إنّها أبواب الحرب الأهليّة
اذا كان الكاتب الأميركي دوغلاس كنيدي قد قال، اثر زيارته لبنان، "هناك لا تعلم ما اذا كنت في الجنة أم في جهنم"، نقول له، كرعايا، وكضحايا للفظاعات التي ارتكبتها تلك الميدوزا السياسية (برؤوس الأفاعي)، "اننا، يا صاحبنا الأميركي، في جهنم... " !
في ضوء الهيستيريا الطائفية الراهنة، كوباء جماعي، نضيف الى ذلك "اننا في أقاصي جهنم" ديبلوماسي مصري صديق كان يعمل في لبنان قال لنا "انتبهوا، انكم ذاهبون، بخطى حثيثة، الى الحرب الأهلية. ثمة من هم جاهزون لارسال بواخر السلاح الى موانئكم. ولا شك أنك على دراية بأن بعض الساسة عندكم يدارون من أجهزة استخبارات خارجية كما تدار الدمى الالكترونية".
المعلوم أن الآذان المصرية تتلقف الكثير، وأن العيون المصرية ترى الكثير. "لبنان لن يعود الى ما كان عليه. لهذا بعثنا بأكثر من رسالة الى بعض مسؤوليكم نحذر من الأسوأ. مهمة جان ـ ايف لودريان ـ وكما كتبت ـ ليست أكثر من فقاعة ديبلوماسية". قال "لا أحد يحل مشكلتكم سوى الأميركيين، لكن الحل عندهم يمر بتل أبيب لا بطهران، وسوى السعوديين الذين ضاقوا ذرعاً ببهلوانيات الطبقة السياسية في بلدكم. وما عليكم سوى أن تحاولوا قراءة تقارير السفير وليد البخاري لتتبينوا رأيه في هذه الطبقة التي لا تصلح لادارة عربة للخضار. كيف لها ادارة دولة مركبة بتلك الطريقة المعقدة ؟".
في نظره أن "من تدعونهم بـ "المنظومة السياسية" يرون أن أن بقاءهم لم يعد ممكناً الا بافتعال صراعات طائفية. ولكن متى لم تتحول هذه الصراعات الى صراعات دموية تؤدي الى تدمير مجتمعات والى تدمير دول ؟".
لم يقل (وكيف يقول ؟) ان غالبية الحكام العرب يدارون بالريموت كونترول. القادة اللبنانيون ليسوا استثناء في هذا الزمن (اللازمن) الذي تبدو فيها الصراعات الدولية في ذروتها. أما لماذا لا تتدخل مصر في حل المشكلة اللبنانية كما حدث في حالات سابقة، لا سؤال ولا جواب. ثمة انكفاء مصري (مروع) ولا تفسير له.
حين توجد تركيا، عسكرياً، في ليبيا التي تتاخم مصر، وحين نرى اسرائيل في الخرطوم، وكانت امتداداً للقاهرة، في حين أن الجيش المصري، بالمليون جندي، وبآلاف الطائرات والدبابات، لا يؤثر، ولو قيد أنملة، في التصدي للحرائق العابرة للحدود، دون أن نغفل دور الديبلوماسية المصرية العريقة، وصاحبة التجارب المحورية!
اذ نلاحظ أن كل قادة الطوائف ـ مع استثناءات قليلة ـ ضالعون في صناعة الأزمات، مثلما هم ضالعون في لعبة الآخرين (وحيث التقاطع الدراماتيكي بين لعبة الأمم ولعبة القبائل)، نقول للمسيحيين الذي نعي دورهم ان في وجود لبنان، أو في تألق (وتميّز) لبنان، لا تكونوا وقوداً للسياسات الزبائنية، والنرجسية، وحتى القبلية، لبعض القادة، وفي هذه المرحلة الضائعة، حيث خطط توطين اللاجئين الفلسطينيين، والنازحين السوريين، ماضية على قدم وساق. هؤلاء الأشقاء (الضحايا أيضاً)، وقد تحولوا الى أمر واقع، وفوق واقعنا كلبنانيين ما علينا سوى أن نحزم حقائبنا، ونلتحق بأبنائنا في أصقاع الدنيا...
تلك اللغة، لا اللهجة، التي واكبت الأحداث الأخيرة (بالتعبئة الجهنمية التي شارك فيها قادة أحزاب ونواب)، تشير الى أن الحرب الأهلية باتت على قاب قوسين أو أدنى. المسألة لا تحتاج، من جهة، الى أكثر من ضوء خارجي، ومن جهة أخرى، الى أكثر من عود ثقاب داخلي (أو من رصاصة).
للمرة الأولى تصلنا من جهات لبنانية على دراية بحركة الأشباح، وهم في شقوق الجدران، أنهم يتوقعون ما هو أشد هولاً. الاستحقاق الرئاسي ليس سوى تفصيل هامشي في تلك الكوميديا السوداء التي تستكمل حبكتها الدرامية بالتواطؤ بين زبانية الداخل وزبانية الخارج. قطعاً لم تعد الأزمة لا في الفراغ الدستوري، ولا في الفراغ الاداري.
سذّج أولئك الذين يعتقدون أن طائفتهم ستكون بمنأى عن الكارثة. الطوائف كافة مهددة بوجودها، أكانت في أقصى قوتها أم كانت في أقصى ضعفها. اذا ما بقي الايقاع الطائفي على حاله، لا بد أن نصل الى تلك الساعة التي لا يعود فيها من أثر لا للبنان ولا للبنانيين.
تذكروا ما يعنيه المكان. ما حدث مساء الأربعاء، وحيث قرعت الأجراس، أعاد الى ذاكرتنا (وكم تضج بالمرارات، وكم تضج بالأهوال !) أن أبواب الحرب الأهلية على وشك أن تفتح. ما من يد تحاول اقفال أي من هذه الأبواب...
نبيه البرجي - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|