اللعب باستقرار الجيش: هديّة لطهران ضدّ واشنطن!
قياساً على حرص الإدارة الأميركية على الاستقرار في مؤسسة الجيش اللبناني في هذه المرحلة على رغم أن الديبلوماسية الأميركية لم تتحدث لا في واشنطن ولا في بيروت صراحة عن موضوع انتهاء فترة قيادة العماد جوزف عون للمؤسسة، فإن الكثر يرون أن من يقود علناً معركة منع التمديد لقائد الجيش إذا استطاع تأمين دعم "حزب الله" من أجل تعيين قائد جديد للجيش في مجلس الوزراء، وفي ضوء ما يروّجه نواب وسياسيون عن حماسة الموقف الأميركي للتمديد لقائد الجيش، فإنه يقدم انتصاراً مهماً لإيران لأنها تكون قد كسرت الولايات المتحدة في لبنان في تعويلها على استقرار المؤسسة العسكرية.
وقد لا يكون ذلك مدرجاً في الحسابات الشخصية لأصحاب هذا المسعى، ولكن هذا قد يكون من نتائج ما يسعى إليه هؤلاء علماً بأن الكلام على "الانتصار لإيران" يجعل قيادة الجيش وكأنها محسوبة على الأميركيين فيما معروف أن هناك ثقة مطلوبة أميركياً كما من قوى عدة بهذا الموقع. فالمعركة السياسية التي تُخاض هنا هي من ضمن رسائل التعبير أن العهد الرئاسي السابق لا يزال مستمراً بقوة حتى بعد أكثر من سنة على أفوله وأنه لا يزال يستطيع الاستثمار في ذلك كما في علاقته المتجددة بـ"حزب الله" رغم أن الأخير لم يتجاوب مع رئيس تياره في الحوار الذي أعاد افتعال تجديده مع الحزب تحت عنوان طلب موافقته على اللامركزية الموسّعة والصندوق السيادي لقاء التسليم للحزب "بتعيين" رئيس الجمهورية الذي يريد.
وهذا العنصر المتعلق بقيادة الجيش لا يجوز الاستهانة به ولو تحت عنوان وجود خلافات داخلية حوله لا بل أكثر تحت عنوان وجود خلافات مسيحية مسيحية حوله، فيما انعكاساته تأخذ أبعاداً خطيرة من ضمن المواجهة الحاصلة في المنطقة والتي تستهدف فيه الميليشيات التابعة لإيران في اليمن والعراق المواقع الأميركية، فيما الولايات المتحدة تعد الداعم الأساس للمؤسسة العسكرية. وتبعاً لذلك، يعتقد سياسيون أن ما يسعى إليه رئيس التيار العوني هو ابتزاز الأميركيين الذين لا يبالون فعلاً في ظل انشغالهم بأمور أخرى أكثر أهمية إن في غزة أو سواها، وهذه ثغرة تُستثمَر، ولكنهم لا يرغبون بالحد الأدنى في ما قد يسهم بضرب استقرار المؤسسة العسكرية الوحيدة الصامدة بين المؤسسات التي انهارت، فيما سيتعاطون مع التغيير المحتمل في المؤسسة على ضوء مصالحهم ومقاربتهم لهذا التغيير وأبعاده. ويُذكر أنه في مراحل عدة حين كان الأميركيون لا يرتاحون إلى وزير للدفاع إن كان محسوباً على قوى 8 آذار، وهذا حصل في مراحل عدة، فإن الأميركيين أخذوا وقتاً لكي يعتمدوا على وجود قائد للجيش يمكن أن يثقوا به بغض النظر عن شخص وزير الدفاع الذي تحركه غالباً المرجعيات السياسية التي تسمّيه لهذا المنصب.
ولا ينزّه أحد من القوى السياسية رئيس "التيار الوطني الحر" عن أهداف شخصية وراء هذا المسعى الذي يقوده هو بالذات دون أحد سواه، إذ أبرز ما يرد في هذا السياق هو ما تكرر الكنيسة المارونية قوله بحيث تضع مسعى الإطاحة بقائد الجيش في إطار "المآرب الشخصية" باعتبار أن رئيس هذا التكتل يسعى جاهداً من أجل رفع العقوبات عنه والتي فرضتها واشنطن عليه وفقاً لقانون ماغنتسكي. كما لم يترك سبيلاً يسعى من خلاله إلى محاولة مقايضة الأميركيين من أجل رفع هذه العقوبات عنه ما قد يعزز بالنسبة إليه، على الأقل، فرصة ترشحه للرئاسة واستثمار التعطيل الذي يشارك فيه "حزب الله" بقوة لانتخاب رئيس جديد حتى نضوج أو الوصول إلى هذه المرحلة. ويذهب البعض إلى اتهامه في ضوء تفسيرهم لموقفه من دعم الحزب في احتمال ذهابه إلى الحرب أنه يمحضه هذا الدعم لقاء دعمه في إطاحة قائد الجيش.
وفي الواقع، تتوقف المسألة المتعلقة بقيادة الجيش والتي تشغل الوسط السياسي في لبنان راهناً على نحو مخجل، فيما تتزايد كل يوم الاشتباكات والمواجهات التي تحدث وتتطور في الجنوب، بحيث إن مخاطر الحسابات الخاطئة تتزايد وترتفع أيضاً، على جملة عوامل، في مقدمها: موقف الكنيسة ككل وليس فقط الكنيسة المارونية من رفض هزّ استقرار المؤسسة العسكرية لأهداف أو "مآرب شخصية" وفق تعبير البطريرك الماروني بشارة الراعي.
موقف "حزب الله" في ظل تساؤل عن التناقض المحتمل في مواقفه إذا ساير جبران باسيل في تعيين قائد جديد للجيش فيما أمينه العام حسن نصرالله لدى اقتراب انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامه قال في أيار من هذه السنة: "لسنا مع تعيين حاكم لمصرف لبنان وحكومة تصريف الأعمال لا تعيّن شخصاً في هذا المنصب". وتالياً هل يوافق على تعيين حكومة تصريف الأعمال شخصاً في قيادة الجيش على نقيض ما ذهب إليه عن عمل حكومة تصريف الأعمال وفق الدستور كما قال. موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري إن كان يرغب في تقديم هذا "الانتصار" لباسيل، وكذلك موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي قد لا يناسبه ذلك أيضاً فيما يرى كثر وجوب استخدام هامش متاح أمامه تؤيّده فيه غالبية القوى المسيحية وكذلك الأمر بالنسبة إلى بكركي.
وتخشى مصادر ديبلوماسية أن تشكل الانقسامات المسيحية-المسيحية مرة أخرى غطاءً لتبرير أي خطوة يقوم بها الأفرقاء الآخرون تماماً وفق ما يناسب أهدافهم وحساباتهم على أن يُبرَّر التعطيل القائم لدعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. وهو منطق يجد طريقه للأسف إلى أذهان الديبلوماسيين الأجانب ويحمّل المسيحيين مسؤولية ما يحصل من فراغ في المواقع المسيحية الأساسية في الدولة على نحو يشكّل خطراً كبيراً لا توازيه كل المواقف التي تتخذ على هذا الصعيد. ومع أن واشنطن لن تود أن تتدخل في هذا السياق أقلّه علناً لئلا تعطي قائد الجيش "قبلة الموت"، يرى كثُر أنه ينبغي أن تكون أكثر حسماً في تظهير التبعات ومن سيتحمّل مسؤوليتها.
"النهار"- روزانا بومنصف
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|