محليات

لا تقسيم… بل تقزيم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إذا لم يقبل “حزب اللّه” بأصول الوفاق وشروطه بينه وبين سائر اللبنانيين الذين وضَعهم أمام أحد حدّين، الوفاق أو الفراق، وفقاً للمعادلة التي طرحناها في المقال السابق، فكيف سيكون الفراق معه في حال إصراره على الغلبة بفوقية السلاح.

هل بالحرب الأهلية وعودة خطوط التماس، وتالياً التقسيم الجغرافي على الأقل، وربما السياسي والوطني؟


إن العودة إلى الحرب الأهلية لم تعد ممكنة، ليس بسبب “عفّة” حزب اللّه عنها وفق ما أعلن أمينه العام حسن نصراللّه قبل بضعة أيام، بل بسبب تبدّل ظروفها ومعطياتها وانقساماتها واصطفافاتها الطائفية الداخلية، وكذلك تبدّل مبرّراتها ووظائفها وأجنداتها الخارجية.

لذلك فإنّ التقسيم ليس مطروحاً على الأرض، ولا في المشاريع السياسية، بل إن ما يلوح في الأفق ويقترب من حيّز التنفيذ هو التقزيم.


والمقصود هنا ليس تقزيم لبنان الكبير بمعناه ودوره ورسالته وجغرافيته، بل تقزيم عوامل انهياره وتشرذمه عبر تضييق مساحاتها ومفاعيلها ونتائجها الخطيرة.

ولا يخفى أن عملية تقزيم المشروع الخطير الذي يتولّى “حزب اللّه” تنفيذه منذ سنوات مُتقناً مهارة القضم، تارة بصلفه العسكري وغزواته، وطوراً ببسط اليد للحوار، أي بثنائية الترهيب والترغيب، قد بدأت فعلاً على المستويين الجغرافي والشعبي السياسي، تحت عنوان انكماش ما سمّيناه مراراً وتكراراً “الشيعوية العسكرية والسياسية” ، خلافاً لكل مظاهر التجبّر والجبروت والاستكبار وسطوة السلاح، بما يمكن وصفه بالوصاية أو الاحتلال الإيراني. ففي تاريخ لبنان المديد أن لا غزوة استقرت طويلاً، ولا احتلال تأبّد.


على الصعيد السياسي، انكشف “حزب اللّه” خارج بيئته انكشافاً سافراً، فقد سقطت في الانتخابات الأخيرة كل أدواته الصغيرة، على امتداد الرقعة الانتخابية من حاصبيا ومرجعيون إلى صيدا وجزين والشوف وعاليه والمتن وكسروان، وصولاً إلى الشمال، ولم يبقَ له فيها سوى فلول هذه الأدوات بما لا يشكّل جسماً سياسياً متماسكاً وثابتاً.

أمّا أدواته الكبرى التي بذل الكثير وبشكل مضنٍ لرفدها بآلاف الأصوات من لحمه الحي كي يُنقذ ماء وجهها، فقد ترهّلت وتضاءل تمثيلها بشكل دراماتيكي عمّا كانت عليه، وباتت هيمنتها وراءها، وأمسى مستقبلها على كف المجهول.


وهذا ما فعله تحديداً في جبيل وبعبدا وبيروت الثانية والبقاع بدوائره الثلاث الغربي والأوسط والشمالي، فأنتج عدداً من النواب المنقطعين عن بيئتهم الفعلية، لا يعبّرون عن وجدانها ولا يتماهون مع تطلّعاتها.


أما على الصعيد الجغرافي والديمغرافي، فقد تكاملت المناطق من بيروت إلى الشمال في وجهه، بأحزابها ورموزها وطوائفها، وكذلك من عاليه والشوف والإقليم إلى صيدا وجزين، ومن راشيا والبقاع الغربي إلى زحلة والبقاع الأوسط، وصولاً إلى مساحات واسعة في البقاع الشمالي وأطرافه.

إنها حالات سياسية وشعبية وجغرافية متواصلة، مع تشكيل طائفي متنوّع، لا تستسيغ مشروعه ولا ترضخ له، وهي تتجه إلى المزيد من التكامل، بغض النظر عن بعض الخواصر النيابية أو الزعاماتية الرخوة، هنا وهناك، ذات البعد المصلحي الضيق.

وقد بات من الصعب جداً تقسيم هذه الحالات المتداخلة والمتكاملة شعبياً وسياسياً وجغرافياً بعدما أنتجت واقعاً يمكن تلخيصه بتقزيم تفشّي “حزب اللّه” داخلها.

وهذا التقزيم هو الدواء الناجع لداء التقسيم.

فحين ينحسر مشروع “الحزب” إلى داخل بيئته، سيتآكل فيها مع الوقت لأن رافضي مشروعه داخل هذه البيئة هم إلى ازدياد. ولعلّ التودد الأخير من نصراللّه في اتجاه “حركة أمل” يعكس في جانب منه استشعاره اعتمال هذا الرفض في مناطقه حيث تتظهّر “بيئة ببيئات كثيرة”!

وهكذا يظهر جلياً أن محاربة التقسيم لا تنجح إلّا بتقزيم وظائف سلاح “حزب اللّه” وتضييق رقعة تأثيره، وهذا ما بدأ فعلاً غداة ١٥ أيار.

وعلى القوى الحرة المتحركة في المناطق التي تم تحريرها من مشروع السلاح أن تتابع “مومانتوم” التقزيم، تفادياً للتقسيم أو الفراق والطلاق، وتأسيساً لصيغة حياة مستقرة تكفل التنوع والحريات والخصائص، تتراوح بين اللامركزية الموسّعة والفيدرالية، وتشمل “حزب اللّه” نفسه بعد تقزيم مشروعه تمهيداً للتحرر التام من هذا المشروع.

لم يعد إنقاذ لبنان مستحيلاً، طالما أن طريقه باتت واضحة، وقد بدأ خطواته الأولى، على أن تتم متابعتها بإرادة واعية وترفّع عن مصالح الزواريب الضيقة، لمواجهة الاستحقاق الرئاسي المصيري بما يستحق من تكامل وتلاحم ووحدة.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا