أسئلة عن قدرات "الحزب" وخسائره: هل أضعفته "قواعد الاشتباك"؟
بعد أكثر من شهر على استمرار المواجهات اليومية بين حزب الله وإسرائيل على طول الحدود، ظهرت بعض النقاط الملفتة التي تستحق التوقف عندها في هذه المواجهة، التي يتبادل فيها الطرفان القصف ضمن ما يسمى بـ"قواعد الاشتباك". فعلى الرغم من تحذير حزب الله لإسرائيل بأنه سيرد بقوة وصرامة في كل مرة تخالف فيها إسرائيل القواعد وتستهدف المدنيين في الجنوب اللبناني، سواء جريمة القتل المتعمد للصحافي عصام عبدالله أو في استهداف الأطفال الثلاثة مع جدتهم على طريق عيترون-عيناثا، فإن ردود حزب الله الميدانية تظهر نمطاً من التحفظ وضبط النفس والالتزام بقواعد الاشتباك. لقد رد حزب الله على جريمة عيناثا بإطلاق خمسة صواريخ "غراد" على مستوطنات شمال إسرائيل، صواريخ من تقنيات منتصف القرن العشرين، وهو رد قد يراه البعض لا يتناسب مع فداحة الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل.
قدرات العدو
قيل الكثير في أهداف حزب الله السياسية لمشاركته على طريقته في معركة "طوفان الأقصى"، وربما التزامه بقواعد الاشتباك تضع الأهداف السياسية في حلقة مفرغة من التأويل لا مجال لبحثها هنا. لكن على المستوى العسكري قد تكون هذه المواجهات على الحدود مهمة جداً لتطوير إمكاناته وتعديلها بما يتلاءم مع ما هو جديد في ترسانة العدو، خصوصاً بعد وضع الولايات المتحدة إمكاناتها بتصرف الجيش الإسرائيلي، إن لناحية تسخير الأقمار الصناعية المتطورة لمراقبة المناطق الحدودية أو لناحية إرسال الأسلحة والطائرات المسيرات المزودة بأجهزة رصد تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء مثل MQ-9 Reaper التي تعتبر الأخطر على الإطلاق بين الطائرات العسكرية من دون طيار. لذا، ومع أهمية البعد السياسي لانخراط حزب الله في المواجهة المحدودة، هناك بعد آخر مصيري يتعلق بمستقبل الحزب نفسه وتقييم قدراته العسكرية ومعرفة إمكاناته أمام العدو.
خسر حزب الله بعد شهر من المواجهات مع إسرائيل ما يزيد عن ستين مقاتلاً، وهو عدد كبير إذا ما تمت المقارنة مع خسائره من المقاتلين في مواجهات حرب تموز 2006 وحجمها كمواجهة شاملة تضمنت اجتياحاً برياً. وقيل الكثير في الإعلام المناوئ لسياسة حزب الله عن أنه دفع بمقاتلين عديمي الخبرة إلى الميدان، في إشارة إلى صغر سن هؤلاء المقاتلين الذين سقطوا في المواجهات، رغم عدم إعلان الحزب عن أعمارهم، لكن الإعلام تكهن حداثة سنّهم من صورهم التي يمكن أن تكون قديمة بعض الشيء. لكن لنسلم جدلاً أن معظمهم في منتصف العشرينات فهذا يعني أن لديهم ما يزيد عن خمس سنوات خبرة قتالية في الحرب السورية.
خطر المسيّرات
ليس من المنطقي أن يغامر حزب الله في مواجهة بالغة الأهمية على المستوى الإستراتيجي لتقييم قدراته وقدرات العدو، بأن يدفع إلى الميدان بمقاتلين يافعين متحمسين كما وصفهم بعض المحللين، لكن هناك تفسيراً منطقياً لهذه الخسائر المرتفعة نسبياً، وخصوصاً سقوط 13 مقاتل في يوم واحد، وهو أن معظم هؤلاء هم من مطلقي الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، والتي يحتاج مطلقها أن يكون في الميدان خلال التنفيذ. على عكس الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن إطلاقها من مكان آمن. الأمر الآخر هو منطقة العمليات نفسها، وهي شريط ضيق على طول الحدود، مما يسهّل على العدو رصد كل ما يتحرك في هذه المناطق بمساعدة المسيّرات المزودة بأنظمة كشف حرارية وبث مباشر لصور الأقمار الصناعية.
استطاع حزب الله التقليل من خسائره مع مرور الوقت، وأدرك أن مسيرات العدو المنتشرة بكثافة فوق المناطق الحدودية هي الخطر الأول، وقام بإسقاط واحدة منها، فيما اعتبر إعلاناً عن امتلاكه لصواريخ أرض جو مضادة للطائرات. لكن في الأيام الأولى من المواجهات عمد الجيش الإسرائيلي إلى وضع دبابة قديمة كطعم كي يستدرج مقاتلي حزب الله لمهاجمتها، حتى يكشف مواقعهم بواسطة هذه المسيرات التي تمتلك بدورها إمكانات هجومية ولا تقتصر مهمتها على الرصد. كما أن سرعة القصف بعد الرصد تحولت من دقائق إلى ثوانٍ مع هذه التقنيات الأميركية الجديدة.
أرباح وخسائر
بحسابات الربح والخسارة تكبدت إسرائيل خسائر موازية في العدد لخسائر حزب الله، وهو كما يقول مؤيدوه لم يستخدم شيئاً يذكر من قوته. فصواريخ كورنيت وغراد تعتبر بنظرهم "ألعاب قديمة" مقارنة بما بجعبته من أسلحة حديثة وذات قوة تدميرية عالية، ومسيّرات كاميكاز وكتائب النخبة مثل "الرضوان"، اكتسبت خبرات كبيرة من معارك سوريا المتنوعة، ما يجعلها تتأقلم مع أي طبيعة مواجهة. لكن السؤال الأهم، هل كبّل حزب الله نفسه بقواعد الاشتباك عندما أراد أن يناصر غزة بتحفظ؟ أم أنه يعمل لتعزيز قدراته التكنولوجية، وتفادي إمكانيات الرصد الهائلة التي يمتلكها العدو، ويستفيد مما يوفره مسرح "قواعد الاشتباك" هذا، وبأي ثمن؟
نافع سعد - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|