في الأثناء، تنهمك القوى اللبنانية في تثبيت مواقعها، كلٌّ خلف مرشحه. وقد نفى رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يكون لو دريان قد طوى صفحة المبادرة الفرنسية، أو أن يكون قد تخطّى سليمان فرنجية، مؤكداً بذلك تمسّك حزب الله وحركة أمل بدعم ترشيح زعيم تيار «المردة» للرئاسة، وخصوصاً بعدما أبلغ الثنائي لو دريان بالأسباب الموجبة لذلك.
وتقول مصادر الثنائي لـ«الأخبار»، إن خلاصات زيارة لو دريان أكّدت المؤكّد بالنسبة إلى فريقه، وهو أن لا إمكانية للتراجع عن دعم ترشيح فرنجية، إذ لم يُسجَّل أيّ جديد يتعلّق أولاً بإظهار الفريق الرافض لفرنجية رغبة في الحوار، والإمعان في رفض الدعوات الداخلية المتاحة حالياً للحوار، ويتعلق ثانياً بالأسماء البديلة للمرشح جهاد أزعور الذي أثبتت جلسة 14 حزيران انعدام فرص وصوله الى بعبدا. وترى المصادر ذاتها أن التمسّك بأزعور، كخيار مرحلي، هدفه الحفاظ على «وحدة صفّ» الفريق المتقاطع عليه لأطول فترة زمنية ممكنة. على أن الثابت الذي تصرّ عليه المصادر هو الاستمرار بدعم فرنجية بيد، وبالأخرى الاستمرار بالدعوة إلى حوار غير مشروط، مشيرة إلى أن الحوار يمكن أن يأخذ شكلاً وطنياً جامعاً أو على شكل جولات يقوم بها المرشّحون على الأفرقاء كافة لشرح ما يلزم شرحه.
على الضفة الأخرى، وتحديداً في ما يتعلق بخيارات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يبدو أن الرهان على انتهاء «مناورة أزعور» سريعاً لم يكن رابحاً. إذ صار من الواضح أن باسيل الذي كان يأمل دفع «الثنائي» إلى مربّع الاضطرار إلى الحوار على «أنقاض» خيارَي فرنجية وأزعور إثر جلسة 14 حزيران، يحاول تسويق اسم الوزير السابق زياد بارود داخل أروقة فريق التقاطع، وخصوصاً أن الأخير حاز 6 أصوات في الجلسة الأخيرة، كما أنه خيار يمكنه استقطاب عدد آخر من النواب المترددين وأصحاب الأوراق البيض، بحسب اعتقاد «التيار». وتضع مصادر سياسية مواكبة هذا السيناريو في إطار رفع منسوب الضغوط التي يحاول باسيل ممارستها على حزب الله تحديداً لمحاولة إقناعه بالتخلي عن دعم ترشيح فرنجية والذهاب إلى حوار حول اسم أو لائحة من الأسماء التي يمكن أن تكون مقبولة من الطرفين. نجاح هذا السيناريو دونه الرفض الذي يبديه، حتى اللحظة، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لترشيح بارود باعتباره «مرشحاً عونياً»، ما يعني في هذه الحالة إمكانية استمرار تبني اسم أزعور من قِبل فريق المتقاطعين في جلسات أخرى محتملة، ما لم ينجح هذا الفريق في تخطي الاعتبارات التي تحول حتى الآن دون أن يُعلن كلٌّ من أعضائه عن اسم مرشحه المفضّل دون مواربات أو مناورات.
وعليه، يُصبح اسم أزعور، وإنْ كان «مرشح مرحلة» بالنسبة إلى التيار، قابلاً للاستمرار في السباق الرئاسي، تُحدّد مدّة صلاحيته الظروف وإمكانية التوافق على بديل. بالنسبة إلى باسيل والمتقاطعين، فإن طرح الأسماء البديلة في مرحلة «عدم اليقين» هذه يعني أمرين: الأول حرق الاسم البديل، والثاني انفراط عقد التقاطع، وبالتالي خسارة الرافضين لفرنجية ورقة ضغط على داعميه. في هذا الإطار، يمكن إدراج استمرار سمير جعجع بالمجاهرة بموقفه الداعم لأزعور. صحيح أن جعجع كان قد أخبر أزعور يوم التقاه في معراب لأول مرة أنه مُجبر في دعمه لا بطل، إلا أن الصحيح أيضاً أن معراب، كما ميرنا الشالوحي، ترى أن التمسّك باسم أزعور ضرورة في هذه الظروف للحفاظ على استقرار جبهة المتقاطعين، ريثما تتبدّل الأولويات والظروف في انتظار عودة لو دريان في تموز المقبل.
وعمّا يمكن أن يحمله المبعوث الفرنسي الخاص في زيارته المقبلة، تقول مصادر سياسية مواكبة إن هناك خشية جدّية من أن تتحوّل زيارات لو دريان لبيروت إلى ما يشبه جلسات انتخاب الرئيس، في كل جلسة مناورة واسم جديد تفضي إلى مزيد من التعقيدات على المشهد، فيما المطلوب واحد وواضح: «حوار لبناني - لبناني ينطلق من اقتناع الجميع بأن المأزق السياسي الحالي لا يمكن حلّه عبر الشروط والشروط على الشروط».
وهنا، يبرز السؤال حول قدرة باريس على تخطي الواقع اللبناني المأزوم عبر ابتكار حلول من النوع الذي يدفع الجميع الى القبول بالحوار، وخصوصاً أنها لا تمتلك في لبنان الأوراق والأدوات و«المغريات» التي من شأنها أن«تجبر» الأفرقاء على تجاوز الخطوط الحمر التي رسموها لأنفسهم ربطاً بالملف الرئاسي، على عكس الدورَين السعودي والأميركي، ما يفتح باباً لتساؤل آخر حول ما إذا كان مسعى لو دريان الحالي هو آخر الخطّ بالنسبة إلى باريس في لبنان، قبل تدخّل الرياض وواشنطن معاً أو إحداهما بالتنسيق مع الآخر، وفي هذه الحالة يصبح «اللعب» بين «الكبار» ومع «الكبار».