هل يعود الدروز إلى هذه الوصيّة؟
تعايش الدروز بعقلانية مع واقع أوطانهم المستجد في الشرق الأوسط، بعد قيام إسرائيل في العام 1948، حيث تقطعت أوصالهم بعد 9 قرون من الالتحام المشترك في مواجهة تحديات زمنهم، على قاعدة أن "الدروز كطبق النحاس الواحد"، وكان ذلك للمرة الأولى منذ ظهور دعوة التوحيد.
تشبّث الدروز بأرضهم، وكان القرار بألا يتركوا بيوتهم في فلسطين، تماماً كما في سوريا ولبنان. لينطبعوا بحياتهم الوطنية ويكون ولاءهم لدولهم وإن تعارضت وتناقضت مساراتهم على مدى 7 عقود.
دفع الدروز ثمن موقعهم الموزّع بين 4 دول لكنه شبه المتلاصق جغرافياً، وسط التحوّلات الكبرى، في مناطق الجليل شمالي فلسطين والزرقاء في الأردن والسويداء وجبل الشيخ جنوبي سوريا ووادي التيم وصولاً إلى جبل لبنان وساحله. فكانوا محطّ أنظار المخططات الإسرائيلية كمشروع سياج حدودي يؤمّن حماية الكيان الإسرائيلي من الخطر المقبل من الشمال، وإن تعدّدت أوجهه على مدى السنوات الماضية.
هذا السياج الحدودي بأجساد الدروز خُطّط له أواخر الستينات ومطلع السبعينات، وحصلت اجتماعات سرية في روما مع المحاميين اللبناني كمال أبو لطيف والسوري من أبناء مجدل شمس كمال كنج، اللذين سرّبا محاضر لقاءاتهم إلى الشهيد كمال جنبلاط، ليتحرّك الأخير باتجاه جمال عبد الناصر ودمشق ويسقط مشروع الدولة الدرزية في مهدها آنذاك.
عاد المخطّط من جديد، بصراحة أكثر هذه المرة، وبتصريحات رسمية إسرائيلية تسوّق لنفسها كحامٍ للدروز في المنطقة. وكما حصل على اثر حادثة مجدل شمس السورية المحتلة في تموز 2024، تحرّكت إسرائيل بعد الاشتباكات المحدودة التي شهدتها مدينة جرمانا في ريف دمشق، وهي منطقة مختلطة وتضم مواطنين سوريين من مختلف الطوائف، وإن كان الدروز جزءًا أساسياً من نسيجها الاجتماعي.
ويبدو من سرعة الموقف الإسرائيلي وإعطاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أوامره للجيش بالاستعداد للتحرّك لحماية "جرمانا الدرزية"، كما جاء في التصريح ليل السبت، أن المقصود هو نظام دمشق الجديد وما استخدام الدروز إلا رسالة للإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، ومن خلفه تركيا. وكان سبق حادثة جرمانا سلسلة تهديدات من تل أبيب للشرع بضرورة عدم تواجده عسكرياً في الجنوب السوري، مستخدماً مرة جديدة حجة حماية الدروز ليبرّر أي توسيع لعمليات التوغّل البرّي التي بدأها منذ الليلة الأولى لسقوط نظام الأسد، في القنيطرة وجبل الشيخ، الذي بات بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية.
لم يعد المشروع سرّاً، فنتنياهو يبشّر بالشرق الأوسط الجديد، متسلّحاً بعقيدة توراتية، معتبراً أنّ حربه هي حرب القيامة التي ستضمن حياة إسرائيل مئة سنة جديدة. وضمان نتائج هذه الحرب تقتضي وفق مشروعه التوصّل إلى اتفاقيات سلام مع الدول العربية ودول الجوار، من بينها لبنان وسوريا، وقد بدأ الهمس من هذا القبيل في الأسابيع الماضية. إضافة إلى مخططات تفتيت وتقسيم وتغيير خرائط وحدود تشلّعها المناطق العازلة.
وسط هذا المخطط القائم، تندرج محاولة تبنّي إسرائيل للدروز في المنطقة، لا سيما في سوريا، والتي تتعارض مع مواقف الدروز أنفسهم الذين أكدوا على لسان مشايخ العقل في جبل العرب أنهم يرفضون أي انفصال عن سوريا، وأن مشروعهم هو الدولة السورية.
هذا الموقف الدرزي السوري الرافض لتقسيم سوريا يحتاج إلى خطوات عملية من الإدارة السورية الجديدة، تسرّع في وضع الدستور الجديد وإعادة هيكلة الدولة والمؤسسات وإجراء الاستحقاقات الدستورية. هذه الخطوات وحدها الكفيلة بطمأنة كل المكونات السورية، ومن بينها الدروز. فالمحاولات الإسرائيلية تنجح كلما تأخرت دمشق باحتضان الجميع وطمأنتهم وتوسيع دائرة تمثيلهم ومشاركتهم في الدولة الجديدة. وهنا تبرز مثلاً إشكالية التنظيمات المسلّحة الدرزية التي رفضت تسليم سلاحها قبل قيام الدولة.
فالمرحلة دقيقة جداً ولا تسمح بأن يستغرق وضع الدستور الجديد وإعادة تشكيل الدولة 3 سنوات أو 5 سنوات. وبالتالي الردّ على إسرائيل يجب أن يأتي بإجراءات عملية من دمشق كما السويداء، حيث أكّد الدروز مئات المرات بأنّهم مواطنين سوريين ولا مجال لفحص الدم معهم، وهم مطالَبون أيضاً بموقف وخطوات صلبة أمام خطورة المشروع.
القلق الدرزي على المستقبل لا يشبه أي مرحلة أخرى في تاريخهم. هذا ما عبّر عنه بوضوح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط من دار الطائفة الدرزية، الإثنين، داعياً لوضوح الموقف رفضاً للمخطط الإسرائيلي. ليحذّر للمرّة الأولى من خوفه من حرب أهلية لا يعرف كيف تنتهي.
المغريات كبيرة، لكن تاريخ الدروز يظهرهم في كل حقبة متواصلين لا منقطعين عن محيطهم، انخرطوا دائماً في المشاريع الكبرى ولم يعرفوا "القوقعة"، وحتى حين قُيّض للأمير الدرزي فخر الدين المعني الثاني الكبير أن يؤسس الإمارة اللبنانية، جعلها إمارة ممتدة عزّز فيها دور جميع الطوائف وانفتح على الشرق والغرب، ولم يحوّلها إلى إمارة درزية. فلماذا ستغرّهم اليوم أحلام دولة منغلقة لا تشبههم؟
من المفيد التذكير بما كان يكرّره المرجع الروحي للدروز الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين بأن "كل دروز ببلادها". ربما على الدروز أن يعودوا إلى هذه الوصية الذهبية، قبل فوات الأوان.
نادر حجاز - mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|