حزب الله بلا غطاء مسيحي جدي...وامتحان لقائد الجيش
درجت العادة في لبنان، أن تلي الإهتزازات الأمنية إبرام تسويات سياسية. ما إن وقعت حادثة الكحالة حتى غرق اللبنانيون في تحليلاتهم حول أبعادها وتداعياتها، واعتبارها جزءاً من التسخين القائم في سبيل فرض وقائع جديدة على القوى المختلفة، والذهاب إلى تقديم تنازلات ينتج عنها في النهاية إتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية. وتمضي التحليلات قدماً في اعتبار أن ما يجري منذ أحداث عين الحلوة إلى ما بعدها من أحداث أمنية بعضها يوضع في خانة الترابط وبعضها الآخر يترك لظروفه الموضوعية، سيقود في النهاية إلى تعزيز فرص وحظوظ قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية. ولكن هل يمكن التعاطي مع مثل هذه التطورات بهذا النوع من التبسيط أو الإستخفاف؟
الجماعات اللبنانية والرغبة بالانفصال
الازمة اللبنانية أعمق من ذلك بكثير، تطاول دور البلد ووجهته. وحال الانقسام السياسي والاجتماعي تنذر بما هو اسوأ. فمتابعة ردود الفعل الشعبية والتعليقات على الحادثة، توضح بأن الجماعات اللبنانية المختلفة غير مستعدة للتعايش مع بعضها. تتنامى اصوات التقسيم والانفصال والطلاق. تتصاعد الدعوات لاعتماد مبدأ الأمن الذاتي. ما يبقي الوضع في حالة جهوزية دائمة للدخول في صراعات وإشتباكات ومعارك. أخطر ما في الأمر، هو تغير وجهة الصراع بين الطوائف اللبنانية، من الصراع السنّي الشيعي سابقاً، إلى صراع بين الشيعة والمسيحيين. علماً أن تحالفات موضوعية حصلت بين الطرفين في السابق، سرعان ما انقلبت. ففي السابق، كان الصراع بين السنة والشيعة أسهل على الحزب، لمجموعة اسباب، اولها استسهال تصويرهم بالإرهاب. ثانيها، ارتكازه على التحالف مع جزء من المسيحيين وتصوير الامر بأنه صراع مع الاكثرية ومن يريد ابتلاع حقوق الاقليات. ثالثها، عدم وجود اي رغبة او توجه لدى السنّة للانخراط في القتال وتسليم زمام الامور للجيش والدولة.
أما الواقع الحالي اليوم فمختلف. غالبية المسيحيين ولا سيما الموارنة، يعتبرون انفسهم مجتمع مقاتل ولديه تجاربه القتالية. كما أن هناك استعداداً دائماً وعلنياً للذهاب إلى الإنفصال والطلاق، وتكريس الفرز الإجتماعي أو السياسي، وهو كلام يتردد على ألسنة الكثير من المسيحيين شعبياً وسياسياً، وصولاً إلى رفع معادلة أن الواقع الحالي لم يعد قابلاً للإستمرار، وبالتالي تكاثر الأحداث، يمكن أن يرفع من منسوب هذه التوجهات. ولا تستدعي الحاجة هنا إلى البحث عن التفاصيل التي دفعت إلى وقوع إشكال الكحالة، يكفي حصول أي حادث عرضي ليتأجج سياسياً ويوضع في خانة محاولات سيطرة طرف على البلد. فما يجري هو جعل الساحة اللبنانية مفتوحة أمام رياح متعددة، ولا يمكن عزل لبنان عن وضع المنطقة وتطوراتها، في ظل ما يحكى عن استقدام الأميركيين لتعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط، وسعيهم إلى قطع الطريق على الإيرانيين في التنف، وفي شرق الفرات، وسط تفاهمات تركية أميركية. في المقابل تعيش سوريا تحت واقع صعب إلى حدود بعيدة، فيما الضغوط تزداد على النظام في البيئة العلوية. ويمكن وضع ما يجري في لبنان كذلك في خانة ممارسة المزيد من الضغوط على الحزب. وفي حين يعتبر بعضهم أن حزب الله يواجه محاولات الضغط عليه بمزيد من التشدد، يرى آخرون بأن الضغوط لا بد أن تدفعه إلى تقديم تنازلات.
فقدان الغطاء المسيحي
في الخلاصات، كشفت العملية أن الحزب مكشوف مسيحياً، وهذا يتضح بردة فعل كل القوى السياسية المسيحية، ما سيتسبب بإحراج للتيار الوطني الحرّ الذي كان يسعى إلى إعادة إبرام اتفاق مع الحزب. وقد يكون ما جرى جزء من استهداف هذا التقارب المتجدد، فبلا شك أن الإشتباك سيؤدي إلى تعثر هذا المسار، في ظل تنامي جو مسيحي عارم مناهض للحزب، بينما ذلك قد يفرض على التيار الوطني الحرّ إعادة اعتماد لعبة الطرف الوحيد القادر على تحقيق الأمن والإستقرار وجلب الحماية للمسيحيين من خلال علاقته بالحزب.
من جهة ثانية، يمكن القول أن الجيش "أخذ القصة بصدره". فلولا بيان الجيش الذي عمل على الموازنة بين الطرفين، ولجم التصعيد، لما كان وقف أي طرف إلى جانب الحزب. وقف الجيش اللبناني في الوسط، على الرغم من الإتهامات التي وجهت إليه بأنه حمى الشاحنة والشحنة ولبّى مصلحة حزب الله، وهو ما دفع ببعض النواب والسياسيين إلى اعتبار أن الجيش اتخذ هذه الخطوة على خلفية ان خلفية ارتداداتها ستصب في صالح قائده.
وأخيراً، من شأن هذه الحادثة أن تزيد حاجة حزب الله إلى إعادة تشكيل تحالفاته، سواء على الساحة المسيحية، أو الساحات الأخرى. من دون إغفال إحتمالات متعددة لتكرار مثل هذه الأحداث في مناطق مختلفة، فهي إما تؤدي في النهاية إلى التسوية وتدفع الحزب لتقديم التنازل، وإما أن الحالة ستكون طويلة ما لم تتدخل جهات خارجية لإيجاد حلّ، وذلك يعني أن المشاكل مرشحة للتصعيد على طريق المزيد من التحلل والمزيد من الدعوات التي ترفض الصيغة وتطالب بتغييرها، وهو أمر لا يمكن حصوله بدون وقوع مواجهة كبرى ظروفها غير متوافرة حتى الآن.
منير الربيع - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|