الشرق الأوسط: حرب واحدة... بأهداف متنوّعة!
يدخل الشرق الأوسط أسبوعه الرابع من الحرب على التباسات كبرى في طبيعة هذه الحرب ومسارها والقائمين بها والمرشحين للمشاركة فيها محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، وازدياد الإختلافات والخلافات حول أهداف هذه الحرب على كافّة الجبهات وازاء مختلف القوى التي تنخرط في الصراع بارادتها أو رغماً عنها. هذه الأجواء الضبابيّة في مواقف وممارسات مختلف القوى المشاركة في الحرب أو المعنيّة بها، تلقي بظلّها الكثيف على مسار هذه الحرب نظراً لتنوع الأهداف لدى هذه القوى من مشاركتها في الحرب وما تريد تحقيقه منها. فما هي التجارب التي تطرحها هذه الحرب على الوضعيّة الجيو- سياسيّة لقوى ودول وشعوب الشرق الأوسط في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ المنطقة؟
أولاً: التجربة الوجوديّة
وهي تجربة مشتركة ومتبادلة بين العرب واليهود، إنّها بكل اختصار ووضوح، وبحسب كل الدلائل والمعطيات والممارسات والتصريحات لدى الجانبين: إنها تجربة الحرب المصيريّة. نكون أو لا نكون: دولة حرّة مستقلة قاعدتها شعبها المعروف الهويّة والإنتماء على كافة المستويات: الإتنيّة والدينيّة والأيديولوجيّة. وفي هذه الحرب تتواجه أكثر من دولة ويطرح فيها أكثر من مصير وبشكل بارز: مصير إسرائيل ومصير فلسطين... وبالتالي مصير الشعب اليهودي في إسرائيل ومصير الشعب العربي في فلسطين.
ثانياً: التجربة الجيو- سياسيّة
وهنا تختلط وتتواجه القوى العربية والفارسية. ذلك أنّ «حماس»، رغم كونها فصيلاً من فصائل المقاومة الفلسطينية، فإنّها تنتمي إلى خط السياسة الإيرانية والتي احتضنتها وساعدتها وشجّعتها وبالتالي صارت تابعة لها.
وعليه، صار من المناسب لإيران أن تضيف فلسطين إلى العواصم العربية الأربع التي تسيطر عليها كما يردّد المسؤولون الإيرانيون وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، مع رمزية عاصمتها القدس، والتجربة التي خاضتها «حماس» هي محاولة لتحقيق هذا الهدف. وبالمفهوم الجيو- سياسي ليس هذا مجرّد توسّع سياسي عادي للنفوذ الإيراني، بل هو أكثر من ذلك، وفوق ذلك، وضع اليد الإيرانية على القضيّة الفلسطينية وإبلاغ العالم الإسلامي السنّي بأنّ القضية الفلسطينية هي قضية إيران الأولى وهذا ما يعطي إيران نفوذاً داخل العالم العربي والإسلامي.
إنّ دور إيران الظاهر والمخفي في هذه الحرب هو دور أساسي ومحوري. ذلك أنّ إيران كانت ولا زالت تعتبر نفسها أكثر من قوّة منفردة لدولة محدّدة. فلطالما عملت كي تكون قوة إقليمية تحتوي، ليس مصيرها فقط بل مصير بعض الدول المجاورة لها والقريبة منها وفي مقدّمها لبنان. فمنذ زمن الشاه كانت إيران ولا زالت تنظر إلى نفسها على أنّها قوة أمبراطورية هي «شرطي الخليج» ومثل هذه الصفة تمنحها دوراً أكبر وأوسع في السياسة الإقليميّة والدوليّة. لقد كانت إيران ولا زالت تعيش في ما سمّاه البعض «اللوثة العنصرية».
أي أنّها أمة أكثر تقدّماً من باقي الأمم والشعوب التي حولها. ومثل هذا الإعتبار الذّاتي الفارسي ينعكس على موقف إيران ودورها في الحرب الدائرة حاليّاً في المنطقة. بل أكثر من ذلك يجعل موقف إيران عاملاً أساسيّاً في مسار هذه الحرب ومآلها ومدى ضمورها أو توسّعها ما يدفع بالقوى الدولية (أميركا وفرنسا) إلى نصحها بعدم توسيع ميدان الحرب وخاصة باتجاه لبنان عبر «حزب الله».
ثالثاً: التجربة الأيديولوجيّة
وهي التجربة القائمة على صياغة أيديولوجية معينة، أي عقيدة فكرية فلسفية معينة. وفي هذه الحرب، تتصارع ثلاث عقائد: الأيديولوجية الصهيونية، والقومية العربية عبر منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الدينية عبر «حزب الله». وفي مثل هذه التجربة يختلط الديني بالمدني بالقومي وتعمل كل جهة لتغليب وجهة نظرها وإنجاح خيارها الأيديولوجي. إن الصراع الأساسي قائم حول طبيعة وهوية الدولة، بل الدول التي ستقوم في المنطقة: دولة يهودية، دولة فلسطينية، حلّ الدولتين أين؟ وكيف؟ وما هي حدود هذه الدول، ومن يرسمها، وطبقاً لأيّ قرار من قرارات الأمم المتحدة؟ وهل يمكن أن تكون على خط الرابع من حزيران؟ أليس ما يحدث الآن في سيناء هو قبل كل شيء شطب للحدود والعمل على فرض حدود جديدة تعمل على ترسيمها الدولة العبرية؟
هذا التحوّل في النظرة إلى الدولة في اتساعها وحدودها، يتأثّر في هذه المرحلة من التاريخ بارتفاع نسبة التعصّب والكراهية لدى الشعوب بما يؤدي إلى ظهور الحركات السياسية والإرهابية اليمينية بحيث راحت تفرض نفسها على المجتمعات بما فيها المجتمعات المتحضرة. وفي وضع كهذا يصبح التمييز العنصري أمراً محسوماً الأمر الذي يدفع باتجاه بلورة مجتمع دولاتي من فئة واحدة وهو ما يسعى إليه اليهود مثلاً بالعمل لجعل مجتمع إسرائيل مجتمعاً يهودياً بالكامل وليس فيه نسبة 20% من غير اليهود. وهكذا لا تبقى الدولة دولة إسرائيل بل تصبح الدولة اليهودية! وهذا ما يلغي إمكانية قيام دولة ثنائية في فلسطين كما يصعِّب جدّاً قيام حلّ الدولتين الذي ينادي به الجميع.
رابعاً: التجربة الحضارية - التاريخيّة
وهي متصلة بالتجربة الايديولوجية. وهي تقوم على تساؤل تطرحه هذه الحرب على جميع المشاركين فيها قتالاً أو كلاماً وهو: ما هو العامل الحاسم في قيام الحضارات والدول أي: ما هي القدرة الفاعلة في صناعة التاريخ؟ وعلى عكس ما يظن الكثيرون بأن خلف كل جدار وشخص قطعة من تاريخ شعب مضى، كيف؟ والى اين؟
لقد بات جلياً في أذهان المفكرين السياسيين ان للديمغرافيا الدور الحاسم في رسم مصير الشعوب والأمم. ذلك ان القاعدة الحديثة في علم الجيوبوليتيك تقول: «إن الديمغرافيا هي التي تصنع التاريخ» وبالتالي فإن أي شعب يريد أن يؤكد تاريخه ويسجل هذا التاريخ، عليه ان يعتني بديمغرافيته الشعبية لكي يحفظ نفسه ودولته وتاريخه، إن حشد اميركا لأكبر حاملتي طائرات لديها في شرقي المتوسط هو في الدرجة الأولى ضمان وأمان للديمغرافيا اليهودية في اسرائيل ولكنها فوق ذلك خلق حالة استقرار بين دول المنطقة ومنها لبنان فلا ينزلق الى متاهات الحرب. ومثل هذا التمني سيحمله اليوم إلى إسرائيل الرئيس الفرنسي ماكرون!
أجل إنّ هذه الحرب هي ككل الحروب، تجربة مؤلمة في تاريخ المنطقة والعالم. وهي واقعة بين أيدي فئتين من المسؤولين: الطوباويون الخياليون من جهة والواقعيون من جهة ثانية.
وضمن هذين الخيارين يتقرّر مصير الحرب في المنطقة! مع الخشية أن نكون بموقع صراع الكبرياء الوطنية بين إسرائيل و»حزب الله». وطبيعيّ عندها أن تذهب الأمور في العمق والإتساع. وتلك حالة يصعب التحكّم بها وتنفتح على المجهول.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|