الصحافة

إمّا أن تخطو "الشرعية" خطوات جريئة... أو أن الحرب قد تعود

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عندما فتح " حزب الله" جبهة الجنوب في اليوم الثاني على 7 تشرين الأول 2023، كثرت التحليلات والتطمينات التي تقول إن "حرب الإسناد" محكومة بقواعد اشتباك تمنع إسرائيل من توسيع رقعة الحرب. سقطت هذه النظرية وكان ثمن سقوطها كارثياً بكل المقاييس. قبل وقوع الهزيمة النكراء تعالت أصوات العقل التي تحذر من التبعات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي تلوح في الأفق، ولكن "حزب الله" كان دخل في حالة الإنكار مبكراً، هذا الإنكار الذي يبدو لا شفاء منه. بالنسبة إلى الحكومة ثمة دلائل غير مطمئنة، حيث تكتفي بمسألة أسباب الحرب وموجبات ما بعدها، بحراك خارجي لتحصين الموقف الوطني. لكن المخاطر لا تعالج فقط ببعدها الخارجي على أهميته. وباستثناء إجراءات ميدانية يقوم بها الجيش اللبناني في الجنوب، تركت الحكومة هذا الملف عرضة لتعدد الآراء داخلها، ولم تعطه الزخم اللازم وضرورة التوجه المباشر إلى "حزب الله" لبدء عملية تسليم السلاح وفقاً للقرار 1701. تزامن ذلك مع عودة وتيرة الحرب إلى غزة وإعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن "لا مفاوضات إلا تحت النار". وكما في غزة، قد يكون الأمر مماثلًا في لبنان، خصوصاً وأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبدو مندفعة على كل الجبهات التي تخدم إسرائيل.

المكابرة التي أدّت إلى الكارثة

في "8 تشرين الاول"، تاريخ "الإسناد"، لم يكترث "حزب الله" لنصائح العودة من الحرب والتهدئة، ولم يأبه بكل المناشدات الداخلية التي اتخذت أشكالاً عديدة، وتحديداً ما جاء في المؤتمرات التي أقيمت في معراب والتحذيرات التي أطلقتها المعارضة السابقة، والتي طالبت بتطبيق القرارات الدولية. هذا فضلاً عن النصائح الخارجية التي حملها الموفدون الدوليون في زياراتهم المتكررة للبنان.

كان على "حزب الله" أن يلتزم بمقررات القرار 1701، وفي بعض الأحيان تفاوض الأميركيون والفرنسيون معه على جزء منه كمرحلة أولى، عبر تراجعه إلى ما وراء "الليطاني"، لكنه كابر في مقاربته، فانتقل الصراع بشكل تدريجيّ من "قواعد الاشتباك" إلى الحرب الشاملة، التي كبّدته خسائر بشرية ومادية جسيمة لم يسبق أن تعرّض لها في تاريخه.

راهن "الحزب" على عدم توسّع رقعة الحرب، ولم يتعلّم من التصعيد الميداني الإسرائيلي في غزة، فوقع في مصيدة آلة الحرب الإسرائيلية، التي تفوقت عليه في لبنان بكل المقاييس. واضطرت قيادة "حزب الله"، من خلال وزرائه في الحكومة السابقة، إلى القبول بترتيبات وُقِّعت في تشرين الثاني الماضي بين لبنان وإسرائيل، بشروط أسوأ بكثير مما كانت معروضة عليه في بداية الحرب. عمليّاً، وقّع "الحزب" على إنهاء دوره العسكري.

جدول زمني للسلاح

أظهرت نتائج الاستحقاقات الدستورية الأخيرة في لبنان تراجع النفوذ الإيراني في لبنان، وكذلك في المنطقة برمّتها، بعد سقوط نظام الأسد في سوريا. دخل لبنان، مع انتخاب جوزاف عون رئيساً للبلاد وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام تحمل بياناً وزاريّاً إصلاحيّاً، مرحلة جديدة واعدة، عنوانها حصريّة السلاح بيد الدولة إلى جانب إصلاحات هو بأمسّ الحاجة إليها.

في جلسة حكومية عُقدت الأسبوع الماضي، طرح الوزراء المحسوبون على "القوات اللبنانية"، من خارج جدول الأعمال، ضرورة وضع جدول زمني لتسليم "حزب الله" سلاحه، مواكبةً لمضمون خطاب القسم والبيان الوزاري، الذي تطرّق كما ذكرنا إلى حصرية السلاح. في المقابل، وخرقاً للتضامن الوزاري، تفرّدت وزيرة حركة "أمل"، تمارا الزين، باعتبارها أن طرح موضوع تسليم سلاح "الحزب" أمر غير وارد بسبب الاحتلال الإسرائيلي والحوادث التي يتعرض لها لبنان. وكأن إسرائيل دخلت إلى لبنان بسبب "حزب الخضر"، مثلاً، وليس بسبب السلاح غير الشرعي، الذي جلب الاحتلال إلى جنوب لبنان. وإذا كان موقف الزّين متوقّعاً نظراً لانتمائها السياسي، فإنّ كلام نائب رئيس الحكومة طارق متري، لا يمكن تفهّمه، حيث أعاد سرديات الحكومات السابقة في الحديث عن الاستراتيجيات الدفاعية، داعياً إلى "تجهيز الجيش اللبناني أولاً، قبل طرح مسألة نزع سلاح "الحزب" وأنّ هذا الوقت ليس لأخذ مجازفات غير محسوبة تُعيد اللبنانيين سنوات إلى الوراء". في السياق، يُمَنّن عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله، الدولة، بأن "الحزب" وضع "في عهدتها مواجهة الخروق الإسرائيلية"، كأنها هي المسؤولة عمّا اقترفت يداه من خطايا مميتة، وضعت لبنان في ساحات جهنّم.

هل تتعظ الشرعية؟

في الطرح الوزاري بضرورة وضع جدول زمني لتسليم سلاح "الحزب"، والذي لاقى حملة تأييد واسعة لدى الرأي العام اللبناني والصحافة على أنواعها، مسؤولية كبيرة أمام الشرعية اللبنانية، ليس من باب تبنّي الطرح من عدمه، بل من باب تطبيقه وضرورة إدراجه في أولويات العمل الحكومي. ومن يسعى إلى إيجاد تبريرات جديدة لحرف الأنظار عن الذهاب باتجاه العمل التطبيقي لهذا الطرح، إنما يلعب بالنار ويضع لبنان في دائرة الخطر، لا سيّما وأن الحكومة اللبنانية هي من وافقت في تشرين الثاني الماضي على تفكيك سلاح "حزب الله" في كل لبنان.

ولعلّ ما يحدث اليوم في غزة، بالتوازي مع الكلام الأميركي الأخير عن عدم جدّية المسؤولين اللبنانيين في التعامل مع سلاح "الحزب"، دليل واضح على استعداد إسرائيل لاستئناف الضربات الكبيرة ربما على لبنان، والتي ارتفعت وتيرتها في الأيام القليلة الماضية.

فهل تتعظ الشرعيّة هذه المرّة وتتخذ كل الخطوات المطلوبة منها لإنهاء "حزب الله" العسكريّ فتسحب سلاحه على التوقيت اللبناني؟ أم أن الحرب هي من ستقوم بهذه المهمّة، خاصة أن هذا السلاح لم يجلب للبنان لا مقاومة ولا توازنات ولا ردع ولا من يردعون؟

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا