الإغتراب رهينة العقوبات الأميركية على "حزب الله"
يرزح الاقتصاد اللبناني اليوم تحت أزمة خطيرة، بل الأخطر في تاريخه باتّفاق الخبراء، وهي ليست بالأزمة المستجدة، فهي بدأت في العام 2011 بتدهور اقتصادي كبير جدّاً، رافقته عقوبات اقتصادية على شخصيات تابعة لـ»حزب الله» مثل أسعد بركات وحسن حدرج وأمين شري وأدهم طباجة... وعلى شخصيات أخرى متهمة أميركياً بالفساد كان آخرها جبران باسيل.
هذه العقوبات تصدر عن الإدارة الأميركية أو وزارة الخزانة الأميركية، وتحديداً مكتب مراقبة الأصول الأجنبية المعروف اختصاراً باسم «أوفاك»، الذي يدرج المعاقبين على لائحة سوداء.
وهنا يبقى السؤال دائماً عن مدى تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد اللبناني، خاصة بعد الخضّات التي طالت القطاعين الاقتصادي والمالي بعد شطب البنك اللبناني الكندي عن لائحة المصارف وتفكيكه وبيع أصوله في العام 2011 بسبب اتهامه بغسل الأموال لصالح «حزب الله»، وإقفال جمّال ترست بنك وتصفيته في العام 2019 بطلب من الإدارة الأميركية لارتباطه بـ»حزب الله» واتهامه بتقديم خدمات مصرفية له، وما تبع ذلك من إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن خروج نحو مليار دولار من البلد في أيلول من العام نفسه.
حنين غدار
حنين غدّار: هناك نوعان من العقوبات
في هذا السياق ترى الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حنين غدّار، أنّ «عقوبات عديدة فُرضت على «حزب الله» أو على مموّليه الذين يسهّلون عمليّات تمويله من تبييض أموال وتهريب وغيرها... مع الإشارة إلى أنّ هؤلاء المموّلين معروفون. وهذه العقوبات تُعَدّ من عقوبات الإرهاب التي تفرضها الخزانة الأميركية التي تتبع بدورها سياسات الأمن القومي أو وزارة الخارجية، أي أنّ هناك تنسيقاً بين كل الوكالات المعنيّة».
وهنا تشير غدّار إلى أنّ هناك نوعين من العقوبات الاميركية على أفراد من لبنان حتى الآن:
- «عقوبات الإرهاب (بالتوصيف الأميركي) على «حزب الله» ومسؤوليه ومموّليه، وهم ليسوا بالضرورة أعضاء في «الحزب»، ولكنهم يعملون مع «الحزب» ويسهّلون له التمويل، مثل الذي حصل أخيراً مع ناظم أحمد وغيره.
- العقوبات الأخرى التي شهدناها في الأعوام الأخيرة خاصة «ماغنتسكي»، وهي عقوبات على الفساد (بالتوصيف الأميركي)، وقد طالت جبران باسيل وعلي حسن خليل وغيرهما. وربما تطال أيضاً من يُعيقون سير العدالة في البلاد، لذا من الممكن أن نرى إن قرّرت الإدارة الأميركية، عقوبات على الذين يعيقون سير التحقيق في انفجار مرفأ بيروت». وهنا تذكر الباحثة حنين غدّار أنها كتبت تقريراً عن الموضوع مع توصيات بأسماء يجب أن تطالها العقوبات من أجل تحقيق العدالة.
هناك أيضاً نوع ثالث من العقوبات بحسب غدّار، يتضمن «العقوبات المتعلّقة بالديمقراطية والانتخابات، ولم تفرض حتى الآن على لبنان، لكن هذا لا يعني أنها لن تحدث، إذ إنّ هناك اليوم حديثاً عن الانتخابات الرئاسية وإعاقة سير الديمقراطية في البلاد».
العقوبات لم تكن يوماً على لبنان بل على أفراد
وعن مدى تأثير هذه العقوبات على لبنان، تعتقد غدّار أنّ «كل العقوبات التي ذكرناها لم تكن يوماً على لبنان بل على أفراد. وفي ما يتعلّق بتنظيم «حزب الله» فإنّه مصنَّف إرهابيّاً عند الأميركيين، أما الأوروبيون فهم حتى الآن يقسّمونه ويميزون بين جناحَيه العسكري والسياسي».
وتضيف: «الأوروبيون أنفسهم يعلمون أنّ هذا التقسيم هو مجرّد «كذبة» إذ لا فرق بين الجناحين، ولكن عند الأوروبيين هناك رغبة دائمة بالتواصل مع الجميع، وبالتالي هم لن يستطيعوا التواصل مع مسؤولي «الحزب» إن صنّفوهم إرهابيين، فقرروا استحداث هذا التصنيف ليحافظوا على هذا التواصل معهم. أما الأميركيون فلم يميزوا بين الجناحين السياسي والعسكري، وصنّفوا «الحزب» بمجمله إرهابيّاً».
وتشدّد غدّار على أنّ العقوبات التي ذكرناها بنوعيها «طالت حتى الآن أفراداً فقط، وهي تؤثر على أموالهم وعلى حساباتهم المصرفية وعلى تأشيراتهم وسفرهم، ما يعني أنّها لن تؤثّر على الدولة اللبنانية ولا على مؤسسات الدولة اللبنانية ولا على المؤسسات الاقتصادية في الدولة اللبنانية، ومن يقول بخلاف ذلك لا يعرف المعنى الحقيقي للعقوبات، لأن الفرد المعني وحده وأمواله الخاصة هي فقط التي تخضع للعقوبات، إضافة إلى من يتعامل مع هؤلاء ماليّاً».
مجتمع الأعمال المحيط بالمعاقَبين هو أكثر المتأثّرين
تؤكّد الباحثة غدّار في الإطار نفسه، أنّ هذه العقوبات فعالة على المعاقَبين بمرحلتين:
«أوّلاً على «حزب الله»: وكما نعلم فإنّ كل اقتصاد «الحزب» هو اقتصاد نقدي (Cash economy)، إذن لا تأثير مباشراً للعقوبات عليه،
ثانياً على الأفراد: وفعليّاً حتّى الأفراد الآخرون مثل جبران باسيل وعلي حسن خليل لم يتأثروا بشكل كبير، لأنهم بالتأكيد قد اتخذوا تدابير احتياطية ونقلوا أموالهم إلى أسماء أفراد من أسرهم. بالطبع هناك تأثير من جهة الحدّ من حرية التنقل ونقل الأموال، من أجل ذلك نرى جبران باسيل يسعى لرفع هذه العقوبات لأنها تعرقل له الكثير من أموره».
لكن من جهة أخرى، ترى غدّار «على أرض الواقع، هذه العقوبات هي فعّالة جدّاً. فعلى سبيل المثال جبران باسيل لا يستطيع اليوم أن يصبح في هذه الظروف وفي هذا الوضع رئيساً للبنان وهو معاقب دوليّاً، وإن كان تقنيّاً ليس هناك ما يمنعه، لأنّ ذلك من شأنه أن يضع لبنان تحت خطر مالي ويعرقل الكثير من الأمور على المستوى الدولي».
والتأثير الأكبر بالنسبة لـ»الحزب» وبالنسبة للأفراد برأي غدّار، «هو على مجتمع الأعمال لديهم، فالمعاقبون سواء من «الحزب» أم من التيّار العوني، لديهم في محيطهم مجموعة من رجال الأعمال التي يحتاجون إليها اليوم أكثر من أي مجموعات أخرى. فـ»حزب الله» اليوم يحتاج إلى رجال الأعمال الشيعة الموجودين في أوروبا أو في أفريقيا أو في أميركا اللاتينية، وهؤلاء اليوم سيعيدون التفكير مرّتين قبل التعامل مع «حزب الله» لأنهم سيعرضون أنفسهم للعقوبات، والأمر نفسه هو بالنسبة لرجال الأعمال الشيعة المقربين من حركة «أمل» الذين ليسوا على استعداد لتعريض أنفسهم ولا أعمالهم لخطر العقوبات وعرقلة تحويلاتهم المالية كرمى لـ»حزب الله». كذلك الأمر بالنسبة لمجتمع الأعمال الذي يحيط بالعونيين الذي فرط عقده لنفس الأسباب، وبعد العقوبات التي طالت جبران باسيل. حتى وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى إبداء استعداده للإدلاء بكل ما لديه من معلومات في مقابل الحصول على ضمانات بعدم تعرضه لخطر العقوبات».
وتختم الباحثة حنين غدّار بالقول: «إنّ العقوبات باختصار لا تؤثر فعليّاً على اقتصاد لبنان ولا على اللبنانيين ولكنها تؤثر على المعاقَبين أنفسهم وعلى مجتمع الأعمال التابع لهم، الذي يحتاجون إليه اليوم أكثر من أي شيء آخر».
حسين عبد الحسين
حسين عبد الحسين: الثقة انعَدمت بجواز السفر اللبنانيّ
أمّا الباحث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيّات» في واشنطن حسين عبد الحسين فيرى بشكل عام، أنّ «سمعة «حزب الله» واستغلاله للشبكات اللبنانية المغتربة في الغرب وفي أفريقيا وفي سائر دول العالم، أعطت سمعة سيئة لكل المغتربين اللبنانيين، وخصوصاً لأي شيء يرتبط إداريّاً بلبنان».
ويشير عبد الحسين إلى أنّ «كل من يحمل جوازاً لبنانيّاً في أي مطار في العالم يتعرض لتدقيق وشكوك من أمن المطارات أكثر بكثير من أي شخص يحمل جوازاً آخر من أيّ دولة عربية أخرى. فالثقة انعدمت بدولة لبنان وبالجواز اللبناني بسبب «حزب الله» واستغلاله للموارد اللبنانية والحكومة اللبنانية والجوازات اللبنانية. بنفس الطريقة، استغل «حزب الله» شبكات الاغتراب اللبناني لعمليات مالية عبر المصارف اللبنانية، التي انهارت سمعتها، والبعض منها قد انهارت سمعته أصلاً قبل الانهيار الكبير، حيث أغلق البعض منها بسبب العلم بأنّ «حزب الله» كان يستخدمها لتبييض الأموال».
إسباغ السمعة السيّئة على المغتربين اللبنانيّين
في السياق عينه بالنسبة للمغتربين اللبنانيين، يؤكّد عبد الحسين أنّ «أي مغترب لبناني يريد أن يحوّل أموالاً لأهله أو يستلم أموالاً من أهله، تُطلَب منه معلومات أكثر عنه وعن الشخص الذي يحوّل إليه المبلغ؛ فحركة الأموال من لبنان وإليه هي عرضة لإجراءات فحص وتدقيق وتستغرق وقتاً أكثر بسبب هذه الإجراءات».
كل هذا التدقيق برأي عبد الحسين، هو «بسبب السمعة السيّئة لـ»حزب الله» (في عدد كبير من دول العالم) التي أسبغها على المغتربين اللبنانيين، وعلى الحكومة اللبنانية بشكل عامّ، وعلى كل المرتبطين بلبنان داخله وخارجه».
وفي الختام يقول عبد الحسين إنه «لا يملك معلومات عن حالات محدّدة، ولكن هناك أسماء كثيرة لمتمولين لبنانيين خارج لبنان وداخله، ستدرج على لائحة العقوبات الأميركية وربما أيضاً على لائحة العقوبات الأوروبية».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|