أول تواصل بعد سقوط النظام.. ماذا قصد الشرع بتزكية ترشيح قائد الجيش؟
9 طلقات نارية أودت بحياة سحر وتريز في جزين... من يُوقف هذا المسلسل الوحشي؟
تسيطر حالتا صدمة واستنكار بعد الجريمة الوحشية التي هزّت منطقة جزين والمجتمع اللبناني ككل. منذ الأمس، تتوالى الروايات والفرضيات في محاولة لفهم حيثيات الجريمة التي أودت بحياة سيدة ووالدتها برصاص الزوج الذي انتحر، ولكن ما الجدوى من الانفعال والاستنكار من دون معالجة أسباب المشكلة؟
أصبح لكل جريمة مبرراتها، يسارع البعض الى التخفيف من وطأتها تحت ذرائع جاهزة منها "الضغوط الاقتصادية"، "مشاكل نفسية" أو "جريمة شرف". لم نتوقف عند أي من الجرائم الأخيرة للبحث في حقيقة ما تحمله من علامات خطيرة، وأن لا شيء يُبرر هول ما حصل. ليس علينا أن نركز فقط على النتيجة المأسوية التي خلّفتها الجريمة، بل بالدوافع والأسباب لمعالجتها منعاً لتكرارها كما يحصل مؤخراً.
كيف نحدّ من هذه الجرائم إذا لم نتابعها وننشر المستجدات القضائية ونرفع الصوت عالياً على خطورة الواقع اللبناني؟ كيف لنا أن نرفق الجريمة بمسببات تخفيفية كالضغوط الاقتصادية من دون السعي إلى إيجاد حلول ومطالبة المعنيين بالبحث عن مخرج للأزمة المعيشية؟ كيف نقارب موضوع الانتحار ونحصي الضحايا من دون الوقوف بحزم لوقف هذا المسلسل المستمر وفرض خطة طوارئ تعالج مسألة الانتحار والاكتئاب في لبنان؟
لم يعد جائزاً نقل الخبر من دون المطالبة بحلول وسن القوانين التي تحمي المرأة لسد الثغرات الاجتماعية والبحث عن وسائل داعمة ومساعدة حتى لا تتكرر الجرائم وتصبح "متل شربة المي".
علمت "النهار" من مصادر في جزين أن" الضحية سحر كانت تنوي الانفصال عن زوجها نتيجة المعاملة السيئة والتعنيف المستمر بحقها. وقرر شقيقها الكاهن إرسال والديها للسكن معها لحمايتها خوفاً من أن يتعرض لها زوجها. وقد تكون الجريمة ردة فعل بعد أن أبلغته سحر بقرار الانفصال، فقرر إنهاء حياتها وحياة والدتها ومن ثم حياته".
لا شيء يُبرر فعلته الشنيعة، لاسيما أن طريقة القتل كانت وحشية وقاسية حيث اخترقت 4 رصاصات جسد حماته، في حين تلقت سحر 5 رصاصات مختلفة في بعض أنحاء جسمها، ما يكشف مدى الإجرام والغضب والانتقام منهما.
وفي هذا الصدد، يشرح الطبيب الشرعي الدكتور عفيف خفاجة الذي كشف على الجثث لـ"النهار" أن "مسرح الجريمة كان غرفة النوم حيث تلقت تريز الحايك والدة سحر 4 طلقات من المسدس وجميعها خرجت من جسدها. وكان تصويب الطلقات مختلفاً حيث اخترقت رصاصتان الكتفين والصدر ورصاصة خرجت من الظهر كانت هي القاتلة وأخرى في فخدها الأيمن".
أما الضحية سحر فكانت "مصابة بـ5 رصاصات، واحدة في ساعدها الأيسر، والثانية بين ذراعها الأيسر وظهرها وخرقت صدرها والثدي، والثالثة في الثدي الأيمن وبقيت مستقرة في القفص الصدري والأخيرة أصابت يدها اليمنى".
وبعد ارتكاب جريمته الشنيعة، أقدم ربيع فرنسيس على الانتحار أمام ابنه حبيب وعمه.
ويشير خفاجة إلى أننا "نجهل وضعه النفسي ولكن على ما يبدو أنه كان ينفذ مخططاً معيناً، وحدها التحقيقات ستكشف ملابسات ما جرى والدوافع الأساسية لارتكاب هذه الجريمة".
في سياق ذلك، أصدرت عائلة الضحيتين تريز الياس الحايك وابنتها سحر داغر بياناً استنكرت فيه الجريمة المرّوعة التي أودت بحياتهما في منطقة جزين، وشكرت كل الذين اتصلوا بالعائلة لتقديم التعازي والمواساة وتدعوهم للصلاة لراحة نفس الضحية، وتعلن ترك القضية للقضاء المختص.
كانت الضحية سحر تعمل في مدرسة في "دير مشموشي"، كما تعمل مدربة رياضية خاصة في ناديين رياضيين. وكانت في الفترة الأخيرة تتلقى خلال صفوفها الرياضية اتصالات مستمرة، وأحياناً كان يسمع المتدربون قبل دخولها إلى الصف مشادات كلامية على الهاتف، لم تكن تشكو لأحد ما تعانيه أو يظهر عليها أي علامات حزن أو قلق، إلا أنها أعربت للجيران عن مخاوفها من أن يقتلها زوجها. ومع ذلك لم تطلب المساعدة من أحد.
كانت سحر سعيدة بابنها حبيب الذي سافرت معه ليشارك في بطولة رياضية، وبرغم من كل العروض التي وصلتها للانتقال إلى الخارج، إلا أنها رفضت لتبقى إلى جانب أولادها ولاسيما ابنتها التي ما زالت صغيرة (12 عاماً). كانت نموذج المرأة المتفانية في منزلها وعملها ووطنها، هي التي كانت رئيسة مركز حزب القوات اللبنانية في بلدة عازور.
روايات مختلفة رافقت جريمة جزين، إذ يؤكد رئيس البلدية يوسف عازوري لـ"النهار" أنه "لم يكن هناك خلافات سابقة بين الزوجين، وأن الوضع الاقتصادي المتردي كان الهم الأكبر الذي يطغى على حياة ربيع فرنسيس".
وكما يقول عازوري "القلّة بتعمل نقار"، وهو لم يكن على علم بوجود خلافات بين الزوجين سابقاً ولكن لا أحد يعلم ما الذي دفعه إلى ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة. ولكن يبدو أن المنشور الأخير الذي نشره على صفحته كان بمثابة وداع قبل أن يقدم على فعلته".
فهل كان ربيع يخطط عن سابق إصرار وتصميم لارتكاب جريمته؟ حسب ما روى البعض عن ابنهما البكر حبيب أن "والده سلمه قبل ليلة من الجريمة كيساً يحتوي مالاً له ولإخوته"، وإذا صح قوله، فهذا يعني أن ربيع كان يفكر جدياً في تنفيذ مخططه في القتل.
كان حبيب ما زال قيد التحقيق بالأمس لأخذ أقواله وإفادته، خصوصاً أنه كان حاضراً وشاهد مسرح الجريمة قبل أن ينهي والده حياته أمام عينيه. كان باب الغرفة مقفلاً وحاول خلعه من دون أن ينجح في بادئ الأمر ليتفاجأ بالكارثة التي وقعت. سيكون من الصعب عليه أن يحذف تلك المشاهد القاسية من ذاكرته، بعد أن رأى والدته سحر وجدّته تريز جثتين مضرجتين بالدماء، في حين قرر والده إنهاء حياته بطلقة نارية أمامه دون أن يتمكن من ردعه.
خُتم مكان الجريمة بالشمع الأحمر بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي في جنوب لبنان القاضي رهيف رمضان لاستكمال التحقيق.
فرضية قتل سحر بسبب طلبها الانفصال يُعيد إلى الأذهان المنطق الذكوري السائد وتعاطي بعض الرجال مع المرأة على أنها ملكية خاصة.
وفي استعادة لحالات القتل الأخيرة، نجد أن القتيلات هنّ مطلّقات، والقتَلة هم أزواجهنّ السابقون. وتوضح الناشطة النسوية، والمديرة التنفيذية لـ "المختبر النسوي – نقطة"، عليا عواضة، في حديث سابق لـ"النهار" بأن "جرائم القتل بعد الطلاق تكشف عقلية بعض الذكور الذين يحاولون السيطرة على حيوات النساء، وكلّ ما يتعلّق بهنّ. وعليه، عندما تتّخذ السيدة قرار الطلاق والخروج من دائرة العنف أو الدائرة غير المريحة التي كانت تعيش فيها، وتحاول البحث عن استقلاليّتها وبناء حياتها من جديد، لا يتقبّل الرجل الموضوع، ويحاول استرجاع سلطته حتى لو كلّفه الأمر حياة طليقته".
وترى أن "موضوع الإفلات من العقاب في جرائم قتل النساء يتّخذ منحى التبرير منذ إلغاء جريمة الشرف في لبنان. ونحن نشهد على محاولة اللجوء إلى أساليب أخرى لتبرير هذه الجرائم. والأهم تخفيف العقوبة على القاتل الذي يكون في أغلب الأحيان من أفراد عائلتها (زوجها - طليقها - شقيقها – والدها).
كما تلاحظ عواضة أنه "في السنوات الأخيرة باتوا يلجؤون إلى سببين أساسيّين للتخفيف من العقوبة، أوّلهما نوبة الغضب، لأن إحدى موادّ قانون العقوبات تنصّ على تبرير جريمة القتل في حال القيام بها خلال نوبة غضب، وبالتالي يتمّ تخفيف الحكم. أما السبب الثاني فيتمثل بالاضطرابات النفسية التي يكثر اللجوء إليها في الآونة الأخيرة".
توالت ردود الأفعال المستنكرة لما جرى في جزين، كانت سحر شخصاً مناضلاً ومتفانياً في بيته كما في عمله. ويؤكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب سعيد الأسمر حيث كانت الضحية تعمل رئيسة مركز القوات في بلدة عازور، أنه "لم تعرف بعد دوافع هذه الجريمة النكراء، ومما لا شك فيه أن هذه الجريمة هزت جزين والرأي العام، مخلفةً وراءها 3 أولاد. ولكن بغض النظر عن الأسباب لا يحق لأي شخص أن ينهي حياة شخص آخر أو حياته، ويُيتّم عائلات مفجوعة على هذا الرحيل القاسي".
اختلفت الفرضيات والروايات ولا شيء حاسماً حتى اللحظة، لكن برأي الأسمر "أنه لا يحق لأحد مهما اشتدت الظروف الصعبة أن يسلب حياة شخص آخر أو حياته بهذه الطريقة، وهناك دائماً حلول يمكن اللجوء إليها لمعالجة المشاكل والتعامل معها".
ويصف الأسمر سحر بأنها "مثال للمرأة المناضلة والنشيطة والعاملة في سبيل وطنها وعائلتها. فهي كانت تربي أولادها وتقوم بواجباتها الوطنية والسياسية وكانت تسعى جاهدة إلى البحث عن أي عمل إضافي قادر على أن يمد عائلتها بالعون والمساعدة لتخطي هذه المرحلة الصعبة. كانت دائمة الابتسام وقريبة من الجميع، برغم من كل المآسي الاجتماعية، وكانت تضحي في سبيل عائلتها ووطنها من أجل الصمود".
وعن تخوفه من زيادة هذه الجرائم في لبنان، يشير إلى أننا "نشهد على جرائم قتل وانتحار، وهذا ما يستدعي التنبه الشديد والعمل على تكثيف التوعية خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي أدت إلى هذا الإحباط واليأس عند الناس. ندعو إلى طلب المساعدة لأن الحل لن يكون بسلب حياة الآخرين أو حياة الشخص نفسه بل بالحديث عما يعترينا والوقوف إلى جانب بعضنا بعيداً عن الطائفية والسياسية".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|