160 مليون دولار كلفة عودة لبنان إلى خارطة كرة القدم الدولية؟
ينسب لمنتخب لبنان لكرة القدم صفة "المهجّر من أرضه"، شأنه شأن ناديي العهد بطل لبنان والنجمة، والسبب هو خلو "وطن الأرز" من منشأة جاهزة بمواصفات عالمية قادرة على احتضان المباريات الدولية في تصفيات كاس العالم 2026 أو كأس الاتحاد الآسيوي.
معضلة الملاعب هي "أم المشاكل" التي تعانيها اللعبة الأكثر شعبية، حيث يستعين الاتحاد اللبناني لكرة القدم بملاعب صغيرة الحجم، مدرجاتها متقاربة، تنعدم فيها الاجراءات الآمنية، مرافقها لا ترتقي للمستوى المطلوب، فضلاً عن أرضياتها ذات الأرضية الاصطناعية أم كما يطلق عليها "البلاستيكية". وبطبيعة الحال ترتفع نسبة الاصابات.
معضلة تعيد الى الأذهان ما صرّح به رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم المهندس هاشم حيدر عام 2015، عندما دق الناقوس بقوله "عدم توفر الملاعب بات يهدد استقرار اللعبة الشعبية وبطولاتها"، ومنذ ذلك الحين لم يؤخذ كلامه على محمل الجد فوصلت اللعبة الشعبية الى مأزق.
من الريادة الى الهاوية؟
يعد لبنان رائداً في المنشآت الرياضية في منطقة الشرق الاوسط، حيث كانت مدينة كميل شمعون الرياضية من بين أهم الملاعب في خمسينيات القرن الماضي، حتى بعد الحرب الأهلية أعيد بناء الصرح الكبير ليحتضن فعاليات مهمة أبرزها كاس آسيا 2000 والتي أجريت مبارياتها أيضاً في ملعبي صيدا البلدي وطرابلس الاولمبي، كما تم تجهيز ملعب بيروت البلدي ليكون من الملاعب المهمة التي تعج بأبرز أندية العاصمة.
الإهمال مصطلح مشترك بين هذه الملاعب، فطوال عقدين من الزمن لم تكن العناية بهذه الملاعب واستثمارها بالشكل الرياضي الصحيح أو بمشاريع منتجة كما ينبغي، برغم صرف ميزانيات كبيرة، وصولاً الى خروج الملاعب عن الخدمة كلياً، فتحول بعضها الى "مدينة أشباح" أو ثكنات للجيش أو مرتعاً لأمور أخرى لا علاقة لها بالرياضة، ويبدو ان هذا الأمر مرشح للاستمرار لمدة طويلة في ظل الازمة الإقتصادية التي تعانيها البلاد وحاجة كل ملعب الى ميزانية لا يمكن لخزينة الدولة تحملها في الوضع الآني، فضلاً عن شبه استحالة الحلول في ظل القوانين التي تحكم هذا القطاع.
وكان اتحاد كرة القدم قد ناشد مراراً وتكراراً الدولة منحه أرضاً في العاصمة لتشييد ملعباً أقله يستعمل للمنتخبات الوطنية وبعشب طبيعي من دون نتيجة، برغم المحاولات العديدة وأبرزها الاستعانة بملعب حبيب أبي شهلا في منطقة المصيطبة قبل أن يتحول لاحقا الى موقف للسيارات.
وحاول الاتحاد أيضاً الاستفادة من البرامج التي لها علاقة بالبنى التحتية لتأهيل الملاعب والهدف الأساسي منها تحديداً هو استفادة الأندية منها وبعدها مباريات الدوري وتدريبات المنتخبات. مع الاشارة إلى أن هذا الأمر هو من مسؤولية الدولة اللبنانية بكل أجهزتها أي الوزارات والبلديات المعنية هي التي يجب أن تنشئ الملاعب، علماً ان النظام الجديد للاتحاد الدولي "فيفا" ينص على ضرورة أن يمتلك الاتحاد ملعباً ومركزاً تدريبياً.
أندية بلا ملاعب
تتالف العائلة الكروية اللبنانية من حوالي 260 نادياً، غالبيها لا يمتلك ملعباً خاصاً، وهذا يتنافى مع شروط نيل الرخصة، حتى ان هذا العدد من الأندية يعد ضخماً جداً إذ ان معظم هذه الفرق تأسست لأهداف سياسية وانتخابية، أكثرها يعاني من غياب التمويل لعدم مأسستها واعتمادها كليا على ممول واحد، ما يشير الى أن أصل تدهور اللعبة يكمن في أنديتها.
في الموسم الماضي، تنادت الأندية لاجتماعات عدة، ثم مع الاتحاد وصولاً الى وزارة الشباب والرياضة، وبعدها عقد اجتماع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للبحث في حل معضلة الملاعب. يومذاك تعهد بعض رؤساء الأندية الميسورين بتأهيل ملاعب صيدا البلدي ومدينة كميل شمعون الرياضية وملعب بيروت البلدي وملعب بلدية برج حمود على نفقتهم واعتمادها ملاعب بيتية لأنديتهم وذلك بالتنسيق مع الاتحاد.
عُرِضَ على رئيس الحكومة اقتراح تأهيل واستثمار الملاعب الرياضية التابعة للمنشآت الرياضية والملاعب البلدية، وتفعيل عملها وإعادة النهوض بالدور الملقى على عاتقها كأندية اتحادية قادرة للمساعدة في عملية النهوض الرياضي والوطني.و تقرر تشكيل لجنة مصغرة من الإتحاد لمتابعة الموضوع بإشراف وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس صاحب الدور الإيجابي، إلا أن هذا الامر لم يجد الطريق السالكة فاعترضته عقبات كثيرة تتعلق ببيروقراطية الدولة وقوانينها المكبّلة لأي قطاع تحت شعار "التوازن الطائفي".
وناقشت لجنة الشباب والرياضة النيابية أوضاع المنشآت الرياضية التابعة للمؤسسة العامة في اجتماعات عدة حضر بعضاً منها رئيس هيئة الشراء العام جان العلية والمدير العام بالتكليف للمؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والشبابية والكشفية محمد عويدات، وأشار رئيس اللجنة النائب سيمون ابي رميا إلى أن حالة المنشآت كارثية فهي غير مؤهلة لاستقبال الأنشطة الرياضية، كاشفًا عن رغبة بعض الاندية والاتحادات الرياضية والشركات الخاصة لتأهيلها وتشغيلها واستثمارها وذلك ضمن الاطر القانونية المرعية الإجراء لا سيما ما ينص عليه قانون الشراء العام في هذا الإطار.
وتعطلت اللجنة خلال فترة الصيف، حيث كان النائب وضاح الصادق يتابع الأمر مع العلية، وأوضح الصادق ان المشكلة الرئيسية في مدة الاستثمار واقصاها اربع سنوات وهذا ما يحدده قانون "الشراء العام" الذي وضعه المندوب السامي الفرنسي عام 1927، وهو لا يفيد المستثمرين سواء كانوا من الأندية أو الجهات الخاصة".
ورأى مدير عام المنشآت محمد عويدات في حديث لـ"النهار" بأن ثمة ثلاث طرق لإعادتها الى الخدمة "الاولى استثمارها عبر اصدار قانون امتياز، او هبة غير مشروطة من اي طرف خارجي ويكون للمؤسسة الدور الرقابي، وقرار المفوض السامي عام 1927 والتي تسمح استثمار الأملاك العامة لأربع سنوات وهذا لا يفي بالغرض لأن اي مستثمر يطلب مدة أطول لقاء ما يدفعه". مضيفاً " لا يصرف اي ميزانية من الحكومة الى المؤسسة لتقوم بأعمال الصيانة".
الكرة "البلاستيكية"
واستمر الاعتماد في البطولات المحلية على ملاعب فؤاد شهاب في جونية، وأمين عد النور البلدي في بحمدون، والمرادشية، وصور البلدي، العهد والصفاء. أما ملعب الرئيس رشيد كرامي البلدي في طرابلس فهو الوحيد من العشب الطبيعي.
هذه الملاعب تؤثر على تطور اللعب فنياً بسبب معاناة غالبية الفرق من الأرضيات "البلاستيكية"، علماً أنه لا يوجد اي ناد في لبنان يتدرب على ملاعب طبيعية، فكل ملاعب الاندية اصطناعية، كما ان تسويق اللعبة يصبح أصعب لغياب الجماهير بأعداد كبيرة، فضلاً عن تأثر صناديق الاندية التي لا تزال ملتحفة عباءة الرجل الممول.
وفي مناسبات عدة، أبدى الاتحاد اللبناني لكرة القدم استعداده تأهيل الملاعب عبر الاستفادة من برامج الاتحادين الآسيوي والدولي اللذين يشترطان ان تكون السلطة الإدارية للمنشأة والملكية المطلقة على الملعب لفترة من الزمن لا تقل عن عشرين عاماً بيد الاتحاد المحلي، إلا أن هذا الامر ترفضه قوانين الدولة سواء بالمباشر أو عبر البلديات.
وبرزت في نواحي أخرى كيديات سياسية، كما هو الحال بالنسبة لملعب بيروت البلدي، إذ يشتكي رئيس نادي الانصار النائب نبيل بدر من عرقلة مساعيه لاستثمار الملعب المهمل كلياً لتسع سنوات ويقول إن بلدية بيروت رفضت هذا الامر. وتردد لأن هذا الرفض جاء سياسياً-انتخابياً لئلا تتوسع شعبية النائب بدر، وهذه أمثلة على كيفية التعاطي الرسمي مع الشأن الرياضي الذي يرزح أيضاً تحت وطأة "التوازنات السياسية".
وبحسب تقديرات المؤسسة العامة للمنشآت الرياضية فإنها تحتاج الى نحو 160 مليون دولار لتجديد المنشآت بالكامل، أو نحو عشرة ملايين لوضعها في الخدمة بما يلبي الحاجات، أمر يصعب على الدولة تحمله في ظل الكيديات والبيروقراطية، إلا أنه قد يصبح ممكناً في حال التشارك بين القطاعين العام والخاص لا بل تصبح منتجة.
"النهار"- أحمد محي الدين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|