أنه لا يزال لديها دور فريد تلعبه في المنطقة. كما أن التوسط في اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي سيكون مفيدًا سياسيًا لبايدن محليًا، خاصةً مع اقتراب الانتخابات. لكن الطريق إلى اتفاق التطبيع مليء بالعقبات. العقبة الأولى هي حسابات المملكة العربية السعودية الخاصة حول ما إذا كانت ستتخذ مثل هذه الخطوة ومتى، اذ يفضل بن سلمان التعامل مع زعيم مختلف عن بايدن. الثانية، هناك أيضا مسألة الخلافة السعودية. فبن سلمان ليس الملك، رغم أنه يتخذ العديد من القرارات الرئيسية. أما والده، الملك سلمان، فلديه نظرة أكثر تقليدية لإسرائيل والتزامًا أقوى بالقضية الفلسطينية من ولي العهد".
وتابعت المجلة، "ثالثاً، يتمثل دور المملكة ومكانتها في العالم العربي والإسلامي كخادم للحرمين الشريفين في مكة والمدينة، بالإضافة إلى ثروتها الرائعة ودعمها لقضايا المسلمين في كل أنحاء العالم. هذا هو السبب في أن الاعتراف بإسرائيل سيكون بمثابة تطور غير عادي. هناك أيضا قضية الانفراج الأخير بين السعودية وإيران. إن القلق من أن يؤدي انضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم من شأنه أن يقوض ضبط النفس الإيراني الضمني من خلال عرقلة التقارب الذي توسطت فيه الصين بين الرياض وطهران وجعل إيران تشعر بالعزلة. وأخيرًا، هناك سؤال حول ما إذا كان محمد بن سلمان يطلب الكثير من الولايات المتحدة".
وبحسب المجلة، "لطالما كان التطبيع الرسمي بين إسرائيل والسعودية هدفًا أميركيًا طويل الأمد، وإذا كان هناك احتمال جاد لتحقيق ذلك، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة ستتابع الأمر. ومع ذلك يبقى السؤال، هل يستحق التطبيع السعودي الإسرائيلي العناء؟ وما الذي يجب أن تكون واشنطن مستعدة لدفعه مقابل ذلك؟ وما الذي يجب أن تحصل عليه في المقابل؟ إن المملكة العربية السعودية وإسرائيل حليفان ضمنيان ضد إيران، حتى لو كانت المملكة تسعى حاليًا إلى انفراج مع طهران. علاوة على ذلك، تعمل كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل على تنويع ملفات سياستهما الخارجية، كما وقد أظهر كل منهما استقلاله المتزايد عن الولايات المتحدة. لن يغير دخول السعودية في اتفاقيات إبراهيم هذا الاتجاه، الذي هو نتيجة لتغيير المصالح من جانب جميع اللاعبين، بما في ذلك الولايات المتحدة. كما أنه لا يعني أن الرياض ستقلص بلا هوادة علاقاتها مع الصين وروسيا وتلزم نفسها بواشنطن. تلك الأيام قد ولت".
وتابعت المجلة، "في هذا العالم الجديد، تضاءلت الأهمية الاستراتيجية لاتفاق رسمي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. لن يؤدي الاتفاق إلى تغيير مادي في التوازن العسكري مع إيران. كما ولن يغير الاتفاق الإسرائيلي السعودي مسار العلاقات الأميركية مع أي من الدولتين. يعيدنا هذا إلى السؤال حول المبلغ الذي يجب أن تدفعه الولايات المتحدة حتى يتم إتمام الصفقة. أما الإجابة فهي أن أميركا مستعدة لدفع القليل، وذلك في ما يتعلق بالأسلحة المتقدمة، والوصول غير المقيد إلى التكنولوجيا النووية الأميركية، والضمانات الأمنية التي يطلبها السعوديون. كما وأنه من غير المرجح أن يتم تقديم ضمان أمني من النوع الذي يسعى إليه محمد بن سلمان".
وأضافت الصحيفة، "ماذا تتوقع الولايات المتحدة أن تحصل عليه مقابل سخائها؟ هناك تلك المكاسب السياسية المفترضة لنجاح بايدن في التوسط في صفقة، ولكن حتى في انتخابات قريبة لن تكون ذات أهمية كبيرة. من المفترض أن تطلب واشنطن رؤية أكبر للعلاقة السعودية الصينية المزدهرة على أساس فرضية "عدم المفاجآت"، ومن المؤكد أنها ستطالب بضمانات أمنية مشددة لأي عمليات نقل عسكرية أو تقنية. كما ويمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تطلب من المملكة أن تأخذ الأسهم الأميركية في الاعتبار ضمن إطار عمل أوبك +، وكذلك أن تطلب تنسيقًا إسرائيليًا سعوديًا أوثق بشأن المسائل المتعلقة ببرنامج إيران النووي".
وتابعت الصحيفة، "لكن الضمان الأمني ليس بالأمر السهل، ولهذا السبب هو الشيء الوحيد الذي يطلبه محمد بن سلمان منذ أن تولى بايدن منصبه. لن تمنح واشنطن الرياض تعهدًا صارمًا بالدفاع عن المملكة بالقوات الأميركية في حالة مهاجمتها. كما أنه من غير المحتمل أن يقبل السعوديون المسؤوليات المتبادلة التي قد تفرضها مثل هذه الضمانة، مثل المساعدة في توجيه ضربة أميركية ضد إيران أو الحد من علاقاتها مع الصين. ربما الرياض مستعدة لقبول شيء أقل من ذلك بكثير. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنه لا يوجد أي شيء آخر يحتاجه بن سلمان من الولايات المتحدة لم يحصل عليه بالفعل أو لا يمكنه الحصول عليه في أي مكان آخر. أما ما تحتاجه واشنطن من الرياض فلن يكون سهل المنال".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|