من "مجرم حرب" إلى مستشار... قصة نازي أسس "التعذيب" في سوريا!
إحجام اللاجئين عن الاستشفاء: الموت ولا الاعتقال أو الترحيل
حدث ما هو متوقع تمامًا. التضافر المريب بين الحملات العنصرية والتمييزية والسّلطة اللّبنانيّة نجح في جعل حياة اللاجئ في لبنان جحيمًا مضاعفًا. النزعة الخبيثة والجامحة لمقارعة وإذلال وتكدير عيش اللاجئين.. أفرزت أخيرًا حالة هلعٍ عمومي لديهم ورهبة من أي مواطن مدني أو عسكريّ على حدٍّ سواء. ففضلاً عن ملازمة البيوت والمساكن والانقطاع القسريّ عن التعليم والتوقف عن العمل (راجع "المدن")، وصل الحدّ عند شطرٍ من اللاجئين المذعورين إلى الاحجام عن طلب الرعايّة الصحيّة أو متابعة استشفائهم، إما خوفًا من التّبليغ عنهم وجعلهم عرضة للاعتقال والتّرحيل، أو نتيجةً للإجراءات الخانقة والتدابير المُجحفة التّي وضعتها بعض البلديات في مختلف المناطق اللبنانيّة.
إحجام عن الاستشفاء
لفتت عدّة تقارير صادرة عن منظمات وجمعيات حقوقيّة وإنسانيّة (محليّة ودوليّة) إلى حالة مستجدّة من الذعر عند بعض اللاجئين، أدّت لتراجع متزايد في أعداد المراجعين والمرضى من اللاجئين والسّوريين المقيمين، في المشافي ودور الرعايّة الصحيّة الأوليّة والعيادات (أكانت حكوميّة أو تلك التابعة للمنظمات الإنسانيّة). وعزت هذه التقارير الإحجام المفاجئ، وربطته بآخر مستجدات حملات التّرحيل الأخيرة وتصاعد خطاب الكراهيّة والتضييق. وتم تسجيل عدد من الوفيات كان بالإمكان الحؤول دونها لو توافرت الرعاية الصحيّة. أما عن المعالجات البديلة فتقتصر على الأعشاب الطبيعيّة والرعايّة التقليديّة المنزليّة، والاستعانة بخبرات حياتيّة، بعضها يحمل جانبًا من الأضرار والعادات غير الصحيّة والطبيّة. واستنكرت المنظمات هذه الحملات، محذرةً من مغبتها وارتداداتها على الصعيدين الصحيّ والحقوقي.
وقد أفادت المصادر الحقوقيّة أن هذا الإحجام تمثل بانقطاع عن طلب الرعايّة الصحيّة الأوليّة والمتابعة العياديّة للمصابين بالأمراض المُزمنة (كالسّكري، أمراض الرئة والقلب، وصولاً للأورام الخبيثة والسّرطان..) والمؤقتة (الالتهابات المتنوعة، الأمراض المعدية كالإنفلونزا والكوليرا، وصولاً لآلام الأسنان.. إلخ)، فضلاً عن الاضطرابات النفسيّة والحالات العاجلة. ولفتت المصادر لكون المرضى المُحجمين هم من كل الأعمار. فيما تمّ رصد تأزم أوضاع عدد من الأطفال الصحيّة وحالات ولادة طبيعيّة في المنازل من دون مُتابعة صحيّة للنسوة وللأطفال حديثي الولادة.. هذا ما أكدته سامية م. (31 سنة)، لاجئة سوريّة قاطنة في بلدة عرسال "للمدن"، مشيرةً لكون شقيقتها "قد اضطرت منذ نحو أسبوع للولادة الطبيعيّة في خيمتها على يدّ إحدى "الدايات" بسبب خوف زوجها من اعتقالهما في المستوصف".
الرعاية الصحيّة
وقد تحدثت بعض التقارير الصحافيّة عن مُلاحظة فِرق "أطباء بلا حدود" خلال الأسبوعين الماضيين تراجع حضور بعض المرضى إلى عيادتها، توجسًا من الاعتقال ومن ثم التّرحيل، في أثناء مرورهم بنقاط التفتيش للوصول إلى المرافق الصحيّة، فضلاً عن اعتذار بعض المستشفيات عن استقبال المرضى ذوي الحالات الحرجة من التابعيّة السّورية. وللتأكد من صحة الخبر، تواصلت "المدن" مع المنظمة آنفة الذكر، للاستفسار عن آخر المستجدات.
وعليه أشار رئيس بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في لبنان د. مارسيلو فرنانديز لـ"المدن" إلى واقع ملاحظة المنظمة زيادة في عدم حضور المرضى إلى مواعيدهم في عيادات المنظمة، خصوصاً في منطقة عرسال، قائلاً: "على الرغم من أننا لا يمكننا أن نثبت بشكل قاطع صلّة مباشرة، إلا أن التوقيت يشير إلى وجود علاقة محتملة. وعلاوة على ذلك، يمكننا أن نؤكد أنه منذ بداية حملات الترحيل، رفض ستة مرضى إحالتهم إلى المستشفيات، خوفًا من الترحيل أثناء عبور الحواجز. وكانت هذه الحالات تشمل أشخاصًا، بما في ذلك الأطفال، يعانون من حالات طبية صعبة ومعقدة. هذا الوضع يثير قلقًا بالتأكيد".
مضيفًا: "على الرغم من أننا لاحظنا بعض الدلائل على تردد الأشخاص في طلب الرعاية العاجلة خوفًا من الترحيل، إلا أنه من الصعب توقع أو تنبؤ بحدوث أزمة صحية في هذا الوقت. ومع ذلك، فإننا قلقون حقًا من العواقب المحتملة لهذا الخوف وتردد طلب المساعدة. من الضروري التصدي لهذه المسألة لمنع أي تأثيرات صحية سلبيّة".
المواطنون واللاجئون: الرعاية للجميع
وفي سبيل الطمأنة لفت فرنانديز لكون المنظمة تُقدم الرعاية الطبية للجميع من دون تمييز بناءً على الخلفية، بما في ذلك العرق والوضع القانوني والأصل العرقي والدين والانتماء السياسي. نعتقد أنه يجب أن يكون بإمكان الجميع الوصول إلى الرعاية الصحية بغض النظر عن وضعهم. لا نطلب من اللاجئين أن يكون لديهم تصاريح إقامة أو أن يكونوا مسجلين لدى أي لجنة لكي يتلقوا مساعدتنا. نحن لا نجمع مثل هذه المعلومات، ونضع أولوية لتقديم الرعاية بناءً على الاحتياجات الطبية بدلاً من الملفات الشخصية الخاصة". مستطردًا: " تقدم منظمة أطباء بلا حدود خدمات رعاية صحية أساسية شاملة. تشمل خدماتنا الرعاية الصحية الإنجابية والرعاية الصحية النفسية وعلاج الأمراض غير المعدية والتطعيمات الروتينية للأطفال في جميع أنحاء البلاد. في الحالات الحرجة، للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية مستشفيات، نغطي أيضًا تكاليف الإحالة، بما في ذلك الولادات والحالات المتعلقة بالأمراض المزمنة".
وفي سؤالنا عن عدد المرضى السّوريين الذي يتلقون الدعم من خلال أنشطة منظمة أطباء بلا حدود، أشار المبعوث: "ليس لدينا أرقام بشأن عدد المرضى السوريين. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن نسبة المرضى المدعومين لا تمثل بدقة الّسياق الحالي. يظل عدد اللاجئين السوريين ثابتًا منذ وصولهم إلى لبنان، ولكننا لاحظنا زيادة في عدد المرضى اللبنانيين الذين يبحثون عن الرعاية الصحية في عياداتنا بسبب الأزمة. يمكنك العثور على عد د المرضى المدعومين من خلال أنشطة منظمة أطباء بلا حدود في تقريرنا الأخير".
وبالرغم من كون المنظمة تعمل في لبنان منذ عام 2008 موفرةً الرعاية الصحيّة المجانيّة للفئات الضعيفة على امتداد مراكزها في جميع أنحاء البلاد (7 مراكز، تضم طواقم أطباء بلا حدود في لبنان، أكثر من 700 موظف، وتوفر الفرق حوالى 150,000 استشارة طبية كل عام). واللافت قبل الأزمة اللبنانيّة الاقتصاديّة وتفجير المرفأ في 4 آب 2020، كان طالبو الرعاية الصحيّة من المنظمة هم 100 بالمئة من اللاجئين. لكن مع استفحال الأزمة لوحظ إقبال المواطنين وسائر المقيمين في لبنان لطلب هذه الرعايّة. ويفسر المبعوث ذلك قائلاً: "تغيُّر النسبة المئويّة لا يعني تضاؤل عدد اللاجئين بل تصاعد أعداد طالبي الرعايّة الصحيّة في عيادتنا الطبيّة ومراكزنا".
الحقّ بالرعاية الصحيّة
الجدير بالذكر أن عددًا من البلديات على امتداد لبنان، متورطة مباشرةً بالانتهاك الفادح لحقوق اللاجئين بالرعايّة الصحيّة. هذا الحقّ الإنساني البديهيّ. فطلب بعض البلديات من المواطنين التبليغ عن اللاجئين المقيمين بصورة "لا قانونيّة" وتقييد حريتهم في التنقل (حيث قامت بعض البلديات بمصادرة سيارات ودراجات نارية يستخدمها السوريون كوسيلة للتنقل)، قد أسهمت في انقطاعهم عن بديهيات الحقوق كالتعليم والطبابة والعمل لتأمين لقمة العيش. وتُشير المعلومات الأوليّة لكون هذا الوضع وصل أوجّه في بلدة عرسال. أما الأشدّ إيلامًا في هذا الوضع هو كون أكثر المناطق ارتباطًا بوشائج عائلية بسوريا وتبادلاً تجاريًا وثقافيًا وتآلفًا معيشيًا هي البقاع الشمالي وتحديدًا عرسال التّي يعيش فيها اللاجئون أسوأ أيامهم أخيرًا..
وعلى الضدّ من كل مناخات الكراهيّة، تنبثق الحاجة اليوم لتوكيد أن أوضاع اللاجئين (كما اللبنانيين) في لبنان ليست آنيّة أو وليدة الصدفة، بل هي حصيلة خذلان دوليّ وإقليمي ومحليّ، الخذلان الذي جعلهم اليوم متروكين فريسة للاضطهاد والتعسف السّلطوي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|