السيّد والنازحون: العين على "قانون قيصر"
أطلق أمين عام الحزب السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير لمناسبة المولد النبوي، مبادرة متكاملة لحلّ أزمة النزوح السوري في لبنان، فدعا إلى "وضع خطة استراتيجية وطنية يتّفق عليها اللبنانيون ويحملونها للعالم. يضغطون بها على حكومة تصريف الأعمال والقوى الأمنيّة. تكون مدروسة ومحسوبة ومُجمعاً عليها وطنياً"، على حدّ تعبيره. لكنّ الخطة تفتقر إلى معطيات معلوماتية صلبة، إذ كيف تواجه شيئاً مجهولاً، وذلك لأنّه "لا توجد إحصاءات لمعرفة عدد النازحين السوريين في لبنان، وكلّ الأرقام المطروحة هي تكهّنات". أمّا المنهجية التي يطرحها نصر الله، فهي "معالجة أسباب النزوح السوري لا النتائج". لكنّ أسباب النزوح برأيه، بشقّيه الأمنيّ والاقتصادي، تعود إلى من أشعل الحرب في سوريا، أي الإدارة الأميركية أوّلاً، ثمّ إلى العقوبات التي أصدرها الكونغرس ثانياً. فـ"قانون قيصر حاصر سوريا، وفرض عقوبات على كلّ الشركات التي كانت ستأتي لتستثمر في سوريا، فأدّى إلى نزوح اقتصادي إلى لبنان". فإذا رُفع "قانون قيصر" عن سوريا، وبدأت الشركات بالاستثمار فيها، فسيعود مئات آلاف السوريين إلى بلدهم. هذه هي الرؤية ببساطتها الفاقعة. لذلك، يستنتج السيّد: "حتى يبقى لبنان يجب أن يُلغى قانون قيصر".
فيما الآلية السياسية والأمنيّة المقترحة كبديل من الخضوع لقانون قيصر ومندرجاته: "تشكيل لجنة من الكتل أو النواب أو الوزراء تكون شاملةً لكلّ القوى بغضّ النظر عن أيّ خلاف، لأنّ النزوح السوري يمثّل خطراً وجوديّاً". وبما أنّ هناك من اللبنانيين من يسأل: "لماذا تمنعون السوريين من المغادرة إلى أوروبا عبر البحر بطرق آمنة وتجعلونهم يلجأون إلى طرق غير شرعية عبر الزوارق المطّاطية، فلنعلن لمن يرغب من النازحين أنّ الفرصة متاحة أمامهم من دون الحاجة إلى الهروب ليلاً". وأخيراً ستكون النتيجة المنطقية لهذه الخطة ما يلي: "ستُضطرّ الدول الأوروبية إلى القدوم خاضعةً لبيروت والسراي الحكومي، لتقول للّبنانيين: ماذا تريدون لوقف هذه الهجرة للنازحين؟". والجواب المتوقّع من حكومة تصريف التفليسة الوطنية: "نريد مالاً عاجلاً لإنقاذ اللبنانيين من الغرق". وماذا عن دور الحزب في إقناع حليفه في دمشق بإرجاع السوريين الفارّين من الجحيم على أنواعه؟ يجيب السيّد نصر الله: "لو كان الحزب يسيطر على قرار لبنان لأرسل رئيس الحكومة ليناقش مع الحكومة السورية ملفّ النازحين". وأضاف: "اليوم من يهدّد الوضع الديمغرافي في لبنان ليست سوريا ولا النازحين، بل هي السياسات الأميركية المستكبرة والقبيحة والوقحة".. بعبارة واحدة: "المطلوب تغيير سلوك واشنطن لا دمشق". لكنّ هذا الاستنتاج يفترض كذلك أنّ دمشق لم تخطئ أبداً منذ عام 2011 حتى هذه اللحظة، وأنّ واشنطن هي التي ارتكبت كلّ الخطايا. والمغزى السياسي أن لا حاجة لأيّ تسوية داخلية بين السوريين، ولا ضرورة لإصلاح النظام.
قانون قيصر
بغضّ النظر عن إمكانية نجاح الضغط على أوروبا بإرسال النازحين السوريين إليها "بشكل منظّم وآمن"، في مسار إلغاء العقوبات الأميركية على سوريا وحلفائها، وهو مستبعد طبعاً، لا بدّ أوّلاً من قراءة "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا Caesar Syria Civilian Act"، فهذا القانون صدر عن الكونغرس في 17 كانون الأول عام 2019 كجزء من قانون الدفاع عن السنة الضريبية لعام 2020. وقّعه الرئيس السابق دونالد ترامب في 20 كانون الأول عام 2019، ودخل حيّز التنفيذ في 17 حزيران 2020، ويحمل اسم "قيصر". وهو الاسم المستعار لجندي سوري كان يعمل مع الشرطة العسكرية، ومهمّته تصوير ضحايا السجون، قبل الدفن، بين عامَي 2011 و2014. انشقّ الرجل ومعه ما يقرب من 55 ألف صورة موثّقة لـ1,300 جثّة، ممّا لا يدع مجالاً للكونغرس أو غيره من المؤسسات للتغافل عنها أو التذرّع بمصالح عليا كما فعلت إدارة باراك أوباما عام 2013، في أزمة استعمال السلاح الكيمياوي في الغوطة الشرقية.
ممّا جاء في موادّ قانون قيصر، تُفرض عقوبات على:
1- أيّ شخص أجنبي يقدّم دعماً ماليّاً أو مادّياً أو تقنياً مهمّاً أو ينخرط في صفقة كبيرة مع الحكومة السورية أو شخصية سياسية رفيعة في هذه الحكومة، أو مع شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو قوّة شبه عسكرية، يعمل عمداً، بصفة عسكرية داخل سوريا، لمصلحة الحكومة السورية أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران...
2- أيّ شخص يبيع أو يقدّم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهمّاً أو أيّ دعم آخر، يسهّل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلّي للغاز الطبيعي أو البترول أو الصناعة البترولية.
3- أيّ شخص يبيع أو يقدّم عن عمد قطع غيار للطائرات التي تُستعمل لأغراض عسكرية في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها لأيّ شخص أجنبي يعمل في منطقة خاضعة للسيطرة المباشرة أو غير المباشرة للحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
4- أيّ شخص يقدّم عن علم أو غير علم بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسية مهمّة إلى الحكومة السورية.
في الخلاصة، تتركّز عقوبات قيصر على القطاعات العسكرية التي تديرها دمشق أو حلفاؤها، لا سيما سلاح الطيران، وعلى قطاع الطاقة الذي يمكن أن يموّل المجهود الحربي، ويغذّي النظام وهياكله، وعلى إمكانيات إعمار سوريا قبل بسط الحلّ السياسي.
بالمقابل، يجوز للرئيس الأميركي تعليق العمل بهذا القانون جزئياً أو كلياً لمدّة لا تتجاوز 120 يوماً:
1- إذا توقّفت الحكومة السورية وحلفاؤها عن استخدام المجال الجوّي فوق سوريا لاستهداف السكان المدنيين بالمعدّات الحارقة، بما في ذلك البراميل المتفجّرة والأسلحة الكيميائية، والأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ والمتفجّرات.
2- إذا لم تعد المناطق المحاصرة من الحكومة السورية وحلفائها، ومن ضمنهم حزب الله والميليشيات الإيرانية، معزولة عن المساعدات الدولية أو إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إليها بانتظام، مع حرّية السفر لسكّانها، وحيازتهم الرعاية الطبّية.
3- إطلاق الحكومة السورية سراح جميع السجناء السياسيين لديها، وسماحها لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بالوصول إلى السجون لإجراء التحقيقات.
4- في حال لم تعُد قوات الحكومة السورية وحلفاؤها، ومنهم حزب الله والميليشيات الإيرانية والقوات الجوّية الروسية، متورّطة في استهداف متعمّد للمرافق الطبّية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمّع المدني بما في ذلك الأسواق، في انتهاك للمعايير الدولية.
5- إنجاز عودة آمنة وطوعية وكريمة للسوريين النازحين بسبب النزاع.
6- محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام، عبر المشاركة في مسار مستقلّ وذي مصداقية للحقيقة والمصالحة.
هذا إن لم يتوصّل النظام مع المعارضة إلى حلّ سياسي بعد. أمّا العقوبات فتعلَّق أو توقف بشكل أوضح في حال التوصّل إلى اتفاق سياسي، أو إن كان راجحاً عقد الاتفاق، ومع تعهّد الحكومة السورية بخفض مستوى الهجمات على المدنيين، أو امتناعها عن شنّ الهجمات أصلاً.
باختصار، ليس الأفق مسدوداً تماماً، بل المخارج موضوعة داخل قانون قيصر نفسه، وأيّ مبادرة حسن نيّة من النظام السوري، باتجاه التفاوض الجدّي مع المعارضة، والامتناع عن شنّ الهجمات على التجمّعات المدنية، وإطلاق سراح المعتقلين، والامتناع عن سياسة الاعتقال العشوائي، يمكن أن تعطي لأيّ رئيس أميركي حافزاً لتعليق عقوبات قانون قيصر ولو جزئياً، من ضمن حملة علاقات عامّة مناسبة، مع استعداد عدد من الدول العربية لتطبيع علاقات سوريا مع المجتمع الدولي. فكيف إذا أقدم النظام على إطلاق مبادرة حقيقية لاسترجاع النازحين، وتقديم ضمانات ليس للدول، بل للسوريين أنفسهم، بما يجعلهم يطمئنّون إلى سيادة القانون؟ فكم يمكن لقانون قيصر أن يصمد؟ وإلى متى تمتنع الشركات عن الاستثمار في التعمير والمجالات الإنتاجية المرافقة؟ وماذا ستكون ذريعة الدول التي تنتشر قواتها على أراضي سوريا؟ الحلحلة ليست مستحيلة، على طريق الحلّ المليء بالأشواك. أمّا التمسّك ببقاء ما كان قبل عقد وأكثر على ما هو عليه، وكأنّ شيئاً لم يقع، فأسرع وصفة لخراب سوريا ولبنان معاً.
ما هو الأقرب إلى الواقع في سوريا، العمل الجادّ على عقد مصالحة تاريخية بين مكوّنات الشعب السوري، لإنهاء الحرب وبدء مسيرة التعمير، باتفاق يشبه اتفاق الطائف، أم الإصرار على تعويم النظام الحالي بكلّ ما اقترفه وارتكبه وأخطأ فيه، باعتبار أنّه "ليس بالإمكان أبدع ممّا كان" كما يُستشفّ من الحوار الأخير الذي أجرته قناة "سكاي نيوز عربية" مع الرئيس السوري بشار الأسد؟ هل تنظيم هجرات جديدة إلى أوروبا كفيل بإنهاء أزمة النظام السوري، بما معناه الضغط على حلفاء أميركا لإلغاء "قانون قيصر"، وهو عبارة عن حزمة من العقوبات الأميركية المشدّدة على سوريا، صادرة عن الكونغرس عام 2020 وينتهي مفعولها نظرياً العام المقبل؟ وهل هذه المنهجية نفسها هي الطريقة السليمة لإقناع الدول العربية المؤثّرة بتمويل عَجَلة النظام في سوريا من خلال تعمير ما هدّمه النظام نفسه خلال حربه الطويلة ضدّ البيئات المدنية للمعارضة، من دون تقديم أيّ مبادرة حقيقية لوقف الكراهية في الداخل والعداء مع الخارج؟ وهل يمكن أن يؤدّي الحزب دوراً جوهرياً في هذا الإطار، وهو من يتحمّل كسائر اللبنانيين عبء النزوح وهواجسه، على المديَين القصير والبعيد؟
هشام عليوان - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|