الصحافة

لبنان ليس كلمة تخفيها ممحاة بطرف قلم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مقدّمة:
ينتظر اللبنانيون وأياديهم على قلوبهم وكأننا في الـ 1975 أوالـ 2005 والحروب والهواروين والخطف والقتل والإغتيالات على الأبواب. ما هذه الشعوب المسكونة بما لست ولن تدري. بعيداً من هنا نقول بأنّ لبنان ليس كلمة يمكن محوها بإنتخابات نيابية أو عدمها أو بانتخاب رئيس أو عدمه. لبنان ليس مصرفاً ولا حاكماً لمصرف لبنان وهو ليس حكومة وحزباً ولا مقهى ولا مرقصاً ولا كنيسة وهو ليس بندقية أو مدفعاً أو لا النافية للجنس والشعب والوطن والزمان بمستقبله وماضيه.


نعم لن يُمحى لبنان ولن يُمحى اللبنانيون إذا ما امّحت المصارف التي انزلفت متواطئة مع السياسيين على محو كرامات اللبنانيين وودائعهم ومستقبلهم عن وجه الأرض!
هذا هراء لبناني سخيف.
الموضوع:
يصعب تقدير الميزانية التي رصدتها المصارف اللبنانية حصريّاً لتلفزيون الـ MTV اللبنانية للترويج الإعلاني بأنّ حياة لبنان وبقائه مرتبط، بالرغم من الإنهيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والصحية والتربوية بقطاع المصارف تحديداً الذي لا يمكن ولا يجب أن ينهار.
كيف ولماذا؟
كلّفت، خصيصاً لهذا المقال، عدداً من طلاّبي الجامعيين بدراسة سريعة طرحوا فيها هاتفيّاً سؤآلاً واحداً على عينة من 50 لبنانية ولبناني يتابعون بانتظام الـ MTV وطلبوا منهم إن كانوا يتذكرون نص شعار الإعلان القائل أنّ "انهيار القطاع المصرفي بيمحي لبنان"(بالعامية). لم يتذكّر أحد منهم الشعار حرفيّاً. تذكّروا "محو لبنان" أوّلاً باستغراب ثابت وانتقاد للإعلان ثمّ تذكّروا "انهيار المصارف" بهزء وحقد وشتائم.
حفر هذا الربط بين امّحاء لبنان وانهيار المصارف في أذهان المشاهدين ويستمرّ بثه إعلاناً قويّاً يتكرر يوميّاً وكأنّه خشبة الخلاص عندما يبدأ بالسؤآل:
-"هل تدمير القطاع المصرفي هو الحل؟"
-"طبعاً لا. هو الضمانة الوحيدة لبقاء البلد، لأنّ انهيارو بيمحي لبنان". كلمات بالعامية تهزّ السامع ب"محو لبنان" مصحوبة بصور متظاهرين ملثّمين ثائرين يديرون ضهورهم للكاميرا ويُهدّمون جدران مصرفٍ بالمطارق الثقيلة ليرتفع بعدها صوت رخيم دافيء يُعلن بالصوت العالي: "لازم نكون صف واحد. الإقتصاد ما لازم يموت" بالعامية أيضاً ويختتم الإعلان بالإيادي المتشابكة مرفوعة إلى فوق.
صحيح أنّ معظم اللبنانيين تهدّم مستقبلهم وهم يتشبّثون بالوطن وحاقدين على المصارف ورجال السياسة والمال، لكنّ الثابت أنّ لبنان في الأذهان ليست كلمة فوق ورقة بيضاء يسهل محوها إذا ما انهارت المصارف بعدما نهبت الودائع لمصلحة منظومة السياسيين والحزبيين المحظيين ورجال الأعمال والمصرفيين وحاكم مصرف لبنان.

نموذج عن فلسفة الإقناع لدى المعلن المتذاكي الذي ساوى المصارف بالوطن لكن الصورة والحقائق تنقلب على ضهرها بين ثقافتي المسؤولين واللبنانيين الذين تبخرت ودائعهم وجنى أعمارهم بعدما محتها المصارف ومحت معها أحلامهم واندثرت عائلاتهم نحو أرصفة الفقر والجوع والقمع في الداخل كما عبر عواصم الأرض وأرصفتها في العالم.


تدهورت السياسات النقدية أخيراً، وسقط لبنان في المنطقة الرمادية وبات خارج سياج النظام المصرفي العالمي. وهكذا وجد اللبنانيون أنفسهم خارج مثلّث برمودا مقفلاً بأضلاعه وزواياه الثلاثة أعني المصرف المركزي وزعماء الطوائف وأزلامهم من تجار ومحاسيب وأقارب والمصارف بفروعها التي لا حدود لها يتحلّق أصحابها ومجالس أداراتها في جمعية المصارف. صارت السياسات النقدية تُضاعف أرباح المصارف، على حساب المالية العامة وقطاعات الإقتصاد اللبناني. رُفعت معدلات الفوائد الجارية على سندات الخزينة إلى مستويات غير مسبوقة، مع العلم أنّها تشكل عادةً العمود الفقري لبنية هيكلية الفوائد في السوق المالية خاصة بعد الحروب والكوارث إذ تُخفّض الفائدة إلى المستويات الدنيا تشجيعاً للتوظيفات المنتجة. بالمُقابل رفع مصرف لبنان الفائدة ، إثر الدمار الشامل الذي أحدثته الحروب الأهلية إلى الـ 18%، ممّا ضخّم الأرباح المصرفية واستقطاب الثروات من الخارج لحساب الخزينة.

بدأ تفكيك مثلث برمودا اللبناني إذ أصدر الإنتربول مذكرة توقيف ماحياً رياض سلامة أوّلاً لا لبنان على خلفية مذكرة فرنسية بحقه بعدما أصدر المدعي العام الفرنسي المختص بالقضايا المالية مذكرة باعتقاله بتهم فساد وتزوير وتأليف عصابة لتبييض الأموال والاختلاس مع أنّ سلامة ينفي ذلك بعد تغيّبه عن جلسة قضائية في باريس ثم تبعه القضاء الألماني الثلاثاء 16 الفائت بمذكرة اعتقال بحق سلامة، وهناك إشارات مماثلة من اللوكسمبورغ قريباً وكأنّ الحبل على الجرّار. وصودف أن كنت في اليوم نفسه في عداد "الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات البرلمانية في لبنان" في لقاء القاضي بسام مولوي وزير الداخلية والبلديات لتسليمه التقرير النهائي لانتخابات 2022 البرلمانية، وأسرّ بأنّ وزارته ستنفذ مذكرة الإنتربول بتوقيف سلامة فور قرار القضاء الأخذ بها.


تتوسّع الشقوق فوق الرؤوس الكبيرة، كما يُشاع، مصحوبةً بالنصائح العلنية تُطالب رياض سلامة بالإستقالة الفورية بعدما كان مطمئناً إلى كرسيه طويلاً في حاكمية مصرف لبنان المُصان والمحمي بشراكاتٍ مع المنظومة الأضخم. الجميع بانتظار برامج الإصلاحات وإقرار "الكابيتال كونترول" الأعرج وتعرية المصارف التي ما زالت تهرّب الأموال نحو الخارج حتّى اليوم كما أعلن الياس أبو صعب نائب رئيس مجلس النواب أوّل من أمس سائلاً بغضب:


"ماذا ينتظر رياض سلامة بعد؟
استقل.
أخاطبك مباشرةً عبر الهواء بأنني لو كنت مكانك لاستقلت فوراً لأنّ بقاءك يعني سقوط المصارف ولن أقول أكثر من ذلك إلى أين نحن ذاهبون!"
قطعاً إلى الخراب فليكن الخراب المنتظر!
قد يذكّرنا الخراب بالشاعر الأميركي ت.س. إيليوت في كتابه بعنوان: "The wast land" أي " الأرض اليباب" أو الخراب، لكنّ لبنان لن يُمحى فقد اعتاد جسده وشعبه النظيف على الخرائب.
لبنان ليس كلمة تمحوها ممحاة بطرف قلم.
      بروفسور نسيم الخوري

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا