الجواب المسيحي على مطلب "الضمانات" للشيعة وسلاحهم: لنفترق
تتجاوز الأزمة اللبنانية القائمة مسألة انتخاب رئيس للجمهورية، أو حتى الوصول إلى خطة انقاذية إصلاحية مالية وإقتصادية. المشكلة التي تتظهر يوماً بعد يوم تتعلق بصراع هويات ووجهة البلد، دوره، وصيغته. ففي مقابل ما يُتناقل على صعيد خواف الطوائف من أن حزب الله قد يلجأ إلى المطالبة بضمانات سياسية ودستورية لحماية دوره وموقعه وسلاحه. يبرز خطاب مواجه لدى غالبية الأطراف المسيحيين، ولا سيما الموارنة، الذين يعتبرون أن الصيغة اللبنانية برمتها لم تعد قابلة للحياة. وأن هناك اختلافات في الرؤى والتوجهات والثقافات وطريقة العيش وحيوية المجتمع وخصائصه.
مستويات الانقسام
يظهّر الانقسام القائم حول استحقاق رئاسة الجمهورية حجم الصراع الأبعد من مجرد عملية انتخابية وهوية الرئيس. فالانقسام يطال مستويات مختلفة، بما فيها الحقوق والواجبات للشعب اللبناني والتفاوت فيها، كما هو حال السجالات حيال التعاطي مع مؤسسات الدولة أو الجباية أو حتى الصراع للسيطرة على مشاعات ومساحات عامة. في عموم المجتمع اللبناني تتنوع النقاشات والسجالات التي تصب في خانة أن المسيحيين هم الذين يلتزمون بأداء واجباتهم تجاه الدولة، ويلتزمون بدفع الضرائب والرسوم، ويعتبرون أنفسهم أنهم يدفعون عنهم وعن غيرهم، من دون الحصول على الخدمات التي يستحقونها بتناسب مع ما يقدمونه.
لم يكن من الصدفة اجتماع غالبية الموارنة على رفض التسوية السياسية والرئاسية التي يقترحها حزب الله عليهم. وهم يتعاطون مع الاستحقاق بأنهم وحدهم القادرون على تعطيل مجرياته، ما لم يكن يصب في صالحهم أو وفق رؤيتهم. ولكن هنا ثمة مستويين للمشكلة. الأول، مستوى سياسي في إطار التجاذب المستمر والمعروف. والثاني، مستوى يتعلق بالرؤية والمشروع تجاه البلد وصيغته. وإذا كان الشيعة "أمة قلقة" (كتاب وضاح شرارة)، تبحث دوماً عن فرص تقوية الذات من أجل البقاء، ما يدفعهم للبحث عن "ضمانات".. فإن الموارنة عبر التاريخ كانوا دوماً في مواجهات، منذ أيام الروم إلى العرب والمماليك وما بعدهم، وكانت جبال لبنان ملاذهم لمواجهة كل من يريد تطويقهم أو أن يأخذ منهم استقلاليتهم.
تجربة الحرب.. والفيدرالية
من هنا يأتي قول الكثير من الشخصيات المارونية بأن المواجهة اليوم هي مارونية شيعية. وعليه، يقول الموارنة للثنائي الشيعي إنه بدلاً من تعديل الدستور لا بد من الذهاب إلى التغيير بالصيغة.
يعتبر المسيحيون أنفسهم أنهم قد تعلموا من تجارب الحرب، وبعضهم يعود في تفكيره إلى حقبة السبعينيات. إذ اعتبروا في حينها أن المسلمين رفضوا الرضوخ لصيغة الـ 43، وطالبوا بتغييرها. فوقعت الحرب الأهلية والتي كانت فيها محاولات للتعديل بالصيغة، التي وصلت إلى اتفاق الطائف والذي أنتج تعديلاً في الدستور.
اليوم هناك ثلاثة أفرقاء في لبنان، فريق سنّي متمسك بالطائف. فريق شيعي يعتبر ان الطائف لا يمنحه الضمانات التي يريدها لدوره وسلاحه. وفريق مسيحي يعتبر أنه لم يعد بالإمكان التعايش مع هذه الوقائع، ويطرح الذهاب إلى صيغة جديدة فيها استقلالية إدارية وسياسية ومالية لمناطقهم. وهناك كلام جدّي في البيئة المسيحية توافق عليه جهات أكاديمية وصروح دينية تؤيد طرح الفيدرالية. وهذا الأمر ليس من السهل التغاضي عنه.
هناك من يعتبر أن لبنان بلد الأقليات. ولذا، لا يمكن لأقلية وحدها أن تحكم البلد. وفي حال نجح الشيعة في فرض مرشحهم للرئاسة سيكون الآخرون خاسرون، ولن يستطيع هكذا رئيس أن يحكم. وعليه، فإن الطريقة الحالية القائمة في مقاربة الملفات السياسية لن تكون قادرة على إنتاج رئيس للجمهورية، إلا بتسوية كبرى تتوفر لها الرعاية الإقليمية والدولية. وكلما تأخر ذلك، فإن الصيغة كلها هي التي ستكون مدرجة على طاولة البحث، لا سيما أنه في مقابل سعي الشيعة إلى تكريس مكتسباتهم، فإن الموارنة سيكونون حريصين على استعادة ما خسروه من امتيازات على الصعيد العام للدولة والنظام. وبحال تعذّر الأمر فسيسعون إلى خلق مساحات مستقلة داخل مناطق يعتبرون أنها تابعة لهم ديمغرافياً.
منير الربيع - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|